ويؤكد الخبراء أن هذا المسار قد يهدّد الاستقرار البيئي والاقتصادي في كامل أنحاء إيران.
وذكرت وكالة "إيسنا"، يوم الجمعة 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، أن إيران تعيش واحدة من أعقد مراحلها التاريخية في ما يتعلق بالمياه؛ حيث أدى جفاف البحيرات، والانخفاض غير المسبوق في رطوبة الهواء، وتراجع الغطاء السحابي، إلى تسريع الهبوط الأرضي، ورسم صورة مقلقة لمستقبل المناخ في البلاد.
وكانت البحيرات تُعدّ يومًا "رئات الهضبة الإيرانية"، لكنها تحوّلت اليوم في كثير من المناطق إلى مسطحات ملحية أو أراضٍ متشققة، وهو ما يصفه المختصون بأنه "تهديد وجودي".
وتأتي هذه الأزمة في وقت يربط بعض مسؤولي النظام الإيراني الكارثة المائية بقضايا عقائدية، مثل الحجاب. ففي يوم الخميس 27 نوفمبر، وفي ذروة أزمة المياه، دعا المرشد علي خامنئي الإيرانيين إلى التضرّع والدعاء لنزول المطر.
واعتبر عضو مجلس خبراء القيادة، محسن أراكي، في 9 نوفمبر الجاري، أن "عدم الالتزام بالحجاب" أحد أسباب الجفاف ونقص الأمطار في البلاد.
هبوط سريع في طهران
أوضح الأستاذ في مركز الأبحاث الدولية لعلم الزلازل، مهدي زارع، أن جفاف البحيرات وتراجع الرطوبة جزء من "مخاطر جديدة" تتشكل في إيران نتيجة سوء الإدارة، وليس نتيجة عوامل طبيعية فحسب.
وقال إن أزمة المياه "مشكلة تاريخية"، لكن الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية وتجاهل القوانين ضاعف الخطر، حتى إن "مدنًا كبرى، مثل طهران، تشهد اليوم هبوطًا سنويًا في مستوى الأرض"، وهو "أمر جديد كليًا" ناتج عن "ضغط هائل على الموارد المائية".
وأضاف زارع أن "الحكم الرشيد والمنظم شرط أساسي لمعالجة الأزمة"، مؤكدًا أن "أي خطة، مهما كانت متقنة، لن تنجح، دون إرادة سياسية حقيقية".
وأشار إلى أن تقارير هيئة الخرائط أظهرت تجاوز معدل الهبوط في المنطقة 18 بطهران 30 سنتيمترًا سنويًا، مضيفًا أن هذا المسار استمر خلال عام 2025، وقد يمتد تأثيره إلى أجزاء واسعة من العاصمة الإيرانية، خلال السنوات المقبلة.
وحول جفاف بحيرة أرومية قال زارع إنها "جرح في جسد إيران"، محذرًا من أن انهيارها قد يترك أثرًا على كامل الهضبة الإيرانية.
من جانبه، قال رئيس قسم هندسة الزلازل في مركز أبحاث الطرق والإسكان، علي بيت اللهي، في 22 نوفمبر الجاري، إن "الهبوط الأرضي يتسع بسرعة في جميع أنحاء إيران ويهدّد 40 في المائة من سكان البلاد"، مشيرًا إلى أن معدل الهبوط جنوب طهران تضاعف ثلاث مرات خلال العامين الماضيين.
جذور أزمة المياه
أوضح أمين لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، رضا سبهوند، أن أزمة المياه تعكس تراكم عقود من سوء الحوكمة. وقال: "ليست المشكلة نقص القوانين بل عدم تطبيقها، بل وأحيانًا مخالفتها"، مرجعًا ذلك إلى "غياب الإيمان الحقيقي لدى الحكومة بأهمية المياه".
وحذّر من أن غياب التنسيق بين السياسات المائية والتسعير والقوانين والتعليم وثقافة الاستهلاك، سيمنع أي تغيير كبير في سلوك المجتمع.
وأضاف أن طريقة استخدام محطات تحلية المياه الحالية غير مجدية اقتصاديًا، مشيرًا إلى ضرورة تبنّي نموذج الإمارات والسعودية في إنتاج مواد عالية القيمة مثل الماغنيسيوم إلى جانب "تحلية المياه"، كي تصبح هذه التكنولوجيا مجدية.
أما رئيس مركز المناخ وإدارة الجفاف في إيران، أحد وظیفه، فحذّر من مشاريع نقل المياه، قائلاً: "إن نقل المياه يعني نقل الأزمة"، مؤكدًا أن الحلّ المستدام يكمن في إدارة الاستهلاك والتكيّف المناخي، لا في تغيير مسارات المياه.
وفي الوقت نفسه، وفي حين يواجه السكان انقطاعات طويلة للمياه، وردت تقارير من مدينة "بانه" تفيد بأن الأجهزة الأمنية استدعت وهددت صحافيين لمنع نشر أخبار أزمة المياه، ووجهت لهم تهمة "تشويش الرأي العام".
80 في المائة من البحيرات الإيرانية اختفت
قال عضو هيئة التدريس بجامعة "بهشتي" الإيرانية، هومان لیاقتي، إن "معدل استهلاك الفرد للمياه يتراوح بين 1100 و1200 متر مكعب سنويًا"، موضحًا أن هذا الرقم يعني أن إيران ضمن "منطقة الأزمة"؛ حيث يعتبر حدّ الأزمة 1500 متر مكعب، وما دون 1000 متر مكعب "كارثة".
وأكد أن القوانين الاقتصادية لا تشجع على الاستثمار في تقنيات إعادة تدوير المياه، وأن العراقيل المرتبطة بتحويل العملات واسترداد رأس المال تمنع تطوير هذه التقنيات.
وحذّر لياقتي من أن البحيرات جزء من منظومة بيئية مترابطة، وأن جفافها يحمل "تبعات واسعة"، مشيرًا إلى أن إيران "فقدت الآن 80 في المائة من بحيراتها". وتساءل: "السؤال الأكبر اليوم هو: من يسيطر على مياه البلاد؟".
وفي وقت سابق، قال كاوه مدني، رئيس معهد المياه والبيئة والصحة التابع لجامعة الأمم المتحدة، في مقابلة مع "فوكس نيوز"، في 9 نوفمبر الجاري، إن "الإفلاس المائي" في إيران نتيجة عقود من سوء الإدارة.