قال العضو السابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمد حسن آصفري، إن الولايات المتحدة تعلم أن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي.
وأضاف: "وقف تخصيب اليورانيوم في إيران مجرد ذريعة تطرحها أميركا ضمن مسار المفاوضات".
وأوضح هذا النائب السابق أن "العداء الأميركي موجه ضد أصل النظام في إيران".
وتابع: "حتى لو تخلت إيران اليوم عن صناعتها النووية، فغدًا سيطرحون موضوع الصواريخ ويطالبون بإزالتها".


أُعلنت محكمة "أولد بيلي" بلندن، خلال جلسة تمهيدية، بدء محاكمة 3 إيرانيين في أكتوبر (تشرين الأول) 2026، وذلك بعد اتهامهم بالتعاون مع جهاز الاستخبارات التابع لنظام طهران.
وقد أعلن محامو الدفاع عن المتّهمين، وهم: مصطفى سبهوند (39 عامًا)، فرهاد جوادي منش (44 عامًا)، وشابور قلعه علي خاني نوري (55 عامًا)، يوم الجمعة أن موكّليهم من المرجح أن يحصلوا على "البراءة" من جميع التهم الموجّهة إليهم.
وستُعقد الجلسة الرسمية لتسجيل الدفاعات التمهيدية للمتهمين في 26 سبتمبر (أيلول)، على أن تبدأ محاكمتهم في 5 أكتوبر 2026 في محكمة "كرون وولوِيتش" بلندن.
وتتعلّق التُهم الموجّهة إليهم بـ "جمع المعلومات والتخطيط لتنفيذ أعمال عنف" على الأراضي البريطانية.
وقد جرى اعتقال هؤلاء الثلاثة في 4 مايو (أيار) الماضي، ولا يزالون قيد الاحتجاز. وهم أول مواطنين إيرانيين يُلاحقون قضائيًا بموجب قانون الأمن القومي البريطاني الصادر عام 2023، وهو قانون يستهدف التهديدات الصادرة عن "دول معادية".
وتتّهم السلطات البريطانية الرجال الثلاثة بالقيام بأعمال يُعتقد أنها تصبّ في مصلحة جهاز استخبارات أجنبي، وقد حدّدت الشرطة ووزارة الداخلية البريطانية أن هذا الجهاز تابع لإيران.
وتشير الاتهامات إلى أن الأنشطة المزعومة لهؤلاء الثلاثة جرت بين أغسطس (آب) 2024 وفبراير (شباط) 2025.
اتهامات بمراقبة قناة "إيران إنترناشيونال"
وتقول النيابة العامة إن الإيرانيين الثلاثة متّهمون أيضًا بمراقبة وتنفيذ عمليات تعقّب وتحديد مواقع أفراد معيّنين داخل بريطانيا.
ويُرجَّح أن الصحافيين العاملين في قناة "إيران إنترناشيونال" كانوا من بين الأهداف المحتملة لتلك العمليات.
والجدير بالذكر أن "إيران إنترناشيونال" شبكة مستقلة يقع مقرّها الرئيس في العاصمة البريطانية لندن، وتبثّ باللغة الفارسية، تُعدّ منبرًا إعلاميًا واسع التأثير داخل إيران، رغم المساعي المكثّفة للنظام الإيراني لحجب الإنترنت وعرقلة استقبال البثّ الفضائي داخل البلاد.
وبحسب لائحة الاتهام، فإن سبهوند يُتهم بتنفيذ "تعقب، وتحديد مواقع، وإجراء تحرّيات عبر المصادر المفتوحة" بغرض "ارتكاب أعمال عنف شديدة" ضد أحد الأشخاص في بريطانيا.
أما جوادي منش ونوري، فمتّهمان بتنفيذ "تعقّب وتحديد مواقع" بنيّة تمكين أطراف أخرى من تنفيذ "أعمال عنف شديدة" ضدّ أفراد على الأراضي البريطانية.
ردّ الحكومة البريطانية
عقب الإعلان عن التهم في شهر مايو الماضي، أصدرت وزيرة الداخلية البريطانية، إيفيت كوبر، بيانًا رسميًا علّقت فيه على الاتهامات الموجّهة إلى المواطنين الإيرانيين الثلاثة.
وقالت الوزيرة البريطانية: "يجب أن يُحاسب النظام الإيراني على تصرّفاته.. لن نتسامح مع التهديدات المتزايدة من قِبل الدول الأجنبية على أراضينا."
وأضافت أن الحكومة البريطانية ستدرس اتخاذ مزيد من التدابير لمواجهة التهديدات الصادرة عن حكومات أجنبية تستهدف الأمن القومي البريطاني.
