المفاوضات بين إيران وأميركا تتواصل.. وعقبات كبرى تمنع اتفاق

علي أفشاري
علي أفشاري

محلل سياسي مختص في الشأن الإيراني مقيم في الولايات المتحدة

تُحرز المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة تقدمًا حذرًا، غير أن النتيجة ما تزال شديدة الغموض في ظل استمرار الخلافات الجوهرية، وعدم تحقق أي تقاطع واضح بين الخطوط الحمراء للطرفين.

وقد شهدت مسقط يوم السبت الجولة الثالثة من المحادثات، والتي تميزت لأول مرة بمشاركة مباشرة للخبراء الفنيين من الجانبين.

ورغم أن بدء النقاشات الفنية يعد تطورًا إيجابيًا، إلا أن تناول القضايا التفصيلية كشف عن انقسامات عميقة أبطأت وتيرة التقدم. وقد اتسمت تصريحات وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، ونظيره الإيراني عباس عراقجي، بالتحفظ الشديد، ما عكس محدودية التفاؤل.

وأكد عراقجي وجود فجوة واسعة بين مطالب الطرفين، مشددًا على أن حسن النية وحده لا يكفي لتجاوزها.

ومن المقرر أن تستمر المحادثات الأسبوع المقبل على مستوى الخبراء وكبار المفاوضين.

هل هناك فرصة لاختراق دبلوماسي؟

رغم الضبابية، قد يكون التوصل إلى اتفاق هذه المرة أسهل مما كان عليه في عام 2015، وذلك لعدة أسباب:

* تغيرت الديناميات الإقليمية وأصبح معظم الدول العربية مؤيد لإبرام اتفاق.
* الأصول الإيرانية المجمدة اليوم تقدر بـ10 إلى 20 مليار دولار فقط، مقارنة بـ80 إلى 150 مليار دولار عام 2015.
* تراجع نفوذ إيران الإقليمي عبر الجماعات الموالية لها.
* الاحتجاجات الداخلية أضعفت موقع النظام الإيراني داخليًا، مما زاد من حافزه للتفاوض.
* تراجع حدة التنافس الأميركي-الروسي أزال عاملًا معقدًا من المشهد.
* قد تعيق الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قدرة واشنطن على ممارسة أقصى الضغوط.
* كل من واشنطن وطهران تفضلان حلًا دبلوماسيًا على مواجهة عسكرية.
ومع ذلك، فإن الاختلافات التاريخية والسياسية والأيديولوجية تجعل الطريق إلى الاتفاق مليئًا بالتعقيدات.

العقبات الأساسية

أولًا، لا تزال جذور انعدام الثقة عميقة. فبعد عقود من الصراع والعقوبات وفشل المساعي الدبلوماسية، أصبحت الشكوك راسخة لدى الطرفين.

وقد أدى انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من اتفاق 2015 إلى تعميق المخاوف الإيرانية حيال موثوقية واشنطن، فيما لا تزال الشكوك الأميركية قائمة تجاه أفعال إيران.

وأي اتفاق سيتطلب إيمانًا حقيقيًا من الجانبين بوفاء كل طرف بالتزاماته، وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل التقلبات السياسية في كلا البلدين.

ثانيًا، ترفض طهران تفكيك بنيتها التحتية النووية بالكامل، وتقاوم تكرار النموذج الليبي لنزع السلاح. وقد توافق على خفض نسبة تخصيب اليورانيوم وتقليص المخزونات عالية التخصيب، لكنها ستحتفظ بقدرتها على تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

ورغم تراجع نفوذ إيران الإقليمي، فإنه لا يزال مصدر قلق لواشنطن، لا سيما بالنسبة لإسرائيل.

ويرى كثيرون داخل حكومة بنيامين نتنياهو أن الفرصة الحالية نادرة لتوجيه ضربة لقدرات إيران النووية، وقد يدفعون نحو عمليات عسكرية محدودة أو سرية لإفشال المفاوضات.

أما القوى الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا وألمانيا وفرنسا، فهي عامل آخر مؤثر.

فهذه الدول، القلقة من تزايد التعاون العسكري بين إيران وروسيا، تفكر في إعادة فرض عقوبات أممية إذا لم يتحقق تقدم ملموس. ورغم عدم مشاركتها المباشرة في المفاوضات الحالية، فإن دعمها سيكون حاسمًا لأي اتفاق نهائي.

وتبقى العقوبات عقبة رئيسية أخرى. فبينما سببت الضغوط الاقتصادية أضرارًا بالغة لإيران، فإن العديد من العقوبات، خصوصًا المرتبطة بالإرهاب، أصبحت جزءًا من التشريعات الأميركية ولا يمكن رفعها بقرار رئاسي فقط. وبالتالي، ستكون هناك حاجة إلى صيغة معقدة لرفع العقوبات بشكل تدريجي.

اتفاق مرحلي

خلاصة القول: رغم وجود فرص لاختراق دبلوماسي، إلا أن التحديات تظل هائلة. فغياب الثقة، وضمانات البرنامج النووي، والتوترات الإقليمية، والمعادلات السياسية الداخلية، ومسألة تنفيذ العقوبات جميعها تعقد مسار الدبلوماسية.

ويبدو أن التوصل إلى "اتفاق مرحلي" يمهد الطريق لاتفاق أوسع وأكثر إلزامًا هو الخيار الأكثر واقعية في الأمد القصير.