تمييز بنيوي وقيود شاملة.. قصة المهاجرين الأفغان في إيران

منذ سنوات طويلة، يعيش ويعمل مئات الآلاف من المهاجرين الأفغان في إيران، وكثير منهم ينتمي إلى الجيل الثاني أو الثالث من الوجود في هذا البلد.
منذ سنوات طويلة، يعيش ويعمل مئات الآلاف من المهاجرين الأفغان في إيران، وكثير منهم ينتمي إلى الجيل الثاني أو الثالث من الوجود في هذا البلد.
ومع ذلك، فقد خلقت القوانين والسياسات الرسمية والممارسات التنفيذية بيئة مليئة بالتمييز والقيود ضدهم، ما ترك آثارًا خطيرة على حياتهم ومستقبلهم وكرامتهم الإنسانية.
وقد شكّلت الموجة الأخيرة من التضييق والعنف ضد الأفغان المقيمين في إيران، في أعقاب الحرب التي استمرت 12 يومًا مؤخرًا، فرصة لتسليط الضوء مجددًا على حجم التمييز البنيوي الذي فُرض على هذه الشريحة من المجتمع لعقود طويلة.
إن السجل الأسود للنظام الإيراني في مجال حقوق الإنسان ضد مواطنيه في كثير من الأحيان ينسينا أن هناك بشرًا آخرين يعيشون على هذه الأرض منذ سنوات، وقد أصبحوا جزءًا من المجتمع، لكنهم يتعرضون لجراح مؤلمة لا تُرى.
فحكاية الأفغان في إيران، المليئة بالأسى، مستمرة منذ سنوات، ونحن لا نرى منها إلا لمحات عابرة أحيانًا، في حين أن هذه المعاناة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية.
ومنذ مدة، تابعتُ أوضاع مجموعة من الأفغان في إيران من أجل فهم أعمق للأوجه المختلفة للقيود التي يعانون منها. وفي هذا المقال، نستعرض أبرز مظاهر هذا التمييز:
1 - القيود على الدراسة في التخصصات الجامعية
يُحرم الطلاب الأفغان من الدراسة في التخصصات "المميزة" مثل الهندسة، وهندسة الطيران، والفيزياء، وسائر التخصصات الجامعية المرغوبة في إيران. هذا التمييز البنيوي حرم حتى الطلاب المتفوقين من متابعة المسار العلمي الذي يرغبون فيه.
وبحسب "تعليمات شروط دراسة الأجانب في الجامعات الإيرانية"، يُمنع الطلاب الأفغان من اختيار بعض التخصصات أو الجامعات في محافظات معينة، ويُشترط حصولهم على شهادة ثانوية رسمية من المدارس الإيرانية، ويُسمح لهم بالدراسة مرة واحدة فقط في كل مرحلة (المرحلة المتوسطة، أو البكالوريوس، أو الدكتوراه المهنية).
ورغم صدور "اللائحة التنظيمية لتسهيل متابعة الدراسة لطلاب أفغان وعراقيين" من قبل المجلس الأعلى للثورة الثقافية، فإن التخصصات الأساسية لا تزال عمليًا مغلقة أمامهم.
2 - حظر شراء العقارات
يُمنع المهاجرون الأفغان من شراء العقارات، إلا إذا حصلوا على "إقامة خاصة" مشروطة بإيداع مبلغ كبير في البنوك. ورغم عدم وجود نص قانوني واضح، فإن الشهادات المتكررة والممارسات الإدارية طويلة الأمد تؤكد وجود هذا الحظر.
3 - قيود صارمة على فرص العمل
تُمنح تصاريح العمل فقط في وظائف معينة وغالبًا ما تكون بسيطة أو متدنية. ووفقًا للمواد 120 إلى 129 من قانون العمل الإيراني ولائحته التنفيذية، لا يُسمح للأجانب بالعمل إلا إذا كانوا حاصلين على إقامة رسمية وتصريح عمل. كما تنص المادة 181 من قانون العمل على معاقبة أصحاب العمل الذين يوظفون الأجانب دون تصريح بالسجن من 91 إلى 180 يومًا. وقد رسّخت تعاميم وزارة العمل منذ عام 2012 هذه القيود المهنية رسميًا.