الوضع القانوني والإقامي للمتهمين
كان المتّهمون الثلاثة قد حصلوا على تصاريح إقامة مؤقتة في بريطانيا بعد دخولهم البلاد بشكل غير قانوني.
وقد دخل سبهوند إلى بريطانيا عام 2016 مختبئًا في شاحنة، وتقدّم بطلب لجوء. أما جوادي منش، فقد وصل إلى بريطانيا عام 2019 عبر قارب صغير، وطلب اللجوء لأسباب دينية.. أما طلب اللجوء الخاص بـ "نوري" فقد رُفض عام 2024، وهو حاليًا في مرحلة الاستئناف.
وبحسب موقع "إيران واير"، فقد دخل نوري إلى ألمانيا عام 2019 مستخدمًا هوية وجواز سفر برازيليين مزيّفين، وقدّم نفسه كمعارض سياسي وطلب اللجوء.
وتفيد التقارير بأن جميع طلبات نوري للجوء، وكذلك استئنافه، قد رُفضت في ألمانيا. وفي أواخر عام 2022، وقبل صدور القرار النهائي للمحكمة، غادر نوري ألمانيا.

تجاوزت قضية اتهام ثلاثة رياضيين إيرانيين باغتصاب جماعي في كوريا الجنوبية حدود الرياضة، وتحولت إلى اختبار أخلاقي ودبلوماسي لنظام يُعرف بتغطيته على العنف الجنسي، حين يتورط فيه ممثلوه.
وعندما يُتَّهم رياضي يُمثّل بلاده في المحافل الخارجية، بصفته رمزًا للفخر الوطني وأداة للدبلوماسية الحكومية، بارتكاب عنف جنسي.. كيف ينبغي أن تتصرف الحكومات؟
وحين تلوذ حكومة بلاده بالصمت، أو تقلّل من شأن الاتهام، أو تسخّر كل إمكاناتها للدفاع عن المتهم- ولو على حساب حقوق الضحية- ماذا يكشف لنا ذلك؟
وقضية اغتصاب عدد من الرياضيين الإيرانيين لامرأة كورية جنوبية ليست مجرد قضية جنائية؛ بل نافذة على السياسات العالمية تجاه العنف الجنسي، وعلى الحصانة التي يتمتع بها أصحاب السلطة، وعلى العلاقة المقلقة بين الدبلوماسية الرياضية والذكورية المؤسسية.
قضية عابرة للحدود
وبحسب التقارير الرسمية المنشورة في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية، فقد تقدّمت شابة في العشرينيات من عمرها ببلاغ إلى شرطة مدينة "غومي"، أفادت فيه بأنها تعرّضت للاغتصاب الجماعي على يد ثلاثة أعضاء من البعثة الرياضية الإيرانية، في أحد الفنادق التي أقامت بها الفرق المشاركة.
وهؤلاء الثلاثة، الذين أوفدوا إلى كوريا الجنوبية للمشاركة في بطولة آسيا لألعاب القوى 2025، محتجزون حاليًا بتهمة "الاغتصاب الجماعي"، وهم رهن التحقيق.
وقد أعلنت الشرطة الكورية منعهم من المغادرة حتى انتهاء الإجراءات القضائية، والتي قد تستغرق عدة أشهر. وفي الأثناء، أُفيد عن محاولة انتحار فاشلة لأحد هؤلاء الرياضيين، فيما نفى آخر براءته خلال مكالمة هاتفية مع شقيقه.
وبينما تؤكّد الشرطة الكورية وقوع جريمة الاغتصاب وتُواصل تحقيقاتها الرسمية، جاءت ردود مسؤولي النظام الإيراني حتى اللحظة متحفّظة وغامضة.
وقال نائب رئيس اتحاد ألعاب القوى، هاشم صيامي، في تصريح مقتضب للصحافة: "ليست لدينا معلومات دقيقة بعد. ننتظر عودة الفريق إلى إيران لإجراء التحقيقات. لا يمكننا إصدار حكم في الوقت الحالي".
وهذا التصريح لا يكتفي بالتهرب من اتخاذ موقف واضح تجاه تهمة بهذا الحجم، بل يعيد إنتاج نمط مألوف في تعاطي النظام الإيراني مع قضايا العنف الجنسي: الإنكار أو الإيهام بالحياد.
وفي الوقت ذاته، اكتفت بعض وسائل الإعلام شبه الرسمية داخل إيران، ومنها "خبر ورزشي"، بنقل تصريحات بلا مصدر تحدثت عن احتمال "سوء فهم ثقافي".
