وفي هذا السياق، أوضح وزير التعاون والعمل والرفاه الاجتماعي في إيران، أحمد ميدري، خطة الحكومة لزيادة أجور العمال في العام المقبل، قائلاً: "هناك مشروع قانون قيد الدراسة في البرلمان ينص على أن تكون زيادة الرواتب على الأقل بمقدار معدل التضخم، وهو ما نأخذه بعين الاعتبار، وبعد دراسة جميع هذه الجوانب سيتضح كيف يمكن المضي قدمًا في هذا الملف مع العمال وأصحاب العمل".
وأثارت هذه التصريحات موجة انتقادات واسعة بين مستخدمي مجموعات "تلغرام" العمالية، حيث وصف أحدهم الخطوة التي يطرحها وزير العمل بأنها "قرار ضد الناس".
أرقام التضخم المعلنة لا تعكس الواقع
قال الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي في ستوكهولم، أحمد علوي، في حديث مع "إيران إنترناشيونال"، إن معدلات التضخم التي تعلنها السلطات الإيرانية خلال السنوات الماضية "منفصلة عن الواقع".
وأضاف: "في الدول التي تمتلك نقابات عمالية قوية، تُعدّل الأجور كل فصل، أي كل ثلاثة أشهر، لأن مستوى التضخم يتغير على مدار العام".
وأشار علوي إلى تجربة أكثر من أربعة عقود من التلاعب بالإحصاءات في إيران، قائلاً: "التضخم الذي تشعر به الأسر في ميزانياتها يختلف عمّا يعلنه مركز الإحصاء".
وتابع: "زيادة الأجور للعام المقبل تُحدَّد دائمًا على أساس تضخم العام الحالي، في حين أن التضخم يتجه نحو الارتفاع، وهو ما يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للعمال رغم زيادة الرواتب".
وتأتي خطة الحكومة، التي أعلن عنها ميدري وتُناقش حاليًا في البرلمان الإيراني، رغم أن المادة 41 من قانون العمل، الصادر عام 1990، بها فقرتان تنصان بوضوح على أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يُحدَّد بناءً على معدل التضخم وتكلفة معيشة الأسرة.
وبذلك، تسعى حكومة بزشكيان إلى حذف المادة الثانية المتعلقة بتكاليف المعيشة من معادلة تحديد الأجور.
وسبق للمجلس الأعلى للعمل، وهو الجهة المسؤولة عن تحديد الحد الأدنى للأجور، أن تجاهل هذه الملاحظة، ما أثار انتقادات واسعة من نشطاء ونقابات عمالية مستقلة، وصفوا هذا النهج بأنه "قمع للأجور".
ويرى مراقبون أن الحكومة تحاول، بدل معالجة أصل المشكلة، شطب هذه المادة من القانون.
انخفاض القيمة الحقيقية لأجور العمال بنسبة 62 % خلال أقل من 10 سنوات
في هذا الإطار، أفادت وكالة "إيلنا" الإيرانية، يوم الخميس 19 ديسمبر، بوجود معارضة واسعة لمشروع "تعديل المادة 41 من قانون العمل".
وقال الخبير في علاقات العمل ونائب رئيس اتحاد قدامى المجتمع العمالي، علي رضا حيدري، في تصريح لـ "إيلنا": "لا تستطيع الحكومة، وفق التوصيات والاتفاقيات الدولية، التدخل مباشرة في قانون العمل، لذلك تحاول الآن تمرير مصادقة برلمانية تجعل زيادة أجور العمال، كما هو حال موظفي الدولة، بلا ضوابط واضحة".
خطوات حكومية أخرى لتشديد قمع الأجور
أشارت "إيلنا" كذلك إلى أنه خلال الأسبوعين الماضيين، أثار إقرار البرلمان إلغاء المادة 125 من قانون إدارة الخدمات المدنية، التي تلزم بزيادة الرواتب بما يتناسب مع التضخم، انتقادات واسعة ضد الحكومة والبرلمان.
وبحسب التقرير، فقد انتقد العديد من موظفي الدولة والمتقاعدين هذا القرار، معتبرين أنه يمهّد لمزيد من قمع الأجور والرواتب.
ونقلت "إيلنا" عن الناشط النقابي للمتقاعدين في قطاع التعليم، محمد رضا انتظاريان، قوله: "نقيّم هذا القرار البرلماني الأخير بشأن إلغاء إلزام زيادة رواتب موظفي الدولة بما يتناسب مع التضخم بشكل سلبي تمامًا".
وأضاف: "بعض النواب وعدوا هذا العام بأن تكون زيادة الرواتب أقل ما تكون مساوية للتضخم، لكن البرلمان نفسه اتخذ قرارًا مفاجئًا في هذا الشأن".
ووصف انتظاريان نتائج هذا القرار بأنها خطوات إضافية لإضعاف معيشة الموظفين والمتقاعدين، محذرًا من أن "إطلاق يد الحكومة في زيادة الرواتب وفق أهوائها أمر خطير".
أوضاع المعلمين وتفاقم الأزمة المعيشية
من جانبه، قال الناشط النقابي للمعلمين، إسماعيل عبدي، في حديث لـ "إيران إنترناشيونال": "الراتب الشهري للمعلم الإيراني اليوم أقل من 150 دولارًا، في حين يُقدّر خط الفقر بما لا يقل عن 300 دولار".
وأوضح أن هذه الفجوة الكبيرة تدفع المعلمين إلى العمل بوظيفتين أو ثلاث، ما يؤدي إلى الإرهاق، وتراجع الدافعية المهنية، وانخفاض جودة التعليم.
وأضاف: "يتحول التعليم تدريجيًا من حق عام إلى سلعة بعيدة المنال عن الطبقات الفقيرة. المدارس التي يفترض أن تكون ملاذًا لأبناء العمال والمناطق المحرومة، تصبح يومًا بعد يوم أضعف بسبب نقص الكوادر والإمكانات وتراجع حوافز المعلمين، ما يوسع الفجوة التعليمية".
كما اعتبر عبدي أن معدلات التضخم التي تعلنها الحكومة "لا تنسجم مع معاناة الناس اليومية"، مؤكدًا أن أي زيادة في الرواتب تقل عن الغلاء الحقيقي تعني عمليًا تراجعًا مستمرًا في مستوى المعيشة والكرامة المهنية.
وختم بالتأكيد على أن التعليم، رغم النصوص الدستورية والقوانين العليا التي تشدد على العدالة الاجتماعية وحماية القدرة الشرائية، كان دائمًا ضحية النظرة المالية البحتة للحكومات، التي تعوّض عجزها المالي من "موائد المعلمين".