إيران على عتبة الشيخوخة.. "التحول الديموغرافي" يهدد الاقتصاد والمجتمع

لم تعد إيران شابة؛ فمع متوسط عمر مرتفع، وانخفاض معدل المواليد، دخلت البلاد مرحلة جديدة من الشيخوخة، مما يدق ناقوس الخطر بالنسبة للاقتصاد، وصناديق التقاعد، ومستقبل سوق العمل.
وقد شهد عدد سكان إيران خلال العقود الماضية نموًا كبيرًا، لكن وتيرة هذا النمو آخذة في التباطؤ.
ووفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني، فقد تجاوز عدد سكان البلاد قبل عام 2025 أكثر من 86 مليون نسمة. كما قدّرت الأمم المتحدة عدد سكان إيران في منتصف هذا العام بنحو 92 مليون نسمة.
وفي عام 2016، كان عدد سكان إيران نحو 80 مليون نسمة، ما يعني أن أكثر من 10 ملايين شخص أضيفوا خلال أقل من عقد. ومع ذلك، انخفض معدل النمو السنوي للسكان إلى أقل من 1 في المائة، وهو انخفاض حاد مقارنة بالنمو المرتفع في أواخر القرن العشرين.
وتشير التوقعات إلى أن عدد السكان سيواصل الارتفاع، ليبلغ نحو 100 مليون نسمة بحلول عام 2050.
التركيبة العمرية للسكان
يتحوّل الهرم السكاني في إيران من هيكل شاب إلى هيكل يغلب عليه الطابع الوسيط والشيخوخة؛ ففي العام الماضي (2024)، شكّل الأطفال دون سن الخامسة عشرة نحو 23 في المائة من السكان، بينما كان نحو 70 في المائة في سن العمل (15- 64 عامًا)، وبلغت نسبة كبار السن (فوق 65 عامًا) قرابة 7 في المائة.
وقبل عقد واحد فقط، كانت إيران لا تزال تُعد مجتمعًا شابًا؛ ففي عام 2012، كان نصف السكان دون سن 35 عامًا. واليوم، نتيجة لانخفاض معدل المواليد وارتفاع متوسط العمر المتوقع، بلغ متوسط عمر السكان نحو 34 عامًا.
ويظهر هذا التحول بوضوح في شكل الهرم السكاني؛ فلم تعد هناك قاعدة عريضة وقمة ضيقة، بل أصبح الهيكل أقرب إلى أسطوانة، بقاعدة ضيقة (انخفاض المواليد) ووسط عريض (زيادة نسبة متوسطي العمر).
وأتاح هذا التحول الديموغرافي لإيران الاستفادة من "النافذة الديموغرافية"، أي ارتفاع نسبة السكان في سن العمل، لكنه ينذر بارتفاع سريع في نسبة كبار السن، خلال العقود المقبلة.
انخفاض معدلات الخصوبة وارتفاع متوسط العمر المتوقع
شهدت إيران واحدًا من أسرع الانخفاضات في معدل الخصوبة في التاريخ المعاصر. ففي ثمانينيات القرن العشرين، كان متوسط عدد الأطفال لكل امرأة يتراوح بين 6 و7 أطفال، لكنه انخفض الآن إلى ما دون مستوى الإحلال. وقد أعلنت وزارة الصحة أن عدد الولادات انخفض بنسبة 25 في المائة خلال السنوات الأربع الأخيرة، مما يثير القلق.
وعلى وجه التحديد، كان معدل الخصوبة في عام 1961 نحو 7.3 طفل، وانخفض بحلول عام 2021 إلى ما يقارب 1.7 طفل.
ويعود هذا الانخفاض الحاد إلى برامج تنظيم الأسرة الواسعة في التسعينيات وتحسّن مستوى تعليم النساء. حاليًا، يتراوح معدل الخصوبة الكلي بين 1.6 و1.7 طفل لكل امرأة، وهو أقل بكثير من المعدل المطلوب لاستقرار السكان (2.1 طفل).
وفي المقابل، ارتفع متوسط العمر المتوقع، الذي يبلغ حاليًا نحو 75 عامًا (74 عامًا للرجال و77 عامًا للنساء تقريبًا).
وقد تحسن هذا المؤشر بشكل كبير مقارنة بالعقود الماضية؛ ففي ثمانينيات القرن الماضي، كان متوسط العمر المتوقع للنساء الإيرانيات نحو 54 عامًا، بينما يبلغ اليوم قرابة 78 عامًا.
ويؤدي هذا المزيج من انخفاض الخصوبة وارتفاع العمر المتوقع إلى دفع التركيبة السكانية في إيران نحو الشيخوخة.
في منحدر الشيخوخة
كل المؤشرات تدل على تسارع عملية الشيخوخة في إيران. في عام 2016، بلغت نسبة كبار السن (65 سنة فأكثر) ما يقارب 5 في المائة من السكان، وارتفعت بحلول عام 2024 إلى 7 في المائة.
وتشير التقديرات إلى أن هذه النسبة ستبلغ نحو 20 في المائة بحلول عام 2050، أي ما يعادل أكثر من 20 مليون شخص.
كما يُتوقع أن تبلغ نسبة من تزيد أعمارهم على 60 عامًا حوالي 31 في المائة بحلول منتصف القرن.