ومثل هذا التناول، الذي يناقض معطيات الشرطة الكورية، أثار ردود فعل سلبية في كوريا الجنوبية، ويُظهر كيف أنّ بعض وسائل الإعلام الإيرانية، حين يتعلق الأمر باتهامات جنسية، تقدم الحفاظ على صورة "النظام" على حساب الحقيقة والعدالة.
ولا تعد قضايا العنف الجنسي في الرياضة الإيرانية جديدة؛ ففي عام 2018، أشارت تقارير إلى اتهام مسؤول في الاتحاد الإيراني لكرة القدم بالتحرش الجنسي بلاعبات منتخب الناشئات تحت 15 عامًا.
وفي عام 2019، أكد أحد أبطال المصارعة الإيرانيين السابقين، من دون كشف هويته، حدوث "اعتداءات جنسية من قِبل بعض المدربين أو المسؤولين على لاعبي منتخب الناشئين".
كما لجأت بعض الرياضيات والمدربات الإيرانيات إلى مغادرة البلاد، والتصريح بتعرضهن للتمييز أو التهديد أو العنف الجنسي. في كل هذه الحالات، اتّبع النظام الإيراني النمط ذاته: الصمت الرسمي، فرض الرقابة على وسائل الإعلام، التقليل من شأن الضحايا، أو محاكمة الضحايا أو كتم أصوات المبلّغين عبر التهديدات القضائية أو منع السفر أو الضغوط الأمنية.
واللافت في هذه القضية، حتى لحظة كتابة المقال، أنّ الحكومة الإيرانية لم تصدر أي بيان رسمي يدين الواقعة أو يعلن استعدادها للتعاون القضائي مع كوريا الجنوبية. وحده المتحدث باسم لجنة الرياضة في البرلمان الإيراني، روح الله لك علي آبادي، اعتبر الحادثة "لا يمكن التغاضي عنها".
وهذا الصمت الصارخ لا يرسل أي رسالة دعم للضحية، بل يُفهم في الأوساط العامة والإعلامية الكورية كدليل على لامبالاة النظام الإيراني، وقد يؤدي إلى تداعيات سياسية ودبلوماسية ورياضية خطيرة.
وفي المقابل، يخضع العنف والاعتداء الجنسي في الأوساط الرياضية الكورية الجنوبية لرقابة صارمة بموجب القوانين الجنائية الخاصة.
فوفق "قانون العقوبات" و"قانون الجرائم الجنسية الخاصة"، يُواجه المعتدون-خصوصًا إذا كانوا مدرّبين أو رياضيين محترفين استغلوا موقعهم أو هشاشة الضحية- أحكامًا مشددة تشمل السجن لمدد طويلة، وإلغاء الصلاحية الرياضية، والطرد من المنافسات الوطنية والدولية.
كما أنشئت هيئات، مثل "مركز الأخلاقيات الرياضية"، لضمان بيئة رياضية آمنة، ودعم الضحايا، والتحقيق المستقل في مثل هذه القضايا.
وتناقض ردود الفعل بين البلدين يثير تساؤلات جوهرية: مَن المسؤول أمام القانون؟ معاناة من تحظى بالاعتبار؟ إلى متى سيُعتبر العنف الجنسي أولوية ثانوية إذا مسّ بـ"كرامة وطنية" زائفة أو مصالح دبلوماسية؟
العنف الجنسي: جريمة أم تهديد للسمعة؟
في العديد من القضايا الدولية المماثلة، حين يُتّهم رياضي أو دبلوماسي بارتكاب جريمة اغتصاب، غالبًا ما تُعامل الواقعة كـ "تهديد للسمعة"، وليس كجريمة تستدعي تحقيق العدالة. في هذه الحالات، تتجه الحكومات إلى احتواء الأزمة بدلًا من إنصاف الضحايا.
وهذا السلوك أكثر وضوحًا في الدول ذات الأنظمة الاستبدادية أو ذات المرجعية الدينية، كالنظام الإيراني، حيث يُختزل "الفخر الوطني" في مزيج من الرجولة والسلطة والأخلاق الظاهرية. عندها، تهتم السلطات بحفظ ماء الوجه وحماية رموزها، لا بالشفافية أو حقوق الضحايا.
التمييز الجندري في القضاء الإيراني
لا يوفّر النظام القانوني الإيراني حماية حقيقية لضحايا الاغتصاب. في نظام قضائي قائم على فقه ذكوري، إثبات الاغتصاب معقّد، وشهادة المرأة لا تعادل شهادة الرجل، وقد تُتّهم الضحية نفسها بـ "العلاقات غير الشرعية" أو "انعدام العفة". ولا توجد آليات فعالة لدعم الضحايا نفسيًا أو قانونيًا، فيما هناك سجلّ طويل من قمع النساء اللواتي يجهرن بالحقيقة.
