كيف أدت أيديولوجيا النظام الإيراني إلى إباحة قتل النساء؟

قتل النساء في إيران هو نتاج تفاعل الخطاب الرسمي، والقوانين التمييزية، وفشل المؤسسات الحكومية. يتناول هذا المقال كيف تعمل السياسات الرسمية، من الحجاب الإجباري والقوانين المستندة إلى القوامة، والخطاب الإعلامي، على جعل "قتل" النساء قاعدة وليس استثناء.
في السنوات الأخيرة، شهدت إيران موجة مقلقة من قتل النساء، خاصة في إطار ما يُعرف بـ"قتل النساء" أو الجرائم المسماة "جرائم الشرف". هذه الظاهرة، رغم جذورها التاريخية، تتجذر في إطار النظام الإيراني الحالي بشكل هيكلي وإيديولوجي ومؤسساتي.
بينما تركز العديد من التحليلات على الأسباب الثقافية، أو ضعف التعليم، أو الهياكل الأسرية التقليدية، فإن الجانب المهمل وأقل دراسة في هذه الأزمة هو التأثير المباشر للسياسات الرسمية، والقوانين التمييزية، والخطاب الإيديولوجي للنظام الإيراني في تشريع العنف.
خطاب العنف الرسمي
تشكل قضيتا قتل إلهه حسين نجاد وهانية بهبودي في شهر يونيو (حزيران) الجاري نموذجين حيين لكيفية تشريع الخطاب الرسمي للنظام الإيراني العنف ضد النساء، ليس فقط كجرائم فردية، بل كظاهرة هيكلية ورمزية.
في قضية إلهه حسين نجاد، أشار القاتل -سائق تاكسي إنترنت- خلال التحقيقات إلى "قلة الحياء" و"التحقير" من قبل الضحية، بل إن المحققين أظهروا تعاطفًا ضمنيًا، مشيرين إلى أن "الضحية استحقت ذلك".
هذا التفاعل الرسمي يعزز الشكوك بأن القتل نجم عن نزاع حول حجاب المرأة، مما يكشف كيف أن الشرطة نفسها تعيد إنتاج الخطاب الذكوري السائد، وكأن الرجل يملك الحق في استخدام العنف للدفاع عن "شرفه" أو استقراره النفسي بناءً على الدعاية الحكومية.
في قضية هانية بهبودي، قام زوجها -بدافع الغضب من نجاحها الرياضي وظهورها الإعلامي بما وصفه بـ"حجاب غير لائق"- بقطع يديها ثم خنقها.
إلى جانب قضية الحجاب والغيرة، يعكس هذا القتل رمزيًا محاولة للقضاء على جسد نسائي مستقل وناجح.
في كلا القضيتين، تلاشت الحدود بين العنف المنزلي والعنف السياسي-الرمزي.
القاتلان هم أشخاص شعروا بتهديد سلطتهم ونفوذهم على المرأة، وفي غياب الدعم القانوني والاجتماعي، استندوا إلى خطاب يشرّع "العنف دفاعًا عن الرجولة".
عندما تتعامل الأجهزة الرسمية ووسائل الإعلام مع هذه الدوافع بغموض أو إشادة ضمنية -مثل التساهل في التحقيقات، أو إبراز رواية سرقة هاتف في قضية إلهه، أو تصوير القاتل كضحية لشرفه- فإن القتل لم يعد يُعرّف بموجب القانون، بل أصبحت الصور النمطية والخطاب الرسمي هما اللذان يمهدان له.
القانون والقوامة والإفلات من العقاب
إحدى ركائز العنف المشروع ضد النساء في إيران هي الإطار القانوني الذي يمنح الرجال سلطة القوامة والسيطرة غير المشروطة على النساء. على وجه الخصوص، المادة 301 من قانون العقوبات، التي تعفي الأب أو الجد الأبوي من عقوبة القصاص في حال قتل ابنته، تظهر هيكلية قانونية تجعل حياة المرأة بلا قيمة أمام إرادة الأب.
في العديد من حالات قتل النساء على يد الأب أو الأخ أو الزوج، يُبرَّأ المتهم أو يُحكم عليه بعقوبة خفيفة، مما يفقد القانون أي تأثير ردعي.
علاوة على ذلك، تنص المادة 1105 من القانون المدني على أن رئاسة الأسرة من حق الرجل، بينما تمنح المادة 1133 الرجل الحق الأحادي في الطلاق، مما يرسخ هيكلية هرمية تجرد المرأة من القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة.
في مثل هذا السياق، يُنظر إلى العنف الممارس لـ"الحفاظ على سلطة الأسرة" من قبل الرجل على أنه مفهوم أو مقبول، حتى من قبل النظام القضائي، حيث يوصي القضاة أحيانًا بالعفو أو يرون القتل نتيجة "غضب" ناتج عن سلوك المرأة.
الخطاب الرسمي.. إعادة إنتاج الذكورية والعنف
يستند الخطاب الرسمي للنظام الإيراني إلى إيديولوجية دينية-سياسية تقصر دور المرأة الاجتماعي على المنزل، الزوجية، الأمومة، والعفة. في هذا الخطاب، تُحترم المرأة إذا كانت "مطيعة" و"محجبة"، أما إذا خرجت عن هذه الحدود، فإنها تصبح تهديدًا للنظام الأخلاقي والاجتماعي.
