دراسة حديثة: مناهج التعليم الابتدائية في إيران "مزدحمة" وتؤدي إلى تعلم "سطحي ومتسرع"

أجرى باحثون من جامعة طهران دراسة تناولوا فيها آثار المنهج الدراسي المزدحم في المرحلة الابتدائية، وقدموا حلولًا لتقليل الضغط التعليمي عن الطلاب والمعلمين في إيران.
وقد نُشرت هذه الدراسة مؤخرًا في مجلة "العلوم التربوية" التابعة لجامعة شهيد جمران في الأهواز، وقد عرّفت المنهج الدراسي المزدحم في المدارس الابتدائية الإيرانية كأحد التحديات الجوهرية التي يواجهها النظام التعليمي في إيران.
شارك في هذه الدراسة كلٌّ من محمد جوادي بور، فرزانه عسكری، رضوان حكيم زاده وكيفان صالحي، وهم باحثون في جامعة طهران.
وقد اعتمد الباحثون على المنهج النوعي، وأجروا مقابلات مع 69 من المختصين في العلوم التربوية، والمعلمين، والطلاب، وأولياء الأمور، لدراسة العوامل الكامنة والنتائج المترتبة على ازدحام المنهج الدراسي في المرحلة الابتدائية.
العوامل الرئيسة لازدحام المنهج الدراسي
أظهرت نتائج هذه الدراسة أن الهيكلية المجزأة والنهج الهندسي في اتخاذ القرارات التعليمية، والثقافة العامة في المجتمع، والتسرع في تنفيذ الإصلاحات، والضعف في المتابعة، وسوء التنفيذ، وانعدام الثقة بقدرات المعلمين، كلها تُعد من الأسباب الأساسية في تكوّن منهج دراسي مزدحم.
وبحسب أحد المتخصصين المشاركين في الدراسة، فإن التدخل المباشر وفرض النفوذ من قبل بعض المجموعات من خارج هيكل وزارة التعليم قد أدى إلى توليد كمٍّ هائل من المحتوى التعليمي. وهذا يتجلى بوضوح في دروس مثل "هدايا السماء"، والقرآن، واللغة الفارسية.
كما أشار الباحثون إلى وجود أداء مجزأ وانعدام التنسيق بين مختلف أقسام وزارة التربية والتعليم.
من ناحية أخرى، اعتُبرت التغييرات التي أُدخلت قبل عقد من الزمن على الكتب الدراسية متسرعة وخالية من الدعم البحثي المتين.
ويرى الباحثون أن هناك نوعًا من انعدام الثقة المتبادل بين المسؤولين والمعلمين، مما دفع المسؤولين إلى الشعور بالعجز أمام هذه المشكلة، فلجؤوا إلى إنكارها.
الضغط على المعلمين والطلاب
تُبيّن نتائج الدراسة أن المنهج الدراسي المزدحم أدى إلى تعليم متسرع ومرتجل، وتعلم سطحي ومؤقت، وإهمال تنمية المواهب والإبداع، وفقدان الدافعية تجاه الدراسة والمدرسة، واستنزاف المعلمين نفسيًا ومهنيًا.
وقال أحد المعلمين المشاركين في الدراسة: "كثافة الدروس جعلتني أفكر فقط في إنهائها، ولم أعد أتمكن من الاهتمام بالطلاب الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة".
ووجد الباحثون أن بعض الأسر الإيرانية، بتوقعاتها "القصوى" من المدارس، تطالب بأن تُدرّس فيها "جميع المهارات التي يحتاجها الطلاب من أجل الاستعداد لحياة مثالية".
وقد أدّى هذا المنظور تجاه المدارس إلى محاولة صُنّاع السياسات التربوية تلبية جميع هذه التوقعات.
كما ساهمت هذه الثقافة العامة في المجتمع في إضافة كم كبير من المواد التعليمية إلى المنهج الدراسي في وقت زمني محدود.
وبحسب نتائج الدراسة، لا ينبغي حل المشكلات فقط عن طريق توسيع مهام المدرسة، بل يجب أن تتحمل الأسر والمؤسسات الاجتماعية الأخرى نصيبًا عادلًا من المسؤولية.
واقترح الباحثون في هذه الدراسة التحول من النهج الهندسي إلى النهج الثقافي، ومشاركة المعلمين في عملية إعداد المنهج الدراسي كأحد السبل الفعالة لتخفيف الضغط التعليمي على الطلاب والمعلمين في المرحلة الابتدائية.
كما أكدوا على ضرورة أن يكون المنهج ديناميكيًا ويُحدّث باستمرار، وعلى ضرورة تجريب المحتوى تجريبيًا قبل تعميمه على المستوى الوطني.
ومن بين المقترحات الأخرى التي وردت في الدراسة: إعادة النظر في كيفية توزيع الوقت بين مختلف المواد الدراسية، تقليل عدد الكتب المدرسية واستبدالها بحزم تعليمية، وحذف المحتويات الصعبة أو الغامضة من المنهج.
ويرى الباحثون أن تنفيذ هذه المقترحات يمكن أن يخفف إلى حد كبير من الضغوط التي يعاني منها النظام التعليمي في المرحلة الابتدائية.
ضرورة مشاركة المعلمين
وأحد أهم النقاط التي شددت عليها الدراسة هو دور المعلمين في تصميم المحتوى. ووفقًا لنتائج البحث، يشعر المعلمون أنهم لا دور لهم في تصميم المحتوى، وأن ملاحظاتهم لا تلقى اهتمامًا من قبل المسؤولين.
وقد ذكر أحد المعلمين المشاركين في الدراسة: "قبل بضع سنوات شاركنا في اجتماع كان من المفترض أن يجيب فيه مؤلف كتاب الرياضيات على أسئلتنا. لكن عندما طرحنا مشكلات الكتاب، انزعج كثيرًا وقال إن الكتاب لا مشكلة فيه، أنتم من لا يُجيد التدريس".
وقد شدّد الباحثون على أن إشراك المعلمين، باعتبارهم المهندسين الأساسيين للنظام التعليمي، في التعرف على مشكلات عملية التعليم والتعلم، يُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق أهداف النظام التعليمي.
وأشار الباحثون إلى تجربة الولايات المتحدة الأميركية في تقليص فصول الرياضيات من 35 إلى 15 موضوعًا، وتجربة أستراليا في دمج مجالات التعلم، مؤكدين على أهمية الدراسات المقارنة والاستفادة من تجارب الدول الأخرى.