في هذا السياق الثقافي، يُفهم أن رياضيًا متهمًا بالاعتداء الجنسي قد نشأ وتربى في منظومة تُعلّمه أن خدمة النظام تُوفّر له حصانة ضمنية. النظام يُرسل له رسالة: "ما دمتَ تمثلنا، فأنت بمنأى عن المحاسبة".
الرياضة: ساحة للسلطة والانتهاك
المنافسات الرياضية الدولية ليست "لعبًا بريئًا"؛ بل هي مسرح لعرض القوة الناعمة. بالنسبة للأنظمة الاستبدادية، تُعدّ هذه المشاركات فرصة لإبراز "النظام" و"القوة" و"الهيبة الوطنية". الرياضيون في هذا الإطار ليسوا مجرد رياضيين، بل هم "سفراء سياسيون" للنظام.
في مثل هذا المناخ، حين يرتكب رياضي جريمة، تتدخّل الدولة لا لإحقاق العدل، بل لحماية صورتها. هذا لا يقتصر على إيران، لكنه يتفاقم في ظل سجلّ النظام الإيراني في إنكار العنف الجنسي.
وعند اتهام دبلوماسيين أو مسؤولين رسميين من النظام الإيراني بسلوكيات غير أخلاقية في الخارج، كان النمط واحدًا: الإنكار، الضغط الدبلوماسي، أو إعادة المتهم إلى البلاد لتُطوى القضية بذريعة "الاختلاف الثقافي".
لو حاول النظام الإيراني مجددًا- عبر القنوات السرية أو الضغوط الدبلوماسية- إجهاض مسار العدالة أو استعادة المتهمين قبل المحاكمة، فلن يكون ذلك سوى تكرار لهذا النمط المدمر.
اختبار العدالة في كوريا الجنوبية
في المقابل، تواجه كوريا الجنوبية اختبارًا أيضًا: هل ستُواصل التحقيق في القضية بمعزل عن الضغوط السياسية؟ أم سترضخ لمساومات خلف الكواليس؟
حتى الآن، تُبدي السلطات القضائية الكورية جدية: التحقيق مع الشهود، استجواب المتهمين، منعهم من مغادرة البلاد. ومع ذلك، تظلّ المخاوف قائمة.
علاقات طهران وسيئول شهدت توترًا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بفعل تجميد أصول إيرانية بمليارات الدولارات في البنوك الكورية.
وقد استعمل النظام الإيراني مرارًا أسلوب "دبلوماسية احتجاز الرهائن" للضغط على كوريا. فهل ستُستغلّ قضية الاغتصاب في هذا الإطار؟
ولو خضعت كوريا للضغوط الإيرانية وأوقفت متابعة القضية، فلن تخون الضحية فحسب، بل ستقوّض مبادئ العدالة وسيادة القانون، وسيصل للعالم خطاب مفاده: "معاناة النساء قابلة للمقايضة".
ما وراء القضية: نمط الإفلات من المحاسبة
هذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها ممثل لنظام استبدادي بجريمة جنسية في الخارج، ولا أول مرة يتهرّب النظام من المحاسبة.
ولكن خصوصية هذه القضية تكمن في تقاطع ثلاثة عناصر: الثيوقراطية الذكورية، الدبلوماسية الرياضية، والعدالة العالمية. وهذا يدفعنا للتساؤل: هل يجب أن يتمتع الرياضيون بحصانة كالدبلوماسيين؟ إلى أي مدى ستُضحّي الدول المضيفة بالعدالة لصالح السياسة؟ وما هو دور الهيئات الرياضية الدولية؟ والأهم: إلى متى ستظل أجساد النساء ضحية لتقاطع الرجولة السياسية، الدين، والدبلوماسية؟
مسؤولية دولية
المنظومة الرياضية الدولية- من اللجنة الأولمبية الدولية إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"- لا يمكن أن تصمت إزاء مثل هذه القضايا. وهنا تظهر الحاجة الملحة لبروتوكولات واضحة لتعليق أو معاقبة الرياضيين المتهمين بجرائم خطيرة.
وفي حالات كثيرة، تُصدر هذه الهيئات عقوبات على تعاطي المنشطات أو المخالفات الإدارية، لكنها تسكت عن العنف ضد النساء.
ويزداد دور المجتمع المدني في كوريا الجنوبية وإيران أهمية في هذه القضايا، لضمان الشفافية ومنع طمس الحقائق وتحويل هذه القضية إلى نقطة تحوّل.
فهذه القضية لا تتعلق باغتصاب امرأة واحدة فحسب. بل بالسلطة: من يملكها؟ من يُسيء استخدامها؟ ومن يُؤخذ على محمل الجد عندما يُرتكب عنف؟
إنها عن عالم يُسحق فيه جسد المرأة عند تقاطع الرجولة السياسية، والدين، والدبلوماسية. عن نظام يُعلّم الرجال أنهم، طالما كانوا يمثّلون النظام، فلن يُحاسَبوا.