قد وصف علي خامنئي، مرشد النظام الإيراني، المرأة الغربية بأنها "متخلفة وبلا هوية"، مؤكدًا أن على المرأة الإيرانية أن تظل ضمن نموذج "المرأة الإسلامية"، التي تجسدها زينب وفاطمة الزهراء.
في هذا الإطار، لا يُسمح للرجل فحسب، بل يُطالب بمراقبة "امرأته".
تعمل مؤسسات مثل شرطة الأخلاق، ومجلس الثقافة العامة، ومنظمة الدعاية الإسلامية، وحتى وزارة التربية والتعليم، على تعزيز هذه الصورة باستمرار.
تقدم الكتب المدرسية من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية المرأة كربة منزل ومطيعة، والرجل كمعيل وقوام الأسرة، مما يعيد إنتاج عقلية هرمية ذكورية في الأجيال الجديدة منذ سن مبكرة.
المؤسسات التنفيذية: عجز أم تواطؤ منهجي
لا تعاني المؤسسات التنفيذية من عجز في منع العنف فحسب، بل تظهر أحيانًا تواطؤًا منهجيًا في التعامل معه.
غالبًا ما تشجع الشرطة النساء اللواتي يبلغن عن العنف الأسري على العودة إلى المنزل و"حل الخلاف".
تركز مراكز الإرشاد الحكومية على "تعزيز الأسرة" بدلاً من حماية حياة النساء. يوجد عدد محدود جدًا من الملاجئ الآمنة في البلاد، وميزانياتها ضئيلة وغالبًا سرية.
في حالات القتل الشرفي، غالبًا ما تتجاهل تقارير التلفزيون الرسمي أو وكالات الأنباء المرتبطة بالأجهزة الأمنية الضحية، وتركز على رواية العائلة أو القاتل.
قضايا مثل رومينا أشرفي، ومونا حيدري، وغزل حيدري، هي أمثلة على التعامل المنهجي لوسائل الإعلام مع هذه الظاهرة: التركيز على دافع "الغيرة"، تصوير القاتل كأب متألم أو زوج غاضب، وتجنب تحليل الهياكل الداعمة للعنف.
في هذا النظام السياسي، لا يُعد الحجاب الإجباري مجرد أداة للتحكم الديني، بل أصبح أداة سياسية لتشريع العنف ضد النساء.
وصف مرشد النظام الإيراني عدم ارتداء الحجاب بأنه "حرام سياسي"، مشيرًا إلى أنه لم يعد مجرد مخالفة شرعية بل حرب ضد النظام.
هذا الخطاب يمهد لقمع النساء. تستخدم الشرطة شرطة الأخلاق، وقوانين مثل "قانون الحجاب والعفة"، وتقنيات المراقبة، لاعتقال النساء غير المحجبات، وإذلالهن، وتغريمهن.
هذه السياسات والخطاب الرسمي يعملان على تطبيع العنف ضد النساء، ويرسلان رسالة واضحة: إذا لم ترتدِ المرأة الحجاب الإسلامي، فإن توبيخها، أو معاقبتها، أو حتى القضاء عليها يصبح مشروعًا من وجهة نظر النظام.
العنف كوسيلة لاستعادة الهوية في نظام استبدادي
في الأنظمة الاستبدادية، يلجأ الرجال من الطبقات الدنيا أو المتوسطة، الذين يفتقرون إلى السلطة في المجالات الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، إلى السيطرة على الأسرة كملاذ أخير للسلطة.
في مثل هذه الظروف، لا تُعد السيطرة على المرأة مجرد أداة لممارسة القوة، بل عنصرًا لإعادة بناء هوية الرجل المهددة. يتم تعزيز هذه الآلية في إيران اليوم، ليس فقط بشكل سلبي، بل بشكل نشط من قبل مؤسسات السلطة.
يصور النظام الرجل المسلم "الغيور"، الحامي للنظام الأسري، كبطل أخلاقي.
ونتيجة لذلك، يرى الرجال أن العنف ردًا على عصيان المرأة أو استقلالها ليس فقط جائزًا، بل واجبًا للدفاع عن كرامتهم وأسرهم. هنا يظهر قتل النساء ليس كفعل جنوني لحظي، بل كسلوك اجتماعي "مفهوم" في أذهان مرتكبيه.
لذلك، فإن قتل النساء في إيران ليس حدثًا منفصلاً عن السياسة، بل هو نتاج السياسة. يوفر النظام الإيراني، من خلال سن قوانين تعزز القوامة الذكورية، والترويج لنموذج كاره للنساء وذكوري للعلاقات البشرية، وعدم فعالية المؤسسات التنفيذية، بيئة تجعل قتل المرأة كـ"حل للمشكلة" أمرًا متخيلًا.
إن مكافحة قتل النساء في إيران لا تمر فقط عبر التعليم أو بناء الثقافة، بل تتطلب إعادة تقييم جذرية للهيكلية القانونية، والسياسات التنفيذية، والخطاب الرسمي للنظام.
فقط في ظل هذه الظروف يمكن أن نأمل بمستقبل تُعترف فيه بحياة المرأة كقيمة مستقلة، آمنة، ومحترمة بعيدًا عن إرادة الرجل.