وسط أزمة معيشية خانقة واتساع دائرة الفقر.. إيرانيون: "لم يبقَ شيء إلا الجوع المطلق"

يشهد الاقتصاد الإيراني واحدة من أصعب مراحله، وسط تفاقم معدلات التضخم وتراجع القدرة الشرائية وارتفاع البطالة، ما انعكس مباشرة على الحياة اليومية للمواطنين.

يشهد الاقتصاد الإيراني واحدة من أصعب مراحله، وسط تفاقم معدلات التضخم وتراجع القدرة الشرائية وارتفاع البطالة، ما انعكس مباشرة على الحياة اليومية للمواطنين.
ومع استمرار العقوبات وتذبذب سعر العملة ونقص الاستثمارات، تتسع دائرة الفقر وتتراجع جودة الخدمات الأساسية، لتشكل أزمة معيشية خانقة.
وفي البداية حلّ الدجاج مكان اللحوم الحمراء والسمك، ثم جاءت النقانق والمعلبات لتحلّ محلّ الدجاج، ولحسن الحظ كانت الخضار والفواكه والمنتجات اللبنية والخبز والأرز والبطاطس لا تزال ترافق المائدة. لكن لاحقًا جاء البيض ليملأ فراغ المعلبات، والآن نشهد واقعًا يقول إن "الخبز" هو آخر ما تبقّى على موائد كثير من العائلات.
وبعد تواتر تقارير يومية عن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية ساعةً بعد ساعة، وما يصاحبها من غلاء خانق خاصة لشرائح المجتمع الضعيفة، وجّهت "إيران إنترناشيونال" سؤالًا لمتابعيها: "مع ارتفاع الأسعار، ما الذي حذفتموه من سلة مشترياتكم؟" جاءت الإجابات صارخة، تقدّم صورة واضحة لِموائد تزداد فراغًا كل يوم، وبعضها بات يقتصر على "الخبز فقط".
الخلاصة الأبرز كانت: الحذف من السلة الغذائية شمل اللحوم الحمراء، الدجاج، البيض، الأرز، السمك، الروبيان، المكسرات، كثيرًا من الفواكه، الحلويات، والبقوليات.
وقالت إحدى الرسائل: "نحن خمسة أفراد، وثلاثة ملايين تومان تكلفة يومية للمواد الغذائية، دون لحوم وزيت وأرز. مائدتنا لم تصبح صغيرة فقط، بل اختفت".
ووصف مواطن آخر الجدول الزمني لانهيار سلة غذائه قائلًا: "اللحوم منذ فترة طويلة، الألبان منذ سنة، الدجاج منذ ستة أشهر، الفواكه منذ أربعة أشهر"، مضيفًا: "تكلفة شراء الخبز وحده 100 ألف تومان. لم يبقَ شيء إلا الجوع المطلق".
ارتفاعات لا تنتهي
أوضحت نقابة صناعات الألبان أن ارتفاع أسعار منتجات الحليب سيستمر.
وقال موظف يتقاضى 22 مليون تومان ويسكن بالإيجار: "أدفع 6.5 مليون تومان للإيجار. حذفنا اللحوم لأنها باتت فوق طاقتنا. أما الدجاج فلا نستطيع شراءه إلا من خلال صفوف السوق المدعوم، لأن سعره الحر باهظ".
واختصرت إحدى الرسائل المشهد: "أصبح شراء اللحوم، الأرز الإيراني، الفواكه، المكسرات، الملابس الجديدة والطعام الجاهز مجرد أمنيات".
وأخرى تقول: "من الصباح حتى الليل لا نأكل إلا الخبز واللبن والأرز".
أزمة تغذية تُهدّد الملايين
في أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أفادت وسائل الإعلام الإيرانية بأنّ نحو 35 في المائة من الوفيات المسجّلة في البلاد سببها سوء التغذية.
وذكرت تقديرات وزارة الصحة الإيرانية أن 10 آلاف وفاة تحدث سنويًا بسبب نقص أحماض "أوميغا-3"، و10 آلاف أخرى بسبب نقص الفواكه والخضار، و25 ألف وفاة نتيجة نقص الحبوب الكاملة والخبز الكامل. كما يعاني 50- 70% من الإيرانيين من نقص فيتامين D، ما يهدد بضعف المناعة وازدياد أمراض العظام.
