وفي تقريرٍ استقصائي مطوّل نُشر اليوم الثلاثاء 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، قالت "رويترز" إن شركة " Maritime Mutual"، التي يديرها البريطاني البالغ من العمر 75 عامًا بول رانكين مع عائلته، قدّمت على مدى عقدين تأمينًا يشمل كل شيء من القاطرات إلى السفن التجارية. غير أن عقودها التأمينية في السنوات الأخيرة شملت ناقلات نفط خاضعة للعقوبات الغربية.
وأظهر فحص آلاف الوثائق الخاصة بالشحن البحري، والمعاملات النفطية، وبيانات التأمين والنقل، إلى جانب مقابلات مع مصادر مطلعة، أن هذه الشركة وفّرت غطاءً تأمينيًا ضروريًا لدخول الناقلات إلى الموانئ، مما جعلها أحد اللاعبين الرئيسيين في سوق تجارة النفط الخاضع للعقوبات.
ووفقًا لتقرير "رويترز"، فإنه حتى يوليو (تموز) 2024 تم فرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على 621 ناقلة نفط، كان 97 منها على الأقل تحمل في فترة من الفترات تأمينًا من "Maritime Mutual".
ومن بين هذه الناقلات، بقيت 48 ناقلة تحت تغطية الشركة في اليوم الذي فُرضت فيه العقوبات.
وقالت الشركة إنها ألغت منذ عام 2022 تأمين 92 ناقلة بسبب العقوبات.
وفي مثال على ذلك، فرضت الحكومة الأميركية في 24 فبراير (شباط) 2025 عقوبات على ناقلة النفط "Feng Huang" المملوكة لشركة في هونغ كونغ، إلا أن البيانات أظهرت أن السفينة أعلنت بعد أسبوع من العقوبات، أثناء دخولها ميناء ناخودكا في روسيا، أنها مؤمّنة من "Maritime Mutual".
وذكرت الشركة أنها بدأت التأمين في 14 فبراير وألغته بعد عشرة أيام من فرض العقوبات.
وقد قامت شرطة نيوزيلندا في 15 أكتوبر 2025 بمداهمة مكاتب الشركة في أوكلاند وكرايستشرش، وصادرت وثائقها المالية، إلا أنه لم تُوجَّه حتى الآن أي تهم إليها.
تأمين حيوي لأسطول الظل
تقدم "Maritime Mutual" نوعًا من التأمين يُعرف بـ"الحماية والتعويض" (P&I)، وهو يغطي الأضرار التي قد تصيب الأشخاص أو الممتلكات أو البيئة، وليس السفينة أو الشحنة نفسها.
قد تصل التكلفة السنوية لمثل هذا التأمين لناقلة نفط كبيرة إلى أكثر من 200 ألف دولار.
وقال خبير العقوبات ديفيد تيننباوم: "من دون هذا التأمين، تتعطل الناقلات فعليًا عن العمل. حتى الموانئ الإيرانية والروسية لا تسمح بدخول السفن غير المؤمّنة".
وبحسب البيانات التي جمعتها "رويترز" ومركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في فنلندا، فإن 130 ناقلة من أصل 231 كانت تحت تأمين "Maritime Mutual" منذ عام 2018، نقلت النفط أو مشتقات الطاقة الإيرانية والروسية بعد فرض العقوبات على طهران وموسكو.
وتُقدَّر قيمة تلك الشحنات بما لا يقل عن 34.9 مليار دولار.
وفي كثير من الأيام، كان أكثر من 30 ناقلة مؤمّنة من قبل الشركة تقوم في الوقت نفسه بنقل النفط الإيراني والروسي.
التعاون مع إيران
أسس رانكين المقر الرئيسي لشركة "Maritime Mutual" في أوكلاند عام 2004. وبعد عامين، بحسب وثائق "ويكيليكس"، أبلغ السلطات النيوزيلندية بأنه لم يعد يؤمّن السفن الكورية الشمالية.
وقبل عامين من عودة العقوبات الأميركية على إيران في 2016، كانت الشركة- التي يُطلق عليها أحيانًا "نادي P&I النيوزيلندي"، تسعى إلى اجتذاب عملاء إيرانيين.
وفي موقع شركة "Shiraz Marine" الإيرانية، نُشر عرضٌ يروّج لمقر الشركة في نيوزيلندا وخبرتها الطويلة.
