لكن هل تتطابق هذه الأقوال مع واقع حياة الإيرانيين، أم إن مرشد النظام الإيراني يعيش في عالم من الأوهام وقد تحوّل عملياً إلى "عدو للشعب"؟
"يريدون أن تكون إيران تابعة لأميركا"
ادّعى خامنئي أن الأعداء يريدون لإيران أن تكون "تحت إمرة أميركا"، واعتبر أن من يرى جذور العداء في الشعارات المعادية لأميركا "سطحي النظر".
لكن التاريخ يوضح أن الخصومة مع الولايات المتحدة بدأت مع احتلال السفارة الأميركية ورفع شعار "الموت لأميركا"، وليس من قبل الشعب الإيراني. والتجربة العالمية تناقض قوله؛ فبلدان مثل ألمانيا واليابان وتركيا وكوريا الجنوبية حافظت على هويتها واستقلالها، وفي الوقت نفسه أقامت علاقات سياسية واقتصادية واسعة مع واشنطن. الاستقلال الحقيقي يعني حرية الاختيار واتخاذ القرار، لا العداء الدائم مع العالم.
"اختاروا الملك التالي لإيران في أوروبا"
قال خامنئي إن الأعداء "بعد يوم واحد من بدء الهجوم، عقدوا اجتماعاً في أوروبا وعيّنوا الملك المقبل لإيران".
هذا الادعاء بلا أي دليل، وهو مثال واضح على نظرية المؤامرة. المعارضة الإيرانية متنوّعة، ولا قوة أجنبية قادرة على تحديد النظام السياسي المقبل نيابة عن الشعب. جذر الأزمة يكمن في فشل النظام الإيراني وفساده البنيوي، لا في اجتماعات وهمية بأوروبا.
ووصف خامنئي المعارضين بأنهم "خسئوا"، واعتبر أنهم يعملون ضد الوطن. والحقيقة أن منتقدي السلطة لا يتحركون ضد الشعب، بل يعترضون على نظام يقمع الحريات، ويدمر الاقتصاد، ويعزل البلاد. الوطنية تتجلى في نقد الحكام، لا في الصمت أمامهم.
وأكد خامنئي أن الشعب بأكمله يقف خلف النظام. لكن الواقع يروي شيئاً آخر: احتجاجات 2017، وانتفاضة نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وانتفاضة 2022، إضافة إلى مشاركة أقل من 40 في المائة في الانتخابات الأخيرة، وموجات الهجرة، والإضرابات الواسعة، كلها تكشف عن سخط عميق. الشعب الإيراني متحد بالفعل، لكن لا في دعم النظام، بل في رفض الوضع القائم.
وحمّل خامنئي الكُتّاب والمنتقدين مسؤولية إثارة الانقسامات. غير أن التعدد في الآراء علامة على صحة المجتمع، بينما الصوت الواحد الإجباري سمة من سمات الديكتاتوريات. وسجن الصحافيين دليل على خوف النظام من الحقيقة، لا على خيانة المنتقدين.
وقال خامنئي إن على إيران أن تحذو حذو اليمن في إغلاق طرق المساعدة إلى إسرائيل. على الرغم من أن اليمن أفقر بلد عربي، وحربه الأهلية صنعت إحدى أكبر المآسي الإنسانية في القرن الحادي والعشرين. اتخاذ اليمن قدوة يعني قبول الفقر والخراب.
وزعم خامنئي أن الشعب بتماسكه وجّه "لكمة قوية" إلى فم العدو. لكن الواقع يظهر أن نتيجة هذه السياسات كانت مزيداً من العقوبات وتفاقم الضغوط الاقتصادية على الإيرانيين. هذه اللكمات لم تُوجَّه إلى العدو، بل إلى حياة المواطنين اليومية.
وأكّد المرشد الإيراني أن التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة "غير قابل للحل". غير أنّ تاريخ النظام الإيراني يناقض هذا الادعاء؛ فمن فضيحة "إيران-كونترا" إلى الاتفاق النووي، كلما شعر النظام بأن بقاءه مهدَّدًا، كسر محرَّم التفاوض".
واليوم أيضاً يجري النظام مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن بشأن تبادل السجناء أو الإفراج عن الأموال المجمّدة.
إذن، الخط الأحمر ليس مبدأ التفاوض، بل نتائجه السياسية والاجتماعية. فالعلاقة الطبيعية مع أميركا ستقوّض ذرائع القمع الداخلي وصناعة العدو الخارجي. كما أن اعتراض خامنئي على التفاوض وتمسكه بالعداء لواشنطن لا يستند إلى مصالح وطنية، بل إلى منطق بقاء النظام.
ويبدو أن اختراع "العدو" يمنح النظام هوية، ويبرر القمع الداخلي، ويحوّل أي بديل سياسي إلى تهديد وجودي. كما أن حساسية خامنئي المفرطة من ذكر المعارضين أو التلميح إلى اجتماعات وهمية في أوروبا تكشف خوفاً عميقاً من البدائل السياسية.
وما دام هذا البناء السلطوي قائماً، فإن أي أفق لتحسين حياة الإيرانيين سيبقى بعيد المنال. فخامنئي ليس صوت الشعب، بل عقبة أمام مستقبله. فـ"قائد الشعب" من المفترض أن يرى الواقع ويتخذ القرار لإنقاذ الناس، لكن خامنئي، بإنكاره الواقع وعيشه في عالم من الأوهام، صار أكثر من أي وقت مضى شبيهاً بـ"عدو الشعب".