رسالة تحذيرية من الرياض إلى طهران: اقبلوا عرض ترامب لتجنب الحرب مع إسرائيل

أفادت وكالة "رويترز" بأن وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، نقل رسالة عاجلة من الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى المرشد الإيراني خامنئي، بأن على طهران أخذ عرض الرئيس ترامب، بشأن التفاوض حول اتفاق نووي على محمل الجد.

وبحسب تقرير "رويترز"، الذي نُشر اليوم الجمعة 30 مايو (أيار)، فقد شدد العاهل السعودي، في رسالته، على أن الفرصة المتاحة حاليًا قد تمنع اندلاع حرب مع إسرائيل.

ووفقًا لمصادر قريبة من حكومات خليجية ومصدرين إيرانيين، فقد أوفد الملك سلمان، الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، إلى طهران، حاملاً هذه الرسالة العاجلة، في ظل مخاوفه من تصاعد حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

ورغم أن وسائل الإعلام تناولت نبأ زيارة الأمير السعودي إلى إيران، فإن محتوى رسالة الملك سلمان لم يُكشَف سابقًا.

وفي اجتماع مغلق عُقد يوم 17 أبريل (نيسان) الماضي، حضره كل من الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ووزير خارجيته عباس عراقجي، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، نقل وزير الدفاع السعودي تحذيرًا مفاده أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليس لديه صبر على مفاوضات طويلة، وأن فريقه يسعى إلى اتفاق سريع، وأن نافذة الدبلوماسية ستُغلق قريبًا.

وأشارت مصادر مطلعة إلى أن وزير الدفاع السعودي شدد، خلال الاجتماع، على أن التوصل إلى اتفاق مع ترامب سيكون أفضل من فشل المفاوضات، الذي قد يؤدي إلى تعرض إيران لهجوم إسرائيلي.

وأكدت أربعة مصادر لـ"رويترز" أن الرئيس الإيراني أعرب عن رغبة طهران في التوصل إلى اتفاق يخفف من الضغوط الاقتصادية عبر رفع العقوبات الغربية.

كما طلب الأمير خالد بن سلمان من المسؤولين الإيرانيين، ومن حلفاء طهران الإقليميين، الامتناع عن أي خطوات قد تستفز الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن رد فعل إدارة ترامب سيكون على الأرجح أقوى من ردود فعل الرئيسين الأميركيين السابقين، باراك أوباما وجو بايدن.

وفي المقابل، طمأن الوزير السعودي الجانب الإيراني بأن السعودية لن تسمح باستخدام أراضيها أو مجالها الجوي لأي عملية عسكرية محتملة من قِبل الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد إيران.

وأضاف أن المنطقة تعاني أصلاً أزمات متعددة، خاصة في غزة ولبنان، ولا يمكنها تحمل مزيد من التوتر.

وأكد دبلوماسي رفيع مطلع على تفاصيل المحادثات هذا التقييم، إلا أن السلطات السعودية والإيرانية لم ترد على طلب "رويترز" للتعليق على فحوى الاجتماع.

رد طهران ومخاوفها من سلوك ترامب

لم تتمكن وكالة "رويترز" من تحديد مدى تأثير رسالة الملك سلمان على مسؤولي طهران، إلا أن مصادر إيرانية أشارت إلى قلقهم من سلوك إدارة ترامب "غير المتوقع"، إذ تارة يُطرح خيار السماح بمستوى محدود من التخصيب، وتارة أخرى تُطرح مطالب بإزالة كامل البنية التحتية النووية الإيرانية.

وكان ترامب قد هدد سابقًا بأنه إذا فشلت الدبلوماسية في كبح الطموحات النووية الإيرانية، فإنه سيلجأ إلى الخيار العسكري.

وأوضح مصدر إيراني أن بزشكيان أكد خلال اللقاء رغبة طهران في التوصل إلى اتفاق، لكنه شدد على أن إيران لن تتخلى عن برنامجها لتخصيب اليورانيوم فقط استجابة لرغبة ترامب.

