فوز بناهي بـ"سعفة كان الذهبية" ليس مجرّد "حادث بسيط"!

جعفر بناهي فاز بسعفة مهرجان "كان" الذهبية عن فيلمه الجديد "حادث بسيط"، وهذا لم يكن إنجازاً شخصياً لبناهي فحسب، بل يُعدّ مكسباً تاريخياً للسينما الإيرانية المستقلة والمعارضة.
فيلم "حادث بسيط" تم إنتاجه داخل إيران بطريقة سرية، من دون ترخيص رسمي، ومن دون الالتزام بالحجاب الإجباري. وبحسب المراجعات النقدية المنشورة، فإن هذا الفيلم يُعدّ من أكثر أفلام بناهي جرأة، إذ ينتقد فيه النظام الإيراني بشكلٍ صريح ومباشر.
وبعد الإعلان عن فوز بناهي، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي برسائل التهنئة والإعجاب، في حين اتسمت ردود فعل النظام الإيراني ووسائل إعلامه بالتجاهل البارد، وترافقت مع هجمات عنيفة واتهامات ذات طابع سياسي.
هذه المرّة، لم تكن الهجمات موجّهة ضد الفيلم فقط، بل طالت مهرجان "كان" نفسه من قبل المحافل التابعة للسلطة.
واقع لا يمكن إنكاره
بحصوله على سعفة كان الذهبية، بعد أن فاز سابقاً بـ"الدب الذهبي" في برلين و"الأسد الذهبي" في فينيسيا، بات جعفر بناهي واحداً من قلائل المخرجين في تاريخ السينما العالمية الذين حصلوا على الجوائز الثلاث الأرفع. ومن هؤلاء القلة: مايكل أنجلو أنطونيوني وروبرت ألتمان.
ومع أن عباس كيار ستمي سبق أن فاز بالسعفة الذهبية عام 1997 عن فيلمه "طعم الكرز"، إلا أن ذلك جلب له هجمات حادة من المحافظين الإيرانيين، لدرجة أنه اضطر إلى مغادرة مطار "مهر آباد" في طهران خفية لتجنّب المواجهة.
جعفر بناهي، الذي يعد من أبرز تلاميذ كيار ستمي، أخرج حتى الآن 12 فيلماً طويلاً، وسبق أن حكم عليه النظام بالسجن 6 سنوات عام 2009، مع منعه من صناعة الأفلام أو مغادرة البلاد لمدة 20 عاماً، وذلك عقب احتجاجات الحركة الخضراء.
رغم ذلك، واصل بناهي تصوير أفلام مثل: "هذا ليس فيلماً"، "الستار المسدول"، "تاكسي"، "ثلاثة وجوه"، و"الدب ليس موجوداً"، في ظروف سرّية وتحت التهديد.
مخرج يثير قلق النظام
ردّ فعل مؤسسات النظام ووسائل إعلامه تجاه هذا الفوز يعكس مدى امتعاض بنية السلطة من شخص بناهي وأعماله.
فعلى سبيل المثال، عنونت صحيفة "فرهيختغان" التابعة للتيار المحافظ: "السعفة الذهبية تحوّلت إلى نحاس!"، وادعت أن الجائزة "ليست بعيدة عن السياسات المعادية لإيران من قبل الغرب".
أما وكالة "دانشجو" التابعة للباسيج فوصفت بناهي بـ"السمسار وبائع الوطن"، بينما قلّل مراسل التلفزيون الرسمي من قيمة الفيلم الفنية، مدّعياً أن فوزه بالجائزة "كان بمحض الصدفة".
إشادات واسعة
في مواجهة هذه الهجمات، صدرت إشادات واسعة من شخصيات ثقافية واجتماعية وسياسية داخل إيران وخارجها.
الناشطة نرجس محمدي كتبت أن بناهي "وصل إلى هذه المرتبة من خلال مسار لا يعرف الكلل، لتعميق المفاهيم الإنسانية وحقوق الإنسان".
الزعيم المعارض رضا بهلوي عبّر عن أمله في أن يأتي يوم يتمكن فيه السينمائيون الإيرانيون من الإبداع بحرية ومن دون رقابة.
أما الكاتب والناشط حامد إسماعيليّون فقد اعتبر شجاعة بناهي مصدر إلهام.
الممثلة الفرنسية جولييت بينوش وصفت الفيلم بأنه "نتاج حسّ بالمقاومة والبقاء"، بينما اعتبر وزير الخارجية الفرنسي الجائزة "رمزاً للصمود في وجه القمع".
رداً على ذلك، استدعت طهران القائم بأعمال السفارة الفرنسية، وكتب عباس عراقجي على منصة "إكس" (تويتر سابقاً): "فرنسا لا تملك الأهلية الأخلاقية لإعطاء الدروس للآخرين".
أما جعفر بناهي، فقال في كلمته بعد الفوز: "أدعو كل الإيرانيين، على اختلاف معتقداتهم، إلى الاتحاد... وأتمنى أن يأتي يوم لا يُقال فيه لأحد ماذا يلبس، أو ماذا يُنتج".
صفعة في وجه الرقابة
هذا الفوز لم يكن مجرد تكريم لمخرج مستقل، بل يُعدّ رمزاً لقوة الإبداