في هذا الوضع، باتت مسؤولية بقاء المجتمع بأكمله على عاتق الناس؛ أولئك الذين لا يملكون الموارد، ولا أدوات اتخاذ القرار، ولا وسائل المشاركة الفعّالة في هيكل الحُكم.
ومع ذلك، يضطر الناس لاتخاذ قرارات يومية، من أجل البقاء، من أجل المقاومة، ومن أجل البقاء يقظين في وسط الظلام. لكن إلى متى يمكن لهذا الاعتماد الدائم على التضامن الاجتماعي والتعاون أن يصمد؟ هل لا يزال هناك متسع للتعاطف الجماعي؟ أم إن الناس سيضطرون مجددًا إلى البحث عن طريق آخر بشكل فردي؟
السؤال عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الإيرانيون في تقرير مصيرهم، سؤال بسيط ظاهريا، لكنه جوهري. ففي أنظمة الحُكم الطبيعية، تتعامل الحكومات مع الأزمات بالاعتماد على المعرفة والتخطيط. لكن في إيران، لا وجود لأي خطط، بل إنّ بنية السلطة قائمة على تهميش الخبرات وإنكار المسؤولية. وسجل الحكومة في مواجهة الأزمات مليء بالوعود الفارغة وإنكار الواقع.
تواجه إيران اليوم مجموعة من الأزمات المتشابكة: انهيار اقتصادي، أزمة بيئية، تآكل في رأس المال الاجتماعي، وانعدام للثقة العامة. هذه الأزمات ليست فقط نتيجة سوء الإدارة، بل ثمرة عقود من إقصاء ممنهج للشعب عن عملية اتخاذ القرار.
في منطق النظام الإيراني، لا يُنظر إلى الناس كمواطنين ذوي حقوق، بل كأتباع مطيعين للولي الفقيه. القائد يُقدَّم كشخص معصوم، مُعيَّن من قِبل الله، وأي انتقاد له يُعتبر "كفرًا". هذا الهيكل يخنق فاعلية المواطن من الأساس، ويضع المجتمع في موقع لا يمتلك فيه أدوات التغيير، إلا من خلال التضحية بالنفس.
لم يعد المواطن فاعلًا سياسيًا، بل متفرج على سيناريو يكتبه نظام لا يخضع لأي مساءلة. وكل محاولة للتعبير عن الرأي تواجه بالقمع، والرقابة، والاعتقال، والإقصاء. فكيف يُمكن توقّع أن يواصل الناس التضحية، وفي النهاية يكتفون بمشاهدة دفن أبنائهم الذين قتلتهم أجهزة الأمن؟
في كل مرة حاول الناس أن يُسمعوا صوت احتجاجهم للنظام، لم يكن الرد حوارًا، بل رصاص. لم تزهق الأرواح فحسب، بل تم تمزيق النفوس أيضًا. والنتيجة: مجتمع يعيش جيلًا بعد جيل في حالة من القلق المزمن، وينشأ على قناعة أن "التغيير مستحيل".
لكن الحقيقة أن التغيير ممكن. الجميع يعلم ذلك. لا أحد يعرف متى ستُشعل الشرارة، لكن الجميع يعلم أن الشرارة، إن انطلقت، فستحرق هذا النظام وتدمره.
هذه ليست أمنية متفائلة. إنها حقيقة أثبتها التاريخ مرارًا.
الشعب الإيراني لن يتحمّل هذا الوضع إلى الأبد. وهذه الحالة غير المستقرة، وإن بدت غير قابلة للتغيير، إلا أنها ستتغير.
السؤال ليس "هل سيحدث التغيير؟"، بل "متى سيحدث؟".