وطالب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، خلال الاجتماع، إيران بإعادة النظر في سياستها الإقليمية، مشيرًا إلى أن مثل هذا التغيير سيكون موضع ترحيب من جانب الرياض.

ورغم أنه لم يوجه اتهامًا صريحًا لإيران، فإنه أعرب عن قلق بلاده من احتمال تكرار هجمات الطائرات المُسيّرة، التي استهدفت منشآت شركة "أرامكو" السعودية عام 2019، والتي اعتُبر أن طهران وحلفاءها الحوثيين مسؤولون عنها، رغم نفي إيران أي دور لها في تلك الهجمات.

وأشار المسؤولون الإيرانيون بدورهم إلى أنهم وإن كانوا يؤثرون على الحوثيين، فإنهم لا يملكون السيطرة الكاملة على أفعالهم.

وتُعد زيارة خالد بن سلمان إلى طهران أول زيارة لمسؤول بهذا المستوى الرفيع من السعودية إلى إيران منذ أكثر من عقدين.

وشهدت العلاقات بين البلدين، التي كانت متوترة لسنوات بسبب الصراعات بالوكالة، تحسنًا بعد اتفاق توسطت فيه الصين عام 2023، لكن في العامين الأخيرين، تراجع النفوذ الإقليمي لإيران بشكل كبير نتيجة ضربات عسكرية إسرائيلية ضد حلفائها في غزة ولبنان، وسقوط حليفها المقرب بشار الأسد في سوريا، والعقوبات الغربية المشددة التي شلّت اقتصادها المعتمد على النفط.

وقال الباحث في مركز كارنيغي في بيروت، مهند حاج علي، لـ"رويترز": "إن هذا الضعف الإيراني أتاح للرياض فرصة لاستخدام نفوذها الدبلوماسي لمنع اندلاع حرب إقليمية"، وأضاف: "هم لا يريدون التورط في حرب من شأنها تقويض خططهم الاقتصادية ورؤيتهم التنموية طويلة الأمد".

وكانت المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران قد دخلت جولتها الخامسة حتى الآن، لكنها لا تزال تواجه عقبات رئيسة أبرزها ملف التخصيب. وكانت "رويترز" قد نشرت سابقًا أن إيران قد توافق على وقف مؤقت لعملية التخصيب مقابل الإفراج عن أموالها المجمدة والاعتراف بحقها في التخصيب لأغراض غير عسكرية، إلا أن وزارة الخارجية الإيرانية نفت صحة هذه المعلومات.

ومن جهتها، لم تعلق الإدارة الأميركية على سؤال "رويترز" بشأن علمها برسالة السعودية التحذيرية، لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، قالت: "إن الرئيس ترامب قال بوضوح: إما أن تبرموا اتفاقًا أو تواجهوا عواقب وخيمة، والعالم أخذ هذا التحذير على محمل الجد".

وأضاف ترامب، يوم الأربعاء الماضي، أنه حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل أسبوع من القيام بأي خطوة قد تعرقل المحادثات النووية، مؤكدًا أن الأطراف باتت "قريبة جدًا من الحل".

ولم يصدر أي رد من الجانب الإسرائيلي على طلب "رويترز" للتعليق.

جهود لاحتواء الأزمة دون اللجوء للحرب

خلال زيارة ترامب إلى الدول الخليجية هذا الشهر، تم تقديم السعودية كلاعب محوري ضمن تحالف سُنّي جديد يسعى لسد الفراغ الناتج عن تراجع التحالفات الشيعية، التي كانت تقودها إيران.

وقد لعب ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، دور الوسيط بين ترامب والرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع.

وفي المقابل، تراجع نفوذ إيران الإقليمي بسبب الخسائر العسكرية، وتراجع حلفائها ممن تسميهم "محور المقاومة"، مثل حماس وحزب الله والحوثيين في اليمن والفصائل المسلحة في العراق.