مقتل العقل المدبر لتصميم صواعق القنابل النووية الإيرانية في الهجوم الإسرائيلي

أسفر الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران عن مقتل سعيد برجي، العضو البارز في منظمة "سبند" والمتخصص في صواعق المتفجرات، والذي لعب دورًا محوريًا في تطوير التقنيات المرتبطة بالانفجار في القنبلة النووية، خلال العقدين الماضيين.

وكان برجي، الحاصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة "مالك أشتر" الصناعية، شخصية غير معروفة للعامة، لسنوات طويلة، لكنه كان عنصرًا أساسيًا في البرنامج النووي العسكري الإيراني. حيث يعتبر أحد أهم الشخصيات في المشروع التسليحي العسكري الإيراني.

وبدأ تعاونه مع الحرس الثوري الإيراني في ثمانينيات القرن الماضي، خلال الحرب العراقية- الإيرانية، واستمر في العقود التالية مشاركًا في مشاريع حساسة تتعلق بصناعة السلاح النووي.

ووفقًا للوثائق النووية، التي سُربت من إيران، فقد كان برجي أحد الأعضاء الرئيسين في المشروع السري المسمى "أماد"؛ وهو برنامج لتصميم وتصنيع السلاح النووي بدأ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتقول إيران إنه توقف في عام 2003.

وكانت قناة "إيران إنترناشيونال" قد نشرت تقريرًا مفصلاً عن نشاطات برجي في 6 أغسطس (آب) 2022.

إلا أن معلومات عديدة تشير إلى أن نشاطات برجي وزملائه استمرت بشكل سري بعد ذلك التاريخ ضمن هياكل، مثل منظمة "سبند" (وكالة بحث وتطوير تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية).

تطوير تقنيات الصواعق المتقدمة

شغل برجي لسنوات منصب رئيس مركز أبحاث تقنيات الانفجار والارتطام (متفاض)، وهو أحد المراكز التابعة لمنظمة "سبند". وقد لعب هذا المركز دورًا محوريًا في تطوير تقنيات صواعق متقدمة مثل الصواعق متعددة النقاط المتزامنة (MPI) والصواعق السلكية المتفجرة (EBW) المستخدمة في القنابل من نوع الانفجار الداخلي (implosion-type).

وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن تصنيع هذه الصواعق يُعد جزءًا لا يتجزأ من الجهاز التفجيري النووي؛ حيث إن تشغيلها الدقيق والمتزامن ضروري لضغط البلوتونيوم أو اليورانيوم بشكل متناظر، وهو أمر أساسي في تصنيع القنبلة الذرية.

كما تعاون برجي مع خبراء أجانب، من بينهم العالِم الأوكراني، فياتشيسلاف دانييلينكو، المتخصص في البرنامج النووي الذي كان يتبع الاتحاد السوفييتي سابقًا، وتلقى تدريبات على تصميم غرف الانفجار، وشارك في تصميم غرف اختبار كبيرة للانفجار في موقع "بارتشين"، والتي استُخدمت لمحاكاة الانفجار الداخلي في القنبلة النووية.

وبحسب التقييمات الاستخباراتية، فقد كان موقع "آباده" في محافظة فارس أيضًا من المواقع، التي استخدمها برجي لاختبار الصواعق المتفجرة.

وفي عام 2019، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن هذا الموقع يُستخدم في أنشطة نووية مشبوهة. كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية العثور على آثار لليورانيوم غير المعلن عنه في هذا الموقع.

وفي أعقاب هذه المعلومات، وضعت وزارة الخزانة الأميركية في عام 2019 سعيد برجي على قائمة العقوبات؛ لدوره المحوري في الجهود التسليحية النووية الإيرانية.

ووصف، البيان الذي صدر آنذاك بالتزامن مع فرض عقوبات على 13 فردًا و17 كيانًا مرتبطين بمنظمة "سبند"، برجي بأنه خبير في المتفجرات والمعادن ضمن مجموعة "شهيد كريمي".

إدارة شركات واجهة وتطوير عملي للصواعق النووية

بالإضافة إلى نشاطاته العلمية، تولّى برجي إدارة عدد من الشركات الواجهة المرتبطة بالمشاريع النووية؛ حيث ترأس مجالس إدارات شركات مثل "آذر أفروز سعيد" و"آروين كيميا ابزار" في السنوات الأخيرة، والتي كانت تُعلن أنها تعمل في مجالي النفط والبتروكيماويات، لكنها بحسب تقارير استخباراتية كانت تُستخدم كغطاء لأبحاث عسكرية تتعلق بالصواعق النووية.

كما تكشف الوثائق المسرّبة من البرنامج النووي الإيراني أن من ضمن نشاطاته المسجّلة نقل تجارب الانفجار إلى مواقع محصّنة مثل "سنجريان"، شرق طهران، وتعاونه في مشاريع سرّية داخل "المخطط 6 في بارتشين"؛ وهو موقع ورد ذكره في وثائق أمنية كموقع تُجرى فيه اختبارات شديدة الحساسية وسرية.

وكان لبرجي دور أساسي في مشاريع ما بعد "أماد"، وخصوصًا في الحفاظ على قدرات إيران وتوسيعها لتمكينها من استئناف برنامجها التسليحي النووي بسرعة إذا اقتضى الأمر. وكان من القلائل الذين تمكنوا من نقل المعرفة التقنية في تصنيع الصواعق النووية من النظري والتطوير إلى مستوى الاختبار والتنفيذ العملي.

ويُوصف برجي بأنه "رجل الصواعق النووية في إيران"؛ إذ شكّل حلقة الوصل بين الجيل الأول من العلماء النوويين والهياكل السرية الحالية للبحوث النووية العسكرية.

وبحسب التقارير، فإن التكنولوجيا، التي كانت تحت إشرافه، قد مكّنت إيران من توطين تصنيع الصواعق الانفجارية المتزامنة، ورفعها إلى المستوى التشغيلي.