وهذا يعني تضاعف عدد كبار السن أربع مرات منذ عام 2016.
وتُعد إيران من الدول التي تشهد أسرع معدلات الشيخوخة في العالم، وتحتل المرتبة الثانية بعد كوريا الجنوبية من حيث سرعة التحول الديموغرافي، وهو ما ستكون له تداعيات عميقة على الاقتصاد والنظام الصحي وسوق العمل والبنية الاجتماعية.
سوق العمل والاقتصاد
في الوقت الحالي، فإن ارتفاع نسبة السكان في سن العمل مقارنة بالمُعالين (الأطفال وكبار السن) يمنح إيران "عائدًا ديموغرافيًا"، لكن استمرار انخفاض المواليد سيؤدي إلى تقليل عدد الوافدين الجدد إلى سوق العمل. وهذا يعني أن القوة العاملة ستتقدم في العمر وتنكمش تدريجيًا، مما قد يؤدي إلى نقص في العمالة وتباطؤ في النمو الاقتصادي، ما لم يُعوَّض ذلك برفع الإنتاجية.
ومن ناحية أخرى، فإن معدل مشاركة النساء في الاقتصاد الإيراني لا يزال منخفضًا. وقد يؤدي تعزيز مشاركة النساء والاستفادة من رأس المال البشري المتعلم إلى التخفيف من آثار الشيخوخة.
وتُظهر الدراسات أن الإصلاحات الاقتصادية، وزيادة الإنتاجية، ودمج النساء في سوق العمل أكثر فاعلية من رفع معدل الخصوبة للحفاظ على الديناميكية الاقتصادية.
ومع ذلك، لا تلوح في الأفق مؤشرات واضحة لتيسير دخول النساء إلى سوق العمل.
النظام الصحي ورعاية كبار السن
مع زيادة عدد كبار السن، ستتزايد الضغوط على النظام الصحي الإيراني، وتشمل الآثار المترتبة على الشيخوخة انتشار الأمراض المزمنة، والاعتماد الأكبر على الخدمات الطبية، والحاجة إلى رعاية طويلة الأمد وعلاجات باهظة الثمن. حاليًا، تعيش النساء الإيرانيات حتى سن 80 عامًا، لكن العديد منهن يعانين أمراضًا مزمنة أو إعاقات.
ووضعت الحكومة الإيرانية بعض البرامج لتعزيز "الشيخوخة النشطة"، من قبيل "أسبوع كبار السن" والمبادرات الوقائية لصحة متوسطي العمر. لكن ثمة حاجة متزايدة لتوسيع البنية التحتية الخاصة بكبار السن، مثل دور المسنين، والأطباء المتخصصين، والتأمينات العلاجية، وتدريب مقدمي الرعاية.
التقاعد والضمان الاجتماعي
من أبرز الآثار الفورية للشيخوخة السكانية، الضغوط المتزايدة على صناديق التقاعد. فالمسنون يتقاضون معاشات تقاعدية لفترات أطول، بينما يتراجع عدد العمال الشباب، الذين يدفعون اشتراكات التأمين، مما يُخل بالتوازن المالي للصناديق.
وفي عام 2023، أقر المشرعون الإيرانيون تعديلات على قانون التقاعد، رُفع بموجبها سن التقاعد للرجال من 60 إلى 62 عامًا، وزادت شروط سنوات الخدمة. وبات من الممكن أن يعمل الفرد حتى سن 72 من أجل الحصول على معاش تقاعدي كامل، إذا دخل سوق العمل في سن 30 عامًا. ورغم ردود الفعل السلبية من المجتمع، ترى الحكومة أن هذه التعديلات ضرورية لإنقاذ صناديق التقاعد.
السياسات السكانية وآفاق المستقبل
غيّرت إيران سياساتها السكانية جذريًا في السنوات الأخيرة، فانتقلت من ضبط النمو السكاني إلى تشجيع الإنجاب.
ودعا المرشد الإيراني، علي خامنئي، مرارًا إلى زيادة عدد المواليد، واعتبرها مسألة مصيرية للبلاد.
ولتحقيق ذلك، جرى تقليص الوصول إلى وسائل منع الحمل، وتراجعت خدمات تنظيم الأسرة. كما طُبّقت سياسات تحفيزية، مثل قروض الزواج، وإجازات الأمومة الممتدة، وحوافز مالية لإنجاب المزيد من الأطفال. لكن هذه الإجراءات لم تنجح في رفع معدل الخصوبة.
فارتفاع تكاليف المعيشة، والبطالة، وغلاء الإسكان، وانعدام الأمان الاقتصادي، كلها عوامل تدفع الشباب للعزوف عن الإنجاب. كما أن تعليم النساء وعملهن ساهم في تأخر سن الزواج وتراجع عدد الأطفال.
ويرى الخبراء أنه بدلاً من التركيز على زيادة معدل المواليد، ينبغي استغلال الإمكانات الحالية، مثل رأس المال البشري المتعلم، وزيادة الإنتاجية، وتعزيز مشاركة النساء في الاقتصاد.
كما يتوجب إصلاح نظام التقاعد، وتعزيز أنظمة التأمين، وتوسيع الخدمات الاجتماعية، وتصميم بيئة حضرية صديقة لكبار السن، استعدادًا للدخول في عصر الشيخوخة.