وهذه القضية اختبار للمجتمع الدولي كي لا يُضحّى بالعدالة على مذبح المصالح الدبلوماسية.

بينما يتلهف الرأي العام في إيران لكشف خيوط جريمة مقتل الشابة إلهه حسين نجاد، تنشغل أجهزة الأمن والشرطة الإيرانية ليس بكشف الحقيقة أو تحقيق العدالة، بل بإحكام قبضتها على عائلة الضحية ومحيطها، في محاولة واضحة لطمس الأصوات وتقييد الروايات.
وأفادت صحيفة "شرق" الإيرانية، في تقريرها الصادر يوم السبت 7 يونيو (حزيران)، بأن الضغوط الأمنية لا تقتصر على العائلة والمعارف فحسب، بل حتى بعض الجيران باتوا يتحدثون عنها بحذر؛ خوفًا من العواقب.
وذكرت الصحيفة أنه في يوم الجمعة 6 يونيو، خيّم صمت بارد على أحد الأزقة قرب تقاطع قائم في مدينة "إسلام شهر"، جنوب غربي طهران، فـ "لا صوت قرآن يُسمع، ولا أنين نواح. الناس بوجوه مكلومة يترددون على منزل يعلوه السواد، وهم الشاهد الوحيد المتبقي على فاجعة أصابت المجتمع بالذهول".
إلهه، فتاة تبلغ من العمر 24 عامًا كانت تعمل في صالون تجميل بمنطقة سعادت آباد بطهران، غادرت عملها يوم 25 مايو (أيار) الماضي مبكرًا لرعاية شقيقها المعاق، لكنها لم تعد إلى المنزل. كانت قد أخبرت عائلتها: "سأصل بعد 20 دقيقة"، لكنها لم تصل أبدًا.
قلق العائلة دفعها إلى التحرك، فيما تناقلت وسائل الإعلام خبر اختفائها، وفي نهاية المطاف، عُثر على جثتها بعد عشرة أيام في صحارى ضواحي طهران. وأعلنت النيابة العامة أن الجاني سائق سيارة أجرة غير رسمي قتلها طعنًا بالسكين بدافع سرقة هاتفها المحمول.
وقد صرّح المتهم، بعد اعتقاله، بأنه وجّه إليها طعنتين في الصدر أثناء محاولته سرقة هاتفها، ثم تخلص من جثتها في الصحراء.
لكن مأساة مقتل إلهه حسين نجاد ليست مجرد جريمة قتل عادية؛ فما يزيد هذا الملف تعقيدًا وألمًا هو المساعي المنهجية لإسكات صوت أهلها ومنع تداول المعلومات حول الجريمة.
وقيل للعائلة: "لا تُجروا مقابلات، أقيموا المراسم بصمت، لا تُفصحوا عن موعد تسلّم الجثمان، ولا تُعلنوا موعد مراسم التشييع". إنه سيناريو بات مألوفًا للعائلات، التي ارتبط مصابها الجلل بحساسية اجتماعية.
وبحسب صحيفة "شرق"، فقد كان الزقاق المقابل لمنزل عائلة حسين نجاد، صباح الجمعة 6 يونيو الجاري، صامتًا ومفعمًا بالحزن. لافتات التعازي عُلّقت على جدران المنزل، لكن لا صوت يصدر من الداخل. الصحافيون الذين جاؤوا لتغطية المراسم اصطدموا بأبواب مغلقة ووجوه صامتة.
ورفضت عائلة إلهه التحدث. وقال رجل من أقارب العائلة للصحافيين أمام المنزل: "قالوا لنا في شرطة التحقيقات الجنائية ألا نتحدث مع أي وسيلة إعلامية، وألا نقوم بأي إجراء حاليًا".
لكن الباب كان مفتوحًا أمام وسائل إعلام النظام، إذ دخلت وكالة "مهر"، التابعة لمنظمة الدعاية الإسلامية، إلى منزل العائلة، وأجرت مقابلة مصوّرة مع أحد أفراد الأسرة، تضمنت شكرًا لشرطة التحقيقات وانتقادًا لوسائل الإعلام الأجنبية.
غير أن أحد المقرّبين من العائلة صرّح لصحيفة "شرق" بصوت مرتجف: "قالوا لنا ألا نُخبر أحدًا بموعد تسلّم الجثمان. لا يجوز أن يُعرف أي يوم هو، حتى لا تحدث مشكلة". وأضاف باكيًا: "ليس هذا حقنا. لقد قتلوا ابنتنا، والآن يطالبوننا بدفنها بصمت".