ويقول أحد المتابعين: "نستهلك مواد غذائية أقل، لكن الأخطر أن كثيرين حذفوا من حياتهم زيارة الطبيب وشراء الدواء".
ويضيف: "نعيش كما يقول أهل الشمال: بالصدفة والحظ. والبقية مفهومة من هذا الملخص".
تضخم يهدّد بالانفجار
حذّر اقتصادِي من أن معدل التضخم قد يتجاوز 60 في المائة بحلول نهاية العام.
وكتب أحد المتابعين: "نحن عائلة من أربعة، لم نتمكن من شراء اللحوم منذ ستة أشهر. ابني ترك المدرسة في سن 16 عامًا ليعمل، ومع ذلك لا نستطيع تغطية احتياجاتنا اليومية". وختم رسالته بلغة الغضب: "الله يلعن حكومة الملالي وعلي خامنئي".
وذكر مواطن آخر: "حذفنا اللحوم الحمراء والدجاج والسمك، وهي الركائز الأساسية لسفرتنا. وإذا بقي هذا النظام في الحكم فسيختفي الباقي أيضًا، سواء أردنا أم لا".
وتقول رسالة أخرى: "كل شيء حُذف من سلة مشترياتي: الفواكه، الألبان، اللحوم، البقوليات. والوحيد الذي أستطيع شراءه بصعوبة هو الأرز الهندي والبيض والبطاطس".
وكتب أحدهم: "صار ينبغي أن تسألوا ما الذي بقي في السلة، وليس ما الذي حُذف. فكل الحبوب، اللحوم، السمك، المكسرات، الحلويات، وغيرها، اختفت".
ويضيف آخر: "80 في المائة من السلة الغذائية للناس حُذف. والـ 20 في المائة الباقية تُشترى بصعوبة".
ويشرح متابع آخر: "اللحوم الحمراء والدجاج والسمك أصبحت حلمًا، والملابس والذهب كذلك. أما السفر فصار صفرًا".
الملايين يسقطون في بئر الفقر
كان الخبير الاقتصادي الإيراني، حسين راغفر، قد كشف أن سبعة ملايين إيراني يعانون الجوع وسوء التغذية، وإذا استمر الوضع فإن نحو 40 في المائة من الشعب سيصبحون فقراء.
وفي رسالة أخرى، كتب شخص كان ينتمي للطبقة المتوسطة: "كنا نشتري 10 كيلوغرامات من الفواكه، أما الآن فنشتري أربع حبات من كل نوع، وتكلفنا مليوني تومان. كيلو اللحم أصبح بمليون ونصف المليون". ويضيف: "الوضع مرعب ومريع. حتى سكان المنطقة الأولى في طهران باتوا خائفين".
ويتحدث آخر: "نشتري الضروريات فقط. توقفنا منذ سنوات عن السفر إلى الخارج بسبب ارتفاع الدولار، والآن حتى السفر داخل البلاد أصبح محدودًا".
سؤال من قلب اليأس الجماعي
كتب أحد المتابعين: "ما حذفناه تعلمونه جيدًا. نحن نحتاج للحلول، لا للأسئلة التي نعرف جوابها مسبقًا". سؤال يختصر شعورًا عامًا بالإنهاك: كيف يمكن للناس تحمّل ضغط يطيح بحياتهم اليومية ومستقبلهم؟".
وأشار بيان مشترك لأربعة اتحادات مستقلة للعمال والمتقاعدين، في 21 أكتوبر الماضي، إلى "أزمات اقتصادية واجتماعية متصاعدة" و"ظروف مرهقة للعمال والطبقات الكادحة"، مؤكدين أن المحتجين يسعون إلى "تغيير عميق في المجتمع".
وأوضح البيان الصادر عن نقابة عمال شركة "نيشكر هفت تبه"، ولجنة التنسيق لإيجاد النقابات العمالية، وعمال متقاعدي خوزستان، ومجموعة اتحاد المتقاعدين، أن "الضغوط المعيشية وتجاهل المطالب" أدّيا إلى "ارتفاع دوافع الاحتجاج لدى شرائح مختلفة"، وأن العمال والمعلمين والمتقاعدين "اختاروا الشارع" لانتزاع حقوقهم والتعبير عن احتجاجاتهم.