1596 معتقلاً في أسبوعين.. النظام الإيراني يشنّ حملة قمع غير مسبوقة بذريعة "دعم إسرائيل"

أطلق النظام الإيراني حملة واسعة من الاعتقالات بحق المواطنين، منذ بداية الحرب مع إسرائيل، من بينهم نشطاء مدنيون، ومواطنون يهود وبهائيون، وكذلك عدد من الأجانب داخل إيران.

وقد أفاد موقع "هرانا"، المعني بحقوق الإنسان في إيران، بأن ما لا يقل عن 1596 شخصًا قد اُعتُقلوا، خلال الأسبوعين الماضيين، على يد قوات الأمن في مدن إيرانية مختلفة.

وذكر الموقع في تقريره الصادر يوم الجمعة 27 يونيو (حزيران)، أن ما لا يقل عن 301 شخص قد اُعتقلوا من قِبل قوات الأمن التابعة للنظام الإيراني في مختلف المحافظات، بتهم سياسية، وبسبب نشاطهم على شبكات التواصل الاجتماعي. كما تم اعتقال 1295 شخصًا آخرين خلال هذه الفترة بتهم مثل "الإخلال بالأمن القومي".

وأشار إلى أن تفاصيل معظم التهم لا تزال غير معلنة، إلا أن تحليل الملفات المتوفرة يُظهر أن نحو 5 في المائة من الاعتقالات تمت بتهمة "دعم إسرائيل" من خلال نشر المحتوى، ونحو 3 في المائة بسبب "تضليل الرأي العام".

ومن بين التهم التي وُجهت إلى المعتقلين: "تضليل الرأي العام"، و"التعاون مع الموساد"، و"إعادة نشر صور للهجمات"، و"التعبير عن الأمل في إنهاء النزاع"، و"التجسس لصالح إسرائيل"، و"توجيه طائرات مُسيّرة صغيرة"، و"تهريب أسلحة"، و"الإخلال بالأمن القومي".

ويرى بعض النشطاء المدنيين أن هذه الحملة الواسعة من الاعتقالات ليست سوى تكرار للسياسة الفاشلة ذاتها، التي يعتمدها النظام الإيراني بعد كل فشل أمني.

وفي هذا السياق، قال الصحافي والناشط في مجال حقوق الإنسان، رضا أكوانيان، لقناة "إيران إنترناشيونال": "عندما يتعرض النظام الإيراني لضربة ما، ولا يتمكن من الرد عليها، ينتقم من الأبرياء المنتقدين. حياة آلاف السجناء السياسيين في خطر. يجب أن نُحذّر من خطر تنفيذ إعدامات جماعية يومية".

ومن ناحية أخرى، بلغ عدد الأجانب المعتقلين- من الأوروبيين إلى الأفغان- ما لا يقل عن 98 شخصًا، اعتُقلوا بتهم مثل "العبور غير القانوني" و"الانتماء إلى شبكات استخباراتية".

وشدد "هرانا" على أن العدد الكبير من الاعتقالات، وسرعة إصدار الأحكام المؤقتة، والتهديدات العلنية من قِبل السلطة القضائية في إيران، قد أثارت قلقًا كبيرًا بشأن احترام الحق في محاكمة عادلة. كما ذكرت عائلات عديدة أن المتهمين محتجزون في أماكن مجهولة، ودون السماح لهم بالحصول على محامٍ.

الاعتقالات الواسعة للمواطنين اليهود

أفادت معلومات حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، ببدء موجة جديدة وواسعة من اعتقال المواطنين اليهود في إيران، بتهمة "التعاون" مع إسرائيل.

ووفقًا لهذه التقارير، فقد داهمت قوات الأمن منازل اليهود في مدن، مثل طهران وشيراز وأصفهان، وقامت بتفتيش المنازل ومصادرة الهواتف المحمولة والمعدات الإلكترونية الخاصة بهم.