وجرت مراسم تشييع جثمان إلهه، دون إعلان مسبق وبمشاركة أفراد العائلة المقربين فقط، مساء أمس الأول، الخميس 5 يونيو، وحتى ظهر أمس الجمعة لم تكن وسائل الإعلام على علم بموعد المراسم. وأظهر مقطع فيديو نُشر لاحقًا على مواقع التواصل الاجتماعي أنها وُريت الثرى في مقبرة دار السلام بمدينة إسلام شهر.
وطوال هذه الفترة، التزمت العائلة الصمت، ولم يُسمح لها بالكشف عن تفاصيل المراسم.
هذا التعتيم والصمت القسري يعيدان إلى الأذهان عشرات الحالات المشابهة في السنوات الأخيرة، من عائلة مهسا أميني إلى حديث نجفي ونيكا شاكِرمي، حيث تعرض الجميع لضغوط أمنية لمنعهم من الإدلاء بتصريحات إعلامية، أو إقامة مراسم عامة، أو رفع صوت الاعتراض.
تكرار هذا السلوك من قِبل أجهزة النظام الإيراني يعكس نمطًا منهجيًا للقمع؛ هدفه الأساسي احتواء ردود الفعل الاجتماعية، ومنع ظهور مطالبات جماهيرية إثر الكوارث الإنسانية.
وفي ملفات مثل مهسا أميني ونيكا شاكِرمي، وُضعت العائلات تحت الضغط والتهديد قبل أي تفاعل إعلامي. فُرضت إجراءات أمنية مشددة خلال مراسم التشييع، قُطع تواصلهم مع وسائل الإعلام، وفي بعض الحالات صُدرت شهادات وفاة مزوّرة.
وإلهه حسين نجاد، بخلاف بعض الضحايا الآخرين، لم تكن ناشطة مدنية ولا شخصية سياسية؛ بل كانت فتاة شابة من الطبقة المتوسطة تعمل بهدوء، وكانت المعيل لعائلتها. لكن هذه البساطة بحد ذاتها جعلتها رمزًا لحالة انعدام الأمان المتفاقمة في شوارع طهران؛ انعدام أمان نابع من غياب الرقابة، الفقر البنيوي، وفوضى قطاع النقل العام.
لم يكن قاتل إلهه سائق أجرة رسميًا، ولا من سائقي تطبيقات النقل، بل إنه واحدًا من آلاف السائقين غير النظاميين الذين يجوبون شوارع طهران بلا رخصة أو هوية.
وأعلنت شرطة التحقيقات الجنائية في طهران أن المجرم لديه سوابق جنائية، لكن جرى اعتقاله في أقصر وقت ممكن. ومع ذلك، لا يزال الرأي العام مقتنعًا بأن الجهات المسؤولة، من البلدية إلى الشرطة، قصّرت في منع وقوع مثل هذه الجريمة. وكثيرون يتساءلون: "لماذا استغرق تعقّب هاتف فتاة شابة 11 يومًا؟".
جريمة تتجاوز حدود القتل
وفاة إلهه حسين نجاد ليست مجرّد قضية قتل. إنها تمثّل كارثة اجتماعية متعددة الأبعاد: انعدام الأمان في الشوارع، والفقر البنيوي، وغياب العدالة الاجتماعية، والأهم من كل ذلك، قمع العائلات ومحاولات دفن الفاجعة في صمت.
هذا هو النمط الذي دأب النظام الإيراني على تطبيقه طوال سنوات: من الرقابة الإعلامية إلى تهديد ذوي الضحايا، كلها أدوات في سياق السيطرة على الرأي العام.
وكما في كل مرة، حاول النظام الإيراني دفن الحقيقة؛ لكن التاريخ أثبت مرارًا أن صوت العدالة سينبعث عاجلاً أم آجلاً.
إن الضغوط لإسكات عائلة حسين نجاد ليست مقلقة فقط من منظور إعلامي؛ بل تقوّض أيضًا ثقة المجتمع في مؤسسات القضاء والأمن. ويعتقد المنتقدون أنه في وقت يحتاج فيه المجتمع إلى الشفافية والمساءلة أكثر من أي وقت مضى، فإن مثل هذه التصرفات لا تفضي إلا إلى تعزيز حالة انعدام الثقة.
أشار البرلماني الإيراني عليأصغر نخعی راد، إلى أهمية المفاوضات، قائلا: "التخصيب بنسبة 60 في المائة خط أحمر لإيران، ولا ينبغي التراجع عنه ولو بنسبة واحد في المائة".