4 - القيود التعليمية
لا يُسمح لكثير من الأطفال الأفغان بالالتحاق بالمدارس الحكومية أو الخاصة، ولا يبقى أمامهم سوى الدراسة في مدارس مجتمعية (بترخيص من الحكومة الأفغانية).
وتُشترط وثائق إقامة صالحة للتسجيل، مثل بطاقة "آمایش" (بطاقة تنظيم أو إقامة مؤقتة للاجئين)، أو جواز السفر الإلكتروني، أو دفتر الإقامة؛ بينما تُعتبر استمارات التعداد وجوازات السفر غير الإلكترونية غير صالحة.
وتتعارض هذه القيود مع تصريحات المرشد الإيراني التي تؤكد على ضرورة تعليم جميع الأطفال، وهو أمر يحرص النظام الإيراني على التأكيد عليه في مراسلاته إلى الأمم المتحدة.
5- رخصة القيادة
عادةً لا تُمنح رخصة القيادة إلا لحاملي جوازات السفر ذات الإقامة الصالحة، وغالبًا ما يُشترط أن يكون الشخص متزوجًا. حتى في هذه الحالات، وبحسب شهادة عدد من المهاجرين، لا تُمنح الرخصة إلا لشخص واحد فقط من كل عائلة، وتكون صلاحيتها لعام واحد. لا يوجد نص قانوني صريح حول هذه القضية، لكن هذه القيود تُطبق بحسب التوجيهات الصادرة عن شرطة المرور.
6 - القيود على الاتصالات
لفترة طويلة، كان يُسمح بثلاث شرائح اتصال نشطة فقط، لكن بحسب ما أفاد به عدد من المهاجرين، فقد تم مؤخرًا إغلاق الكثير من هذه الشرائح، ومن المزمع تطبيق سياسة "الشريحة الواحدة فقط".
7- التحديات المصرفية والمالية
فتح حساب بنكي أمر بالغ الصعوبة وغالبًا ما يخضع لأهواء الموظفين. أحيانًا يتم تجميد الحسابات من دون إشعار مسبق. الحصول على دفاتر شيكات يكاد يكون مستحيلًا إلا للمستثمرين ذوي الدخل العالي. معظم هذه القيود تعود إلى الإجراءات الداخلية المتبعة من قبل البنوك.
8- قيود على قيادة المركبات ولوحات السيارات
يُسمح لكل مهاجر بامتلاك لوحة مركبة واحدة فقط. قيادة سيارات النقل، الدراجات النارية، أو الآليات الثقيلة ممنوعة. هذه القيود تُفرض بناءً على تعميمات قوى الأمن.
9- مشكلة التأمين الصحي
رغم أن قانون العمل يُلزم أصحاب العمل بتأمين العمال الحاصلين على رخصة عمل، فإن كثيرًا من أصحاب العمل لا يلتزمون بذلك عمليًا، ولا يُقدَّم للمهاجرين سوى الحد الأدنى من الخدمات الصحية.
10- حملات اعتقال واسعة وغير إنسانية
تنفَّذ بشكل دوري حملات "جمع الأجانب" من دون التحقق الدقيق من وضع الإقامة. تنص المادة 11 من قانون دخول وإقامة الأجانب (الصادر عام 1931) والبند "د" من المادة 13 المعدلة (عام 1957) على عقوبات بالإبعاد والإقامة الجبرية، لكن تطبيق هذه القوانين لا يميز بين الإقامة القانونية وغير القانونية.
11- القيود على أماكن الإقامة
لا يُسمح للأفغان بالإقامة في أكثر من 15 محافظة، منها: أردبيل، تبريز، كيلان، مازندران وزنجان. هذه القيود تُفرض بموجب تعميمات وزارة الداخلية.