ووفقًا لرسالة موقّعة من رانكين، سمحت "Maritime Mutual" منذ يناير (كانون الثاني) 2017 لـ "Shiraz Marine" بـ"تمثيل مصالح النادي في إيران وجذب أعضاء جدد".
وبعد عودة العقوبات النفطية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، ارتفعت إيرادات الشركة بشكلٍ حاد.
وتُظهر سجلات نيوزيلندا أن مبيعات التأمين لدى الشركة نمت بمعدل سنوي يبلغ 41 في المائة منذ عام 2019، لتصل في عام 2024 إلى 108.5 مليون دولار.
وكانت ذروة النمو في 2023، أول عام بعد العقوبات على روسيا، وهو العام نفسه الذي بلغت فيه صادرات النفط الإيراني 42 مليار دولار، أي ما يقارب مستويات ما قبل العقوبات.
وفي سبتمبر (أيلول) 2023، أعلنت "Shiraz Marine" عبر حسابها في "إنستغرام" أنها الممثل الرسمي لنادي "P&I" النيوزيلندي في إيران.
وردّت "Maritime Mutual" على "رويترز" بنفي "قاطع" لأي نشاط استباقي لاستقطاب "أسطول الظل"، مشيرة إلى أن نمو الإيرادات سببه زيادة عدد السفن الكبيرة بعد رفع القيود عن شركات إعادة التأمين.
إخفاء المسارات والتلاعب بالبيانات
أظهرت بيانات منظمة "Global Fishing Watch" أن السفن المؤمّنة من "Maritime Mutual" أغلقت أنظمة تحديد المواقع الخاصة بها أو أرسلت بيانات مزيفة 274 مرة بين عامي 2021 و2025، وهي ممارسة تُعرف باسم "التزييف" (Spoofing) لإخفاء مسارها الحقيقي.
وقال المحلل بيورن بيرغمان من المنظمة: "من الغريب أن شركة من بلد يتعاون مع العقوبات الأميركية والأوروبية تؤمّن هذا العدد من السفن التي تزوّر مواقعها".
تحقيقات دولية
في أكتوبر 2024، تلقى رئيس البنك المركزي النيوزيلندي رسالة إلكترونية من أحد العاملين في قطاع الملاحة تطلب منه التحقيق في أنشطة "Maritime Mutual" لأنها "تسيء استخدام اسم نيوزيلندا لتبدو ذات سمعة محترمة".
وبعد التحذير، أطلق البنك المركزي وعدة وكالات حكومية تحقيقًا مشتركًا بالتعاون مع أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
ويتركز التحقيق على احتمال انتهاك العقوبات، والتقاعس عن منع تمويل الإرهاب، وتقديم معلومات مضللة حول كون الشركة مؤمّنًا رسميًا في نيوزيلندا.
وفي أكتوبر 2025 فرضت نيوزيلندا عقوبات على إيران، طالبت بموجبها الشركات باتخاذ "أقصى درجات الحذر" عند التعامل مع طهران، خصوصًا في قطاع الطاقة.
وأكدت وزارة الخارجية النيوزيلندية أن مؤسسات حكومية تتواصل مع "Maritime Mutual" بشأن "مسائل رقابية".
أما وزارة الخزانة البريطانية فرفضت تقديم تفاصيل حول التزام الشركة بالعقوبات المفروضة على إيران وروسيا، موضحة أن نشر مثل هذه المعلومات قد يضر بالعلاقات الدولية للمملكة المتحدة ويساعد "أشخاصًا ذوي نيات إجرامية" على التهرب من العقوبات.
ونفت "Maritime Mutual" ارتكاب أي مخالفات للقانون الدولي، مؤكدة أنها تعمل وفق "معايير صارمة للامتثال".
غير أن تحقيقات "رويترز" أظهرت أن عقود التأمين التي تقدمها الشركة أدت دورًا حاسمًا في استمرار نشاط أسطول الظل وساعدت إيران وروسيا فعليًا على تصدير نفطهما إلى الأسواق العالمية رغم العقوبات.
وفي الأشهر الأخيرة، زادت شدة العقوبات المفروضة على الشبكات التي تبيع النفط الإيراني المحظور، حيث فرضت كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بين يوليو وأغسطس 2025 عقوبات على حسين شمخاني، نجل السياسي الإيراني البارز علي شمخاني، وشبكة الشحن العملاقة التابعة له.