في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت ذكرى فوز ترامب في انتخابات 2024 الأميركية. وعندما عاد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2024، أبدى المسؤولون الرسميون في إيران ردود فعل حذرة. وكان خامنئي في المرة السابقة، بعد فوز ترامب، قد رد بسرعة، لكن هذه المرة اكتفى بالصمت.
وفي 7 نوفمبر 2024، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشکیان، في اجتماع مسؤولي "مقر الأمل": "لن يهمنا أبدًا من فاز في انتخابات الرئاسة الأميركية".
ومع ذلك، أضاف بحذر: "لن تكون لدينا نظرة ضيقة أو محدودة في تطوير علاقاتنا مع الدول الأخرى".
كما اتخذ إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، وفاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، مواقف مشابهة.
بينما اعتبر حسين سلامي، القائد العام الراحل للحرس الثوري الإيراني، فشل الديمقراطيين في انتخابات 2024 نتيجة دعمهم لإسرائيل وقال: "كان الديمقراطيون هم من دعموا الحرب في فلسطين بكل قوتهم، ولم يصوت لهم الشعب الأميركي".
وأضاف سلامي: "مقاومة غزة يمكن أن تغير حتى الحكومة الحربية الأميركية".
كما أشار نواب البرلمان الإيراني وأئمة الجمعة في تصريحاتهم وخطبهم إلى أن فوز ترامب لن يغير شيئًا في العلاقات الخارجية، وأن عودته إلى البيت الأبيض لن تؤثر بشكل خاص على إيران.
الضربة الأولى: أمر بإعادة تفعيل سياسة الضغط الأقصى
في فبراير 2025، بينما كانت إيران تستعد للاحتفال بذكرى انتصار الثورة الإيرانية، أصدر دونالد ترامب أول أمر تنفيذي له لإعادة تفعيل سياسة الضغط الأقصى ضد النظام الإيراني.
وبمجرد إصدار الأمر التنفيذي، ارتفعت قيمة الدولار في السوق الإيرانية، واستمر هذا الارتفاع حتى وصل إلى 88 ألف تومان في 6 مارس 2025، أي قبل أيام من إعلان ترامب إرسال رسالة إلى المرشد الإيراني. وبعد عام من فوزه، ارتفع الدولار في السوق الحرة الإيرانية بمقدار 40 ألف تومان.
بعد هذا الأمر التنفيذي، أشار خامنئي إلى تجربة الاتفاق النووي، قائلا: "نفس الشخص الذي هو في الحكم الآن [ترامب] هو الذي مزق الاتفاق".
وقال خامنئي في ذات الخطاب: "لا يجب التفاوض مع مثل هذه الحكومة، التفاوض معها ليس حكيمًا، ليس ذكيًا، ولا شريفًا".
الضربة الثانية: إرسال الرسالة
بعد حوالي شهر من خطاب خامنئي، وفي وقت كان فيه الجناحان الإصلاحي والأصولي في إيران يناقشان كيفية التعامل مع الرئيس الأميركي الجديد، أعلن ترامب في مقابلة تلفزيونية في 7 مارس 2025 أنه أرسل رسالة إلى خامنئي وعرض عليه التفاوض.
وأكد ترامب في تلك المقابلة أنه يمكن التوصل إلى اتفاق "جيد بما يكفي كما لو أنك فزت عسكريًا".
في ذلك الوقت، نفت الحكومة الإيرانية تلقي الرسالة، ووصف الإعلام الرسمي خبر إرسال الرسالة والتلميح بالحرب بأنه "حرب نفسية" من ترامب.
الضربة الثالثة: قبول التفاوض "غير الذكي وغير الشريف"
بينما كان خامنئي قد صرح بوضوح أن التفاوض مع حكومة تحت قيادة ترامب "غير حكيم وغير شريف"، بعد إعلان خبر إرسال الرسالة وتهديده بالحرب، أعلنت إيران أنها ستتفاوض مع أميركا، رغم تأكيدها بأنها لن تكون مفاوضات مباشرة.
