بتهمة شراء الغاز المسال من إيران.. القضاء الأميركي يراقب الملياردير الهندي غوتام أداني

أعلنت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقرير حصري، أن وزارة العدل الأميركية تحقق فيما إذا كانت شركات غوتام أداني، الملياردير الهندي، قد انتهكت العقوبات الأميركية المفروضة على إيران بشأن بيع المنتجات النفطية.
وذكرت الصحيفة الأميركية أنه وفقًا لتحقيقاتها، فإن ناقلات النفط التي كانت تتنقل بين ميناء موندرا على الساحل الغربي للهند والمياه الخليجية أظهرت تحركات مشابهة لتلك التي تقوم بها السفن التي تحاول التهرب من العقوبات.
ويقوم المدعون العامون في الولايات المتحدة بمراقبة أنشطة ناقلات الغاز المسال التابعة لشركات أداني، وقد توصلوا إلى حالات من التناقض في مواقع السفن المسجلة واحتمال التلاعب في نظام تحديد مواقع السفن.
كان غوتام أداني، ثاني أغنى شخص في آسيا، قد خضع العام الماضي للتحقيق في الولايات المتحدة في قضية تتعلق بالرشوة.
وقد حاول في الأشهر الأخيرة، من خلال صديقه القديم، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إقناع الحكومة الأميركية بإنهاء التحقيق في تهمة الرشوة، لكنه يواجه الآن تحديًا جديدًا يتعلق بشراء منتجات بتروكيماوية من إيران.
ونفت مجموعة أداني بشدة تقرير "وول ستريت جورنال" بشأن ادعاءات الارتباط بشراء الغاز المسال من إيران.
وأصدرت المجموعة بيانًا الاثنين 2 يونيو (حزيران)، جاء فيه: "ينفي أداني بشكل قاطع أي تورط متعمد في التهرب من العقوبات أو التجارة بالغاز المسال ذي المنشأ الإيراني. كما أننا لسنا على علم بأي تحقيقات تجريها السلطات الأميركية في هذا الشأن".
وقد تشكل التحقيقات الأوسع التي يجريها مكتب المدعي العام في بروكلين مشكلة لجهود أداني لاستعادة سمعته وتبرئة اسمه.
وعلى الرغم من أن دونالد ترامب يتراجع عن التطبيق الصارم لقوانين مكافحة الرشوة خارج حدود الولايات المتحدة، إلا أنه يستهدف في الوقت نفسه مشتري النفط والغاز الإيراني.
وكتب ترامب الشهر الماضي على منصته الاجتماعية "تروث سوشال": "أي دولة أو فرد يشتري حتى كمية ضئيلة من النفط أو المنتجات البتروكيماوية الإيرانية سيخضع على الفور لعقوبات ثانوية. لن يُسمح لهم بأي حال من الأحوال بالتجارة مع الولايات المتحدة".
ويُعتبر أداني من الحلفاء المقربين لرئيس الوزراء الهندي، ويرأس مجموعة من الشركات البنية التحتية التي تحمل اسمه، والتي لعبت دورًا رئيسيًا في النمو الاقتصادي للهند في السنوات الماضية.
وقد وضعت القيمة السوقية للمجموعة، التي تبلغ 150 مليار دولار، أداني وعائلته ضمن أغنى العائلات في العالم.
التحقيقات بشأن الشحنات
ووفقًا لمصادر مطلعة، يحقق المدعون العامون في أنشطة عدة ناقلات غاز مسال سلمت شحنات إلى شركة أداني.
وقال متحدث باسم أداني إن استيراد الغاز المسال كان حتى الآن جزءًا صغيرًا من أنشطة الشركة، لكنه ينمو الآن، حيث شكل في العام المالي الماضي 1.46% من إيرادات الشركة التي بلغت حوالي 12 مليار دولار.