كما اُعتقل عدد كبير من هؤلاء المواطنين من قِبل قوات الأمن التابعة للنظام الإيراني؛ بسبب اتصالاتهم بأقاربهم في إسرائيل، ونُقلوا إلى السجون أو مراكز الاعتقال الأمنية.

وعلى الرغم من أن العدد الدقيق للمعتقلين لا يزال غير معروف، فإن أسماء عشرات المواطنين اليهود وردت ضمن قوائم المحتجزين.

البهائيون تحت القمع

أكدت تقارير، حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، أن القوات الأمنية التابعة للنظام الإيراني شنت مداهمات على منازل عدد من المواطنين البهائيين دون تقديم أوامر قضائية، خلال الأسبوعين الماضيين، واعتقلت عددًا منهم، ونقلتهم إلى أماكن مجهولة.

ومن بين البهائيين، الذين تعرّضت منازلهم للتفتيش أو تعرضوا للاعتقال: نازنين عابديني في قائم‌ شهر، نويان حجازي في جويبار، آرمان نيك ‌آيين وإيمان رحمت ‌بناه في شيراز، كلريز نوراني في قزوين، وفريدة جابري في بوشهر.

وفي إحدى هذه الحالات، اقتحمت قوات الأمن منزل نازنين عابديني، وهي مدرّبة موسيقى للأطفال في قائم‌ شهر، دون إذن قضائي، وبعد كسر باب المنزل، قامت باعتقالها ومصادرة أجهزتها الإلكترونية.

كما أفادت المعلومات بأن عناصر من وزارة الاستخبارات داهموا منزل كلريز نوراني في قزوين، وصادروا جميع كتبه العقائدية البهائية وأجهزته الإلكترونية.

وفي حديث لـ "إيران إنترناشيونال"، اعتبر مدير مركز توثيق حقوق الإنسان في إيران، شاهين ميلاني، أن اعتقال البهائيين بتهم من قبيل "التجسس لصالح إسرائيل" يُعدّ دليلاً على عجز النظام عن تحديد الجواسيس الحقيقيين.

وفي الوقت ذاته، وردت تقارير تفيد بأن عناصر وزارة الاستخبارات في أصفهان طلبوا من بعض المواطنين، تحت التهديد وباستخدام العنف، تقديم شهادات زور ضد البهائيين وتقديم شكاوى بحقهم.

وقال مصدر مطّلع مقرّب من البهائيين لـ "إيران إنترناشيونال": "تم استدعاء أكثر من 130 عائلة غير بهائية في مدن مختلفة إلى مقرات وزارة الاستخبارات، خلال هذه الفترة، ".

وبحسب هذا المصدر، فإن عناصر الاستخبارات أجبروا هؤلاء الأفراد، تحت تهديد شديد، ودون تقديم أي مستند قضائي، على الإدلاء باعترافات قسرية، وتقديم شكاوى كيدية ضد البهائيين.

اعتقال الأكراد

تعرض عدد من المواطنين الأكراد في مدن إيرانية مختلفة للاعتقال، خلال الأسبوعين الماضيين، وتم نقلهم إلى مراكز احتجاز أمنية أو إلى السجون.

وأفادت موقع "هرانا" الحقوقي، يوم الجمعة 27 يونيو، بأن ما لا يقل عن 17 مواطنًا من مدينة مهاباد اُعتقلوا في الأيام الأخيرة من قِبل القوات الأمنية للنظام الإيراني، دون تقديم أوامر قضائية وبأسباب غير معلنة، ونُقلوا إلى أماكن مجهولة.

وفي تقرير آخر، ذكر الموقع أن كيانوش جراغي، المواطن المعتقل في إيلام، بدأ إضرابًا عن الطعام منذ ثلاثة أيام؛ احتجاجًا على إصدار قرار احتجاز لمدة شهر دون توجيه تهمة أو إجراء تحقيق.