وتابع قائلًا: "التراجع عن المواقف المبدئية لا يؤدي إلا إلى تمادي العدو، وعلى وزارة الخارجية أن تدخل المفاوضات بلغة العزة والكرامة".


تداولت الصحف الإيرانية، الصادرة اليوم السبت 7 يونيو (حزيران)، بشكل مكثف، تصريحات المرشد على خامنئي، والرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ووزير الخارجية، عباس عراقجي، ورئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، وخلفيات الإطاحة بوزير الاقتصاد المعزول، ومقتل إلهه حسين نجاد.
وقد اهتمت الصحف بخطاب المرشد على خامنئي، في ذكرى وفاة مؤسس النظام الإيراني، آية الله الخميني، والذي خاطب فيه الولايات المتحدة، بقوله: "ما شأنكِ بإيران". مضيفًا: "لن نتخلى عن التخصيب"، وطالب بطرد أميركا وإسرائيل من المنطقة.
وتساءل محسن مهديان، رئيس التحرير المسؤول بصحيفة "همشهري"، المحسوبة على بلدية طهران: "لماذا يجب على شعبنا أن يستأذن من الآخرين لتقدم بلده؟ وبأي حق يتدخلون؟".
وبدوره قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان: "لا توجد قوة تحول دون تقدم إيران". وأضاف: "سوف نتجاوز العقوبات بالاعتماد على الشعب".
كما أشارت الصحف الإيرانية إلى تحذير وزير الخارجية، عباس عراقجي، لدول "الترويكا الأوروبية" بشأن الرد الإيراني الحاسم تجاه أي اعتداء على حقوقها، وأكد: "سوف تدور أجهزة الطرد المركزي بشكل أسرع".
ومن جانبه، شدد رئيس اللجنة النووية في البرلمان الإيراني، حسين قشقاوي، على ضرورة بقاء استمرار عمليات تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، وأن المفاوضات ساهمت في كشف نفاق وازدواجية الولايات المتحدة الأميركية.
وذكرت صحيفة "جمهورية إسلامي" الأصولية أن "مقترح تشكيل اتحاد نووي، لا يختلف عن حرمان إيران من الصناعة النووية، وأي مقترح لا يتضمن تخصيب اليورانيوم داخل إيران غير مقبول، ويمثل نوعًا من الخداع".
وفي شأن متصل، قال محلل العلاقات الدولية، صباح زنكنه، في تصريحات لصحيفة "آرمان ملي"، إن مشاركة إيران في اتحاد نووي يتطلب ضمانات".
ونقلت صحيفة "ستاره صبح" الإصلاحية، عن مدير عام قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأسبق، قاسم محب علي، قوله: "إن التخصيب هو التحدي الرئيس للاتفاق، وزيادة ضغوط الوكالة على طهران تأتي في إطار مساعي الغرب لإغلاق الملف النووي الإيراني".
كما أشار خبراء لصحيفة "اعتماد" الإصلاحية، إلى أن تقرير الوكالة الدولية يشير، بجانب التهديد بتفعيل آلية الزناد، إلى تحرك الغرب لانتزاع أقصى امتيازات من إيران، وأن الوصول إلى اتفاق شامل سيكون معقدًا ويستغرق وقتًا طويلاً.
ودعا رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، في جلسة عمل برلمانات منظمة "بريكس" بالبرازيل، إلى إنشاء نظام جديد وعادل، واقترح تشكيل مجموعة عمل برلمانية لدول المنظمة لدراسة سبل إقامة نظام عالمي متعدد الأطراف.
وفي الشأن الاقتصادي، نقلت صحيفة "روزكار" الإصلاحية، عن خبير البورصة، ردين آقابزرككي قوله: "إن زيادة المخاطر الناجمة عن الأخبار السياسية والشائعات تسببت في استمرار ضعف تدفق السيولة إلى السوق، وتقييد حركة التداول على المدى القصير".
وحذرت صحيفة "اسكناس" الاقتصادية من تفاقم الفقر والفجوة الطبقية، وكتبت: "في ظل العقوبات الخارجية، ساعدت الفجوة الشديدة في الدخول والطبقات، في تحقيق شرائح من المجتمع ثروات طائلة، بينما أصبحت شرائح أخرى أكثر فقرًا".