12- انعدام مفعول مبدأ "الحق في الأرض"
الولادة في إيران لا تمنح الجنسية تلقائيًا. فحسب قانون الجنسية (الصادر عن البرلمان الإيراني)، تُمنح الجنسية عبر النَسب (الدم) وليس مكان الولادة. حتى في تطبيق قانون منح الجنسية عبر الأم، هناك تمييز واضح، ويُعد المهاجرون الأفغان من أبرز ضحاياه.
13- التمييز الإعلامي
في الحوادث الجنائية مثل القتل أو الاغتصاب، تُقيّد التغطية الإعلامية المتعلقة بالضحايا الأفغان وتُخضع للرقابة.
ويشير بعض المراقبين إلى حادثة مقتل كبری رضائي، التي لم تحظَ بتغطية إعلامية تُذكر داخل إيران، وتم حتى منع إقامة مراسم عزاء لها، مقارنة مع قضية مقتل امرأة إيرانية في الفترة نفسها، التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة.
رغم عدم وجود قوانين رسمية تُجيز الرقابة أو التعامل التفاضلي في قضايا قتل الأجانب، فإن المؤسسات الإعلامية المحلية والوطنية كثيرًا ما تُظهر سلوكًا تمييزيًا تجاه الضحايا الأفغان.
14- مشكلة شهادات الوفاة والدفن
إصدار شهادة الوفاة للأفغان أصعب بكثير مما هو عليه بالنسبة للمواطنين الإيرانيين، وغالبًا ما تُحسب رسوم المقابر بسعر أعلى. إجراءات إصدار شهادة الوفاة ودفن المتوفى تخضع لشروط، وبحسب الشهادات، فإنها تؤدي إلى تأخير وتمييز في تقديم هذه الخدمات.
15- مشكلة دمج الوثائق الثبوتية
مؤخرًا، تم الإعلان أن العائلات الحاصلة على بطاقة "آمایش" أو ورقة التعداد يجب أن توحد وثائقها. ووفقًا لما ذكره بعض الأفغان، فإن هذه العملية معقدة ومكلفة وغير واضحة، وأدت إلى حيرة كبيرة بين العديد من العائلات.
وتُقدَّم عملية دمج بطاقات "آمایش" والتعداد كإجراء إداري، لكنه في الواقع يغير من حالة البطاقة، من دون وجود ضمان واضح أو شفاف للحصول على هذه الوثيقة الإلزامية في وقت محدد.
16- ارتفاع تكلفة اختبارات الحمض النووي (DNA)
بحسب عدد من الأفغان، فإن بعض العائلات اضطرّت مؤخرًا لإجراء اختبارات "DNA" لإثبات النسب أو مكان الولادة، ما فرض تكاليف باهظة على العائلات. ورغم عدم وجود قانون أو لائحة تنظم هذه الاختبارات، فإنها تُطرح على شكل تعليمات تُلزم بها العائلات، وتخلق عبئًا ماليًا وقانونيًا كبيرًا.
هذه المجموعة من التمييزات، إضافة إلى النظرة السلبية من بعض شرائح الرأي العام وبعض صناع القرار، جعلت المهاجرين الأفغان في إيران يواجهون تمييزًا قانونيًا وإداريًا إلى جانب حالة مستمرة من عدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي. وهي وضعية تستدعي اهتمامًا جديًا، وإصلاحات بنيوية، واحترامًا فعليًا لكرامة الإنسان.
العديد من هذه القيود المفروضة على المهاجرين الأفغان لها جذور قانونية في قوانين مثل قانون العمل (المواد 120–129)، وقانون الجنسية، وقانون دخول وإقامة الأجانب، وتعليمات وزارات مختلفة. إلا أن جزءًا كبيرًا من التمييز يعود إلى التعليمات الداخلية والممارسات التنفيذية.
وتُعيد قصة المهاجرين الأفغان المؤلمة في إيران التذكير بضرورة الإصلاح البنيوي في الأطر القانونية والتنفيذية – مصحوبة بالشفافية والرقابة – من أجل إنهاء هذه الضغوط، وخلق بيئة عادلة تحترم كرامة المهاجرين الأفغان.