وكشفت تحقيقات "وول ستريت جورنال" حول مجموعة من ناقلات الغاز المسال التي كانت تتنقل منذ بداية عام 2024 بين ميناء موندرا والمياه الخليجية عن علامات تشير، وفقًا لخبراء تتبع السفن، إلى محاولات لإخفاء المسار الحقيقي.
ووفقًا لقول تومر رانان، محلل المخاطر البحرية في شركة التأمين "لويدز" التي تتتبع ناقلات الغاز المسال، فإن إحدى التكتيكات الشائعة للسفن للتهرب من العقوبات هي التلاعب بنظام التعرف الآلي للسفن، مما يؤدي إلى عدم نقل موقع السفينة بشكل صحيح.
أظهرت سفينة ترفع علم بنما تُدعى "إس إم إس بروس" (SMS Bros)، والتي كانت تنقل شحنة غاز مسال لشركة أداني في ربيع العام الماضي، أنماطًا مشبوهة.
ووفقًا لبيانات تتبع السفن، رست هذه السفينة في 3 أبريل (نيسان) 2024 في خور الزبير بالعراق.
لكن الصور الجوية لم تُظهر السفينة في الموقع المعلن في تلك التاريخ؛ وبدلاً من ذلك، شوهدت سفينة بمواصفات مماثلة على بعد حوالي 500 كيلومتر في ميناء تنبك بمحافظة هرمزجان.
في أوائل خريف 2020، أعلنت السلطات الإيرانية عن افتتاح أول رصيف لتصدير الغاز المسال في "ميناء تنبك الخدمي- التصديري" في المستقبل القريب.
ووفقًا لسمير مدني من منصة "TankerTrackers.com" التي سجلت أكثر من 9000 سفينة بناءً على الصور الجوية، فإن هذه السفينة هي نفسها "إس إم إس بروس".
في 8 أبريل (نيسان) 2024، أظهرت بيانات نظام التعرف الآلي (AIS) أن السفينة "إس إم إس بروس" كانت بالقرب من سواحل الإمارات، وكان وزن السفينة أثقل من السابق، مما يعني أنها تم تحميلها.
وتشير البيانات إلى أن السفينة تحركت جنوبًا في ليلة 8 أبريل (نيسان) ورست في اليوم التالي بالقرب من سواحل عمان.
وتُظهر الوثائق التي تمت مراجعتها أن إحدى شركات أداني وقّعت في 10 أبريل (نيسان) عقدًا لتحميل حوالي 11250 طنًا من الغاز المسال من ميناء صحار في عمان بواسطة هذه السفينة.
ومع ذلك، لا تُظهر بيانات نظام التعرف الآلي أن السفينة رست في ميناء صحار.
بعد ذلك، توجهت السفينة "إس إم إس بروس" إلى ميناء موندرا، حيث استوردت إحدى الشركات التابعة لأداني، وفقًا لوثائق الجمارك التي راجعتها "وول ستريت جورنال"، شحنة بمواصفات مماثلة في 17 أبريل. وقُدرت قيمة هذه الشحنة بأكثر من 7 ملايين دولار.
ووفقًا للخبراء، غالبًا ما يستخدم مشترو النفط والغاز الإيراني وثائق مزورة منسوبة إلى عمان والعراق.
وقال متحدث باسم أداني بشأن هذه الشحنة إن شركة لوجستية طرف ثالث هي التي أدارتها، وأن لديهم وثائق تُظهر أن المنشأ النهائي كان ميناء صحار.
وأضاف أن شركات أداني تتفحص السفن بحثًا عن علامات تحذيرية، لكنها ليست مالكة أو مشغلة أو مشرفة على السفن، ولا يمكنها التعليق على أنشطة السفن التي لا تسيطر عليها. وقال المتحدث: "لقد أوفينا بجميع واجبات ومسؤوليات المستورد النزيه".
حالات مشبوهة أخرى
السفينة "إس إم إس بروس"، التي غيرت اسمها العام الماضي إلى "نيل" (Neel)، أظهرت تحركات مشبوهة أخرى.