ونقرأ المزيد من التفاصيل في تغطية الصحف التالية:
"همدلي": زلزال همتي.. مائة يوم بعد الإحاطة
نشرت صحيفة "همدلي" الإصلاحية، مقتطفات من حوار وزير الاقتصاد المعزول عبد الناصر همتي، إلى التلفزيون الإيراني، والتي قال فيها: "لم أكن أرغب حقًا في الدخول في صراع مع البرلمان. السبب في أنني لم أستغل العشرين دقيقة المخصصة لي هو أنني رأيت أنه لا فائدة من ذلك. كنت أعرف أنهم قرروا إسقاطي، فلماذا آتي لأقدم معلومات الدولة، وأقول شيئًا قد يزعج البعض؟ كان بإمكاني أن أذكر أمثلة وأقول: النائب الفلاني يطلب مني تعيينه مديرًا عامًا في مكان ما، والنائب الفلاني يريد منحه إدارة شركة معينة. الجميع كانوا يريدون ذلك".
وأضاف:" هل كان عليّ أن أجلس في البرلمان وأذكر كل هذه الأسماء واحدًا تلو الآخر؟ هذا ليس مناسبًا. هل كان عليّ أن أهاجم البنك المركزي؟ ليس من الصحيح أن أهاجم البنك المركزي. عمّن أتحدث إذن؟ من الطبيعي أن تُدان ويقولوا إنك لم تستطع تقديم إجابة".
"آرمان ملى": الأزمات الاقتصادية سبب تكرار الجرائم
أجرت صحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية حوارًا مع خبير علم الجريمة والرئيس السابق لنقابة المحامين، علي نجفي توانا، حول مقتل الشابة الهه حسين نجاد؛ حيث أكد أن "الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، جميعها تؤثر في طبيعة المعايير المضادة للمجتمع.
عندما يتدهور الوضع الاقتصادي وتنخفض دخول الأفراد، وتزداد البطالة، ويرتفع التضخم، وتضيق سبل العيش، يزداد الميل إلى خرق القانون؛ حيث إن الفقر والفساد والتمييز تخلق الجريمة".
وأضاف: "نحن من بين الدول، التي تشهد عنفًا بأشكال مختلفة، إلا أن المجتمع فقد تدريجيًا حساسيته تجاه هذه الأنواع، وأصبح معتادًا عليها. لكن لا تزال الحساسية قائمة بالنسبة للعنف الجسدي والجنسي ضد النساء، بل وتزداد مع تكرارها. كما لا يجب أن ننسى أن عدد الجرائم الجنائية والسجناء لدينا يضعنا بين أعلى الدول في الجدول. الحادثة التي وقعت للسيدة حسين نجاد مؤخرًا تحدث يوميًا، لكن بسبب حساسية وسائل التواصل الاجتماعي ونوعية الجريمة، زادت الحساسية تجاه هذه الحالة".
وبسؤاله عن وجود استعداد للإجرام في إيران، أجاب: "نعم، نحن نواجه نوعًا من أزمة ظاهرة الإجرام. إذا قمنا بتصنيف الجرائم المرتكبة في إطار ومخطط معين، سنصل إلى مخطط تحتل فيه الجرائم المالية الصدارة، تليها الجرائم العنيفة ضد الأشخاص، ثم الجرائم ضد الأخلاق العامة، والجرائم ضد القيم المعنوية للأفراد، وأخيرًا الجرائم السياسية".
"ابرار اقتصادي": تغير المناخ يهدد الأمن الغذائي في إيران
وفقًا لصحيفة "ابرار اقتصادي" الأصولية، فلم تعد أزمة تغير المناخ تستهدف القطاع الزراعي والموارد الطبيعية، بل أصبحت تهدد الأمن الغذائي للبلاد، فقد يؤدي استمرار سوء إدارة تغير المناخ والموارد المائية، إلى انخفاض الإنتاج الزراعي في المستقبل القريب. وبرزت مع تسارع وتيرة التصحر في الأراضي الإيرانية، المخاوف بشأن نضوب الموارد المائية الجوفية وانخفاض الإنتاج الزراعي في المستقبل غير البعيد".
وكان تقرير المركز الإحصائي الإيراني لعام 2024، قد كشف عن انخفاض نسبة المساحة الزراعية من 18 مليونًا إلى 15.43 مليون هكتار؛ حيث يتسبب التغير المناخي في تصحر مليون هكتار سنويًا.
وللتغلب على هذه المشكلة اقترح عضو الهيئة العلمية ومدير مجموعة الجفاف وتغير المناخ في معهد أبحاث حماية التربة وإدارة الأحواض المائية، مهران زند، إنشاء نظام لرصد الجفاف والإنذار المبكر، وإدارة زيادة إنتاجية المياه، وتطوير الزراعة في البيوت المحمية، واستبدال إدارة المخاطر بإدارة الأزمات، واستخدام التقنيات الحديثة، وتحسين الأساليب القديمة، والتخطيط الدقيق، واتخاذ قرار وطني جاد لتجاوز هذا التحدي، بالإضافة إلى تنفيذ الزراعة الذكية مناخيًا في مراحل الزراعة والرعاية والحصاد.