في سبتمبر (أيلول) 2025، أصبح واضحًا أن خطة هجوم أميركا على المنشآت النووية الإيرانية كانت قد تم وضعها منذ إرسال رسالة ترامب. وفي 17 سبتمبر، أكد قائد العمليات العسكرية الأميركية في الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية خلال حرب الـ12 يومًا، في حديث مع قناة "فوكس نيوز"، أنه عندما وضع دونالد ترامب خطًا أحمر مع مهلة 60 يومًا لتوضيح وضع البرنامج النووي الإيراني، كانت القاذفات الأميركية جاهزة فورًا لتنفيذ الخطة.
قبول التفاوض مع أميركا أثر على صورة "الثورة" التي كانت في ذهن خامنئي، ولكن هذه المفاوضات لم تسفر في النهاية عن أي نتيجة.
الضربة الرابعة: هجوم ليلة الجمعة
بينما كان المسؤولون في إيران يستعدون لجولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، تعرضت طهران في صباح يوم الجمعة 13 يونيو (حزيران)، لعدة هجمات جوية. هذه الهجمات كانت مشابهة لتلك التي وقعت خلال حرب إيران والعراق التي استمرت 8 سنوات.
لكن هذه المرة لم تكن المواقع العسكرية النائية هي المستهدفة، بل كانت الهجمات تستهدف مواقع عسكرية حيوية ولم تكن مجرد عمليات تخريب في المواقع العسكرية. دخلت الطائرات الحربية الإسرائيلية بشكل علني الأجواء الإيرانية، وهاجمت بالصواريخ منازل كبار القادة العسكريين في إيران.
استمرت الحرب لمدة 12 يومًا، وخلالها انهار تقريبًا كل هيكل القيادة العسكرية في النظام الإيراني. تم استهداف جميع القواعد الصاروخية الرئيسية للنظام في الهجمات، بالإضافة إلى ذلك، دمرت إسرائيل مواقع حيوية مثل شاهرود وجرمسار، مما ألحق ضررًا كبيرًا في سلسلة إنتاج الصواريخ التابعة للحرس الثوري.
دعم دونالد ترامب بشكل قاطع الهجوم الإسرائيلي على إيران. ولم يقتصر دعمه على ذلك، بل أصدر أمرًا بشن هجوم على المنشآت النووية، خصوصًا منشأة فردو التي كانت إسرائيل تفتقر إلى المعدات اللازمة لتنفيذ هجوم مباشر عليها. هذا الهجوم كان جزءًا من عملية عسكرية تم التخطيط لها منذ إرسال ترامب للرسالة إلى مرشد النظام الإيراني. في وقت لاحق، قال ترامب عن الهجوم: "بتدمير البرنامج النووي، انتهت 'الهيمنة' الإيرانية في الشرق الأوسط".
الضربة الخامسة: السخرية من خامنئي
في 27 يونيو، بعد فترة من الهدنة، وفي رسالة فيديو من مكان غير معروف، ادعى خامنئي أنه فاز في حرب الـ12 يومًا. وفي خطوة غير مسبوقة، وفي حدث رسمي، قام ترامب بتقليد تعبيرات وجه خامنئي التي تغيرت بعد الحرب، وقال: "يجب أن تقول الحقيقة، لقد هُزمت بشدة".
وأضاف: "كنت أعرف تمامًا أين كان يختبئ، ولم أسمح لإسرائيل أو القوات المسلحة الأميركية بإنهاء حياته. أنقذت حياته من موت مشين، ولم يكن مضطرًا ليقول: شكرًا، الرئيس ترامب".