وتُظهر سجلات ميناء بنغلاديش من يونيو (حزيران) الماضي أن هذه السفينة قامت بتفريغ شحنة غاز مسال من إيران لمستورد غير معروف، بينما أبلغت بيانات نظام التعرف الآلي عن نفس المسار المعلن إلى العراق في أبريل (نيسان).
في عدة حالات أخرى، لم تُظهر الصور الجوية السفينة في الموقع الذي أبلغ عنه نظام التعرف الآلي. وقد أكد بيورن بيرغمان، محلل البيانات في منظمتي "Global Fishing Watch" و"SkyTruth" غير الربحيتين، هذه الحالة.
ثلاث سفن أخرى تحمل الغاز المسال أظهرت أيضًا علامات إخفاء مماثلة وتزوير بيانات نظام التعرف الآلي في مساراتها بين ميناء موندرا والمياه الخليجية. إحداها تديرها نفس الشركة التي تدير "إس إم إس بروس"، وقد أُدرجت في قائمة نشرها مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين من الحزبين كسفينة مشتبه بها في نقل النفط والغاز لإيران.
ولم يرد مشغل السفن وقبطان السفينة "إس إم إس بروس" على طلبات "وول ستريت جورنال" للتعليق.
ويبدو أن السفينة الثالثة استخدمت تكتيكات مماثلة في رحلاتها إلى موندرا، بما في ذلك الإبلاغ عن توقف في ميناء خور الزبير، والذي لم يظهر في الصور الجوية.
أما السفينة الرابعة، التي غالبًا ما تنقل شحنات إلى ميناء موندرا، فقد أُدرجت في تقرير وزارة الطاقة الأميركية لعام 2024 كسفينة متورطة في تصدير المنتجات النفطية الإيرانية.
اكتشفت "وول ستريت جورنال" الشهر الماضي أن هذه السفينة أبلغت عن موقعها على سكك حديدية في ميناء خور الزبير.
أداني وتهمة الرشوة
قبل حوالي عامين، نُشر تقرير زعم أن مجموعة أداني انتهكت قوانين البورصة الهندية من خلال السيطرة الخفية على أجزاء من الأسهم عبر شركات خارجية (أوفشور). أدى هذا التقرير إلى انهيار قيمة أسهم شركات أداني، على الرغم من أن جزءًا من هذه الخسارة تم تعويضه لاحقًا.
وقبل حوالي ستة أشهر، واجهت المجموعة تحديًا جديدًا عندما اتهمها المدعون العامون الأميركيون بالاحتيال، زاعمين أنها دفعت حوالي 250 مليون دولار كرشاوى لمسؤولين هنود للحصول على عقود مربحة لتزويد الطاقة الشمسية.
وصفت مجموعة أداني التقرير الأولي بأنه "كذب محض"، واعتبرت اتهامات الحكومة الأميركية "لا أساس لها من الصحة".
ووفقًا لمعلومات مسربة، استأجرت أداني شركتي المحاماة البارزتين "كيركلاند آند إليس" و"كوين إيمانويل"، واجتمع محاموها في مارس/آذار (قبل حوالي ثلاثة أشهر) مع المدعين العامين الأميركيين في محاولة لإغلاق القضية.
وأعلن 6 أعضاء جمهوريين في الكونغرس علنًا أن توجيه الاتهامات لأداني يتعارض مع أولويات سياسة ترامب الخارجية، بما في ذلك الحفاظ على علاقات تجارية قوية مع الهند. كما علق ترامب الملاحقات القضائية بموجب "قانون مكافحة الفساد الأجنبي" (FCPA) بأمر تنفيذي.
على الرغم من أن هذه القضية نشأت من تحقيقات تتعلق بقانون مكافحة الفساد الأجنبي، إلا أن أداني اتهم بالتآمر والاحتيال في الأوراق المالية، وليس بانتهاك مباشر لهذا القانون.