ضربت العمق الإيراني.. "وول ستريت جورنال" تكشف كواليس "الزفاف الدموي" الإسرائيلي داخل طهران

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تقريرًا مفصلاً حول العمليات العسكرية الأخيرة، التي شنتها إسرائيل على إيران، وأسفرت عن تدمير منشآتها النووية، ومقتل عدد من أبرز القادة العسكريين الإيرانيين، وكبار مسؤولي البرنامج النووي الإيراني، في منازلهم.

وكشفت الصحيفة الأميركية، في تقرير موسّع، عن تدريبات مكثفة خضع لها طيارون إسرائيليون على مدى سنوات، وتشكيل شبكات استخباراتية داخل إيران، تمهيدًا لتنفيذ عملية عسكرية معقدة متعددة المستويات ضد طهران، عُرفت باسمَي "الزفاف الدموي" و"نارنيا".

وذكرت أنه في فجر 13 يونيو (حزيران) اجتمع قادة الجيش الإسرائيلي في غرفة قيادة تحت الأرض تابعة لسلاح الجو، لمتابعة لحظة تاريخية: انطلاق الهجوم المسمّى "الزفاف الدموي".

وبعد ساعات، وعلى بُعد أكثر من ألف ميل، قُتل عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، في هجوم منسّق، ذكّر الإسرائيليين بمشهد شهير من المسلسل الشهير: "صراع العروش".

ولكن لم يكن ذلك الضربة الوحيدة في تلك العملية، التي استمرت 12 يومًا. فبالتزامن، نُفّذ هجوم طموح للغاية أطلق عليه ساخرًا داخل الجيش الإسرائيلي اسم "نارنيا"، تم فيه اغتيال 9 من كبار مسؤولي البرنامج النووي الإيراني، في منازلهم بطهران، بشكل شبه متزامن.

وصرّح سابقًا، أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين للقناة 12 الإسرائيلية، بأن هؤلاء الخبراء النوويين اعتقدوا أنهم في أمان داخل منازلهم، لأن الهجمات السابقة كانت تستهدفهم عادة في طريقهم إلى العمل أو أثناء تنقلهم.

عمليات معقّدة كادت تنهار قبل دقائق من تنفيذها

الهجمات تمّ التخطيط لها عبر طبقات متعدّدة من التضليل والخداع، وكانت على وشك الانهيار بالكامل قبل دقائق من التنفيذ.

ولكن بحسب "وول ستريت جورنال"، فإن النجاح المبكر للعملية رسّخ الوضع العسكري لإسرائيل في المنطقة، ووفقًا لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين، مهّد الطريق لتحالفات جديدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك إمكانية توقيع اتفاقات سلام جديدة ضمن إطار "اتفاقيات أبراهام".

هل حققت إسرائيل أهدافها؟

لا تزال التساؤلات قائمة بشأن ما إذا كانت إسرائيل، التي استفادت لاحقًا من الضربات الجوية الأميركية ضد المنشآت النووية الإيرانية، قد حققت أهدافها العسكرية بالكامل.

وتشير التقديرات إلى أن الهجمات الأميركية- الإسرائيلية أخّرت البرنامج النووي الإيراني، لكنها لم تقضِ عليه نهائيًا.

وأعرب بعض المسؤولين الإسرائيليين عن اندهاشهم من مدى النجاح، وقال رئيس هيئة العمليات في الجيش الإسرائيلي ومهندس العملية، الجنرال أوديد باسيوك: "حين بدأنا وضع الخطة، لم نكن نعلم إن كان تنفيذها ممكنًا أصلاً".

خطة عمرها 30 عامًا لضرب إيران

بُني التقرير على مقابلات مع 18 مسؤولاً أمنيًا سابقًا وحاليًا من إسرائيل والولايات المتحدة.

وتعود جذور العملية إلى منتصف تسعينيات القرن العشرين، عندما صنّف جهاز الموساد أنشطة إيران النووية كتهديد ناشئ.

ومع مرور الوقت، توسعت شبكات الاستخبارات الإسرائيلية داخل إيران، ونفّذت عمليات تخريب، بما في ذلك انفجارات في مواقع تخصيب ومجموعة من الاغتيالات لعلماء نوويين، لكن قادة الأمن الإسرائيلي خلصوا إلى أن هذه العمليات ليست رادعة بما فيه الكفاية، ولا بد من هجوم واسع يدمر البنية التحتية والعقول التي تقف وراء البرنامج النووي.

وكانت المهمة شاقة للغاية، إذ تبعد الأهداف الرئيسة أكثر من 1600 كيلو متر عن إسرائيل، وكان على الطيارين التدرب على الطيران ضمن تشكيل مكون من 6 إلى 10 مقاتلات حول طائرة تزود بالوقود، وتنفيذ عمليات التزود بالوقود عدة مرات في الجو، وإسقاط القنابل على الأهداف بفاصل زمني من 15 إلى 20 ثانية فقط.

وفي عام 2008، خلال تمرين "سبارتان المجيد"، حلّقت أكثر من 100 طائرة "إف-15" و"إف-16" إسرائيلية إلى اليونان؛ لاختبار القدرة على الوصول إلى عمق الأراضي الإيرانية.

ورغم اعتراض وزراء وقادة أمنيين إسرائيليين مرارًا، خشية اندلاع حرب شاملة أو تدهور العلاقات مع واشنطن، استمر الجيش في تحديث خططه، بما يشمل سيناريوهات لحرب متزامنة مع وكلاء إيران مثل حماس وحزب الله.