وعلى الرغم من أن الرؤساء الأميركيين مثل باراك أوباما قد تحدثوا ضد النظام الإيراني ومرشده خلال المفاوضات، إلا أنهم كانوا دائمًا يتعاملون مع مكانته الدينية باحترام معين. في المقابلات الرسمية، كانت "الفتوى" التي أصدرها خامنئي ضد إنتاج الأسلحة النووية تُعتبر واحدة من الأسباب التي تبرر الاتفاق مع إيران.
الضربة السادسة: آلية الزناد
بدعم من الولايات المتحدة، وفي 28 أغسطس (آب)، وقبل انتهاء المهلة لتنشيط آلية الزناد، أرسلت فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الدول الأوروبية الثلاث، رسالة إلى مجلس الأمن لتفعيل آلية الزناد لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.
قبل 10 سنوات، مع قبول إيران للاتفاق النووي، كانت تأمل أن يتم رفع العقوبات الدولية عنها بشكل دائم بعد مرور 10 سنوات، وهو الموعد المحدد في أكتوبر (تشرين الأول) 2025. لكن قبل شهر من هذا التاريخ، تم تفعيل جميع العقوبات مرة أخرى دون أن تحقق إيران أيا من أهدافها.
الضربة السابعة: الإهانة في نيويورك
منذ أواخر أغسطس، بدأ الحديث عن زيارة وفد سياسي من إيران إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. في السنوات السابقة، كانت مشاركة الوفود الكبيرة من إيران في نيويورك تحظى باهتمام النقاد. كان سفر المسؤولين وتسوقهم من المتاجر في نيويورك خلال فترة رئاسة إبراهيم رئيسي محل أنظار وسائل التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر إلى أن بعض أعضاء الوفد هاجموا الصحافيين جسديًا.
لكن زيارة عام 2025 كانت مختلفة. في 4 سبتمبر، أفادت وكالة "أسوشييتد برس" بأن وزارة الخارجية الأميركية كانت تدرس فرض قيود خاصة على سفر وفد إيران إلى الأمم المتحدة. كانت هذه القيود تشمل منع الوفد من مغادرة نيويورك ومنعهم من التسوق من المتاجر الكبرى.
وفي الوقت الذي تم فيه نشر تقارير عن رفض أميركا لعدد كبير من طلبات تأشيرات الوفد المرافق للرئيس الإيراني، أكدت وزارة الخارجية الأميركية في 22 سبتمبر تطبيق هذه القيود على الوفد، وذكرت في بيان صحافي: "بينما يعاني الشعب الإيراني من الفقر، ويواجه نقصًا حادًا في المياه والكهرباء والبنية التحتية التي تنهار، لن نسمح للحكومة الإيرانية بأن تمنح موظفيها الفرصة للتسوق والإسراف في نيويورك".
وكان نشر هذا البيان من وزارة الخارجية الأميركية أمرًا غير مسبوق.
ثلاث سنوات متبقية
على الرغم من أنه لم يمض عام كامل منذ تولي ترامب رسميًا رئاسة الولايات المتحدة، فإن البرنامج النووي الإيراني لم يعد كما كان قبل 13 يونيو. مكانة خامنئي، الذي وافق على التفاوض مع حكومة يترأسها ترامب، الشخص الذي كانت وسائل الإعلام الموالية لخامنئي تطلق عليه اسم "قاتل قاسم سليماني"، قد تضررت بشكل كبير بين مؤيديه.
وخامنئي، الذي كان يومًا ما يُستشهد بفتواه ضد إنتاج الأسلحة النووية كمرجع ديني في المفاوضات الأميركية، تمت السخرية منه من قبل رئيس الولايات المتحدة. لم تهاجم الولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية عبر عمليات سرية أو تخريبية، بل قامت بشن هجوم عسكري رسمي. وما زال القادة العسكريون والمسؤولون الكبار في إيران يشعرون بظلال الحرب الثقيلة التي تلوح فوق رؤوسهم.
ومع ذلك، ما زال هناك 3 سنوات أخرى في رئاسة ترامب.