وأعربت المنظمة الحقوقية، يوم الخميس 26 يونيو، عن قلقها العميق إزاء موجة القمع الجديدة التي تلت إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وأشارت إلى أن "الأدلة الموثوقة تظهر تزايدًا حادًا في الاعتقالات التعسفية، والمحاكمات السرية، والتعذيب، وإصدار أحكام الإعدام".

وفي الأيام الأخيرة، اعتقلت القوات الأمنية عددًا من النشطاء الأكراد في مدينة نقده، من بينهم كاوه قادري، وأمين باشوكي، ورحمان خلخالي، وفرهاد كانادا، وسامان كاكة ‌ممي، وسامان سيد محمودان، وتم نقلهم إلى أماكن مجهولة.

كما أفاد موقع "هنغاو" الحقوقي، يوم الجمعة 27 يونيو، بأن أربعة مواطنين أكراد، هم: ناصر إلياسي من مهاباد، وأيوب خسرو زاده من بوكان، وأميد عبدي خواه من سقز، وهيمن رنجبر من مريوان، اُعتقلوا من قِبل عناصر وزارة الاستخبارات ونُقلوا إلى أماكن غير معروفة.

ومن بين المعتقلين الآخرين: ميلاد رحيمي وهادي رحيمي (شقيقان من سقز)، وجلال خدا مرادي (ناشط بيئي في سنندج)، ورحمان مام‌ إسماعيل ومحمد لطفي ‌فر من مهاباد، وأيوب دار برزين من مريوان.

ووفقًا لتقرير "هنغاو" ونقلاً عن مصادر مطلعة، فقد تم استدعاء أيوب داربرزين هاتفيًا من قِبل قوات استخبارات الحرس الثوري بعد بضع ساعات من نشره "ستوري" على "إنستغرام" حول الحرب بين إيران وإسرائيل، وتم اعتقاله لاحقًا.

تفتيش هواتف الأفغان في إيران بحجة التعاون مع إسرائيل

أفادت مصادر من مدن مختلفة لـ "إيران إنترناشيونال" بأن القوات النظامية في إيران بدأت بعد وقف إطلاق النار بين النظام الإيراني وإسرائيل، حملة لمصادرة هواتف المهاجرين الأفغان بحجة "الاشتباه بالتعاون مع إسرائيل".

وبحسب هذه المصادر، تقوم القوات النظامية بمصادرة هواتف الأفغان في الأماكن العامة، وأيضًا تداهم أماكن عملهم، سواء بلباس رسمي أو مدني.

ويُمنح هؤلاء المهاجرون وصلًا باستلام الهاتف، ويُقال لهم إن بإمكانهم استرجاع أجهزتهم من مركز الشرطة المعني بعد عدة أسابيع.

وفي الفترة نفسها، تم استدعاء أو اعتقال عدد من النشطاء المدنيين والسياسيين من قِبل السلطات القضائية أو الأجهزة الأمنية للنظام الإيراني.

ومن بين المعتقلين: الناشطة الطلابية والمعتقلة السياسية السابقة، مطهره غونه ‌ای، وعالم الاجتماع، مصطفى مهر آيين، واللذان اعتقلا بعد نشرهما انتقادات للحرب بين النظام الإيراني وإسرائيل.

وكتب مهرآيين، في رسالة موجهة إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي ومسؤولين آخرين في النظام: "من الذي أعطاكم الحق أو الشرعية لتقودوا بلدنا، الذي هو إرث الأجداد والشهداء من أبناء هذه الأرض، نحو الهلاك؟".

العواقب القانونية وخطر إصدار أحكام قاسية

حذّر موقع "هرانا" الحقوقي، في جزء من تقريره، من العواقب القانونية لعمليات الاعتقال الواسعة والجهل بمصير عدد كبير من المعتقلين، مشيرًا إلى أن التقارير المتوفرة تؤكد أن العديد من "المتهمين المجهولين" يُحتجزون في أماكن غير معروفة.

وأشار الموقع إلى أن البرلمان الإيراني صادق مؤخرًا على مشروع قانون عاجل؛ لتشديد عقوبات "التجسس"، حيث صرّح مسؤولو النظام الإيراني بأن أقسى العقوبات ستُفرض على هذه الفئة من المتهمين.

كما نبّه "هرانا" إلى أن المحامين المستقلين فقدوا إمكانية الوصول إلى موكليهم، بسبب انقطاع الإنترنت وسرية الملفات، وهو ما زاد من المخاوف بشأن انتهاك الحق في المحاكمة العادلة.

وفي الأيام الماضية، أقرّ نواب البرلمان الإيراني مشروع قانون عاجلاً يهدف إلى تشديد عقوبة المواطنين المعتقلين بتهمة "التجسس".

وقال المتحدث باسم السلطة القضائية للنظام الإيراني، علي أصغر جهانغير: "لو أردنا محاكمة كثير من المعتقلين خلال الحرب مع إسرائيل وفقًا للقانون الحالي للتجسس، لكنا واجهنا قيودًا وموانع، لكن البرلمان منحنا حرية التحرك".

من جهة أخرى، وخلال الأسبوعين الماضيين، تم إعدام عدد من السجناء السياسيين في سجون النظام الإيراني، من بينهم إدريس عالي، وآزاد شجاعي، ورسول أحمد، ومجيد مسيبي، ومحمد أمين مهدوي شايسته،و إسماعيل فكري، ومجاهد كوركور.

كما ازدادت المخاوف بشأن تنفيذ أحكام الإعدام بحق سجناء سياسيين آخرين حُكم عليهم بالموت، من بينهم أحمد رضا جلالي، الطبيب والباحث الإيراني-السويدي، والذي نُقل مؤخرًا إلى مكان غير معروف بعد خروجه من سجن إيفين.

وقد قوبلت هذه التطورات بردود فعل واسعة واعتراضات من نشطاء مدنيين وحقوقيين، الذين حذروا من موجة إعدامات جديدة بحق مواطنين بتهم سياسية وأمنية في إيران.

ومن ناحيتها، حذّرت منظمة العفو الدولية من تصاعد خطر الإعدامات والتعذيب عقب حملة الاعتقالات الواسعة بحق المواطنين بتهمة "التعاون مع إسرائيل".

كما ذكرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران، ماي ساتو، عبر منصة "إكس"، أنه "منذ بداية الهجمات الإسرائيلية، ترد تقارير مقلقة بشأن الاعتقالات التعسفية، وإعدامات بحق ناشطين وصحافيين ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي ومواطنين أفغان، إلى جانب محاكمات عاجلة ومجحفة تنتهك قواعد العدالة".

وفي السياق ذاته، علّقت المحامية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، شيرين عبادي، على الاعتقالات الواسعة بحق المواطنين بتهم مثل "التجسس، ودعم إسرائيل، وتضليل الرأي العام، والتعاون مع الموساد"، قائلة: "هل هؤلاء حقًا جواسيس؟".

وأكدت عبادي أنه يمكن الجزم بأن أيًا من هؤلاء ليس جاسوسًا، مضيفة: "الجاسوس الحقيقي هو من سلّم لإسرائيل مواقع ملاجئ قادة الحرس الثوري ومخابئ علي خامنئي.. هؤلاء ليسوا في الشوارع ولا على شبكات التواصل، بل داخل بنية السلطة ذاتها".

وفي خضم هذه التطورات، طالبت "الاتحاد الدولي للصحافيين" بالضغط على إيران لإيقاف ممارساتها القمعية ضد الصحافيين، وعمليات الاعتقال والاستدعاء التي تصاعدت منذ اندلاع الحرب بين النظام الإيراني وإسرائيل.

وختم موقع "هرانا" تقريره بالتأكيد على أن موجة الاعتقالات الأمنية الحالية وقيود الاتصال المفروضة تزيد من خطر انتهاك الحق في محاكمة عادلة.