وبعد إضعاف حماس منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتقويض قوة حزب الله، وسقوط النظام الحليف لطهران في سوريا وصعود حكومة معادية لإيران في دمشق، أصبح المجال الجوي السوري آمنًا لعبور المقاتلات الإسرائيلية.
وفي هذا الوقت، توسّعت شبكات الموساد في الداخل الإيراني إلى درجة أنها باتت قادرة على تتبّع تحركات القادة العسكريين الإيرانيين، بل وتم إنشاء منصات لإطلاق طائرات مسيّرة داخل إيران نفسها.

وفي السنة السابقة، اختبرت إسرائيل قدراتها على الطيران البعيد من خلال ضرب الحوثيين في اليمن، وتمكّنت في غارتين من تدمير منظومات الدفاع الجوي الروسية المتطورة (S-300) التي كانت بحوزة إيران.

وعززت هذه التجارب قناعة إسرائيل بقدرتها على مواجهة مباشرة مع إيران.

"نارنيا" و"الزفاف الدموي": اغتيالات متزامنة للقيادات والخبراء

خشيت إسرائيل أن يكون تخصيب اليورانيوم في إيران قد بلغ مستويات تجعلها على بعد أشهر قليلة من امتلاك قنبلة نووية.

ولذلك، صممت عملية "نارنيا" لاغتيال العلماء، الذين يمكنهم إعادة بناء المشروع حتى لو دُمرت المنشآت.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، عقد الجيش الإسرائيلي اجتماعًا ضم 120 ضابطًا من الاستخبارات وسلاح الجو، وتم خلاله إعداد قائمة تضم أكثر من 250 هدفًا، تشمل علماء، منشآت نووية، منصات صواريخ، وقادة عسكريين.

وكان من بين الأولويات أيضًا تحقيق تفوق جوي فوري، ولهذا تم تحليل آلاف المصادر لتحديد مواقع الدفاعات الجوية الإيرانية.

وقام "الموساد" بتهريب مئات الطائرات الانتحارية الصغيرة إلى داخل إيران عبر حقائب سفر وحاويات وشاحنات، حيث كانت فرق ميدانية جاهزة لتفعيلها وقت الهجوم.

وفي الوقت نفسه، أطلقت طائرات مُسيّرة بعيدة المدى من داخل إسرائيل، بعضها خضع لأول اختبار عملي قبل ساعات فقط من التنفيذ.

واتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، القرار النهائي بالهجوم يوم 9 يونيو الجاري.

ولإرباك طهران، أعلن مكتبه أنه يأخذ إجازة لحضور زفاف ابنه يوم الاثنين 16 يونيو. حتى عائلة رئيس الوزراء لم تكن تعلم أنه تم تأجيل الحفل سرًا.

وبالتزامن، سرّبت إسرائيل أخبارًا كاذبة لوسائل الإعلام: خلاف بين نتنياهو وترامب، مكالمة رباعية مفترضة بينهما، وتأجيل اتخاذ القرار إلى ما بعد الجولة السادسة من المفاوضات النووية يوم الأحد (بعد تنفيذ العملية).

في يوم الهجوم نفسه كتب ترامب على منصة "تروث سوشيال": "ما زلنا ملتزمين بالحلّ الدبلوماسي لقضية إيران النووية".

وقال مسؤول أمني إسرائيلي إن هذه الحملة من التضليل خدعت طهران، وجعلتها تعتقد أن إسرائيل لن تهاجم دون أميركا، مما حافظ على عنصر المفاجأة.

القادة وقعوا في الفخ.. والعملية انطلقت

كان استهداف القادة العسكريين الكبار بشكل متزامن، جزءًا أساسيًا من العملية، فيما أُطلق عليه اسم "الزفاف الدموي"، بهدف شل القيادة الإيرانية وقدرتها على الرد.

لكن، ومع اقتراب المقاتلات الإسرائيلية، وردت تقارير بأن قادة القوة الجوية الإيرانية بدأوا بالتحرّك.

وسادت مخاوف في غرفة العمليات من أن طهران اكتشفت العملية، لكن على غير المتوقع، اجتمع القادة جميعًا في موقع واحد، فكان ذلك نهايتهم؛ حيث أُطلقت الصواريخ نحوهم.
وفي غضون ثوانٍ، ضُربت منازل علماء البرنامج النووي، بينما استهدفت الطائرات المُسيّرة والصواريخ محطات الرادار والدفاع الجوي والصواريخ الإيرانية، وانتهت المرحلة الأولى من العملية خلال نحو أربع ساعات.

وأكدت المعلومات الاستخباراتية أن جميع الأهداف البشرية الرئيسة قد تم تصفيتها تقريبًا.

وفي الأيام التالية، قصفت إسرائيل مواقع إنتاج الصواريخ الباليستية والنووية، واستمرت في تعقّب العلماء والقادة المتبقين، حتى إعلان الهدنة يوم الثلاثاء 17 يونيو الجاري.

حملة ترهيب إسرائيلية داخل إيران

كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، خلال الحرب، عن حملة سرية تقودها إسرائيل تهدف إلى ترهيب قادة النظام الإيراني وزرع الانقسام بينهم.

وفي تسجيل صوتي مسرّب، وردت معلومات من ثلاثة مصادر مطلعة لم تُكشف هوياتهم، تُفيد بأن عملاء الاستخبارات الإسرائيلية اتصلوا هاتفيًا ببعض القادة الإيرانيين وتحدثوا معهم بالفارسية، وهددوهم قائلين إنهم لن ينجوا إلا إذا أعلنوا تبرؤهم من النظام الإيراني، والمرشد علي خامنئي، خلال مهلة قدرها 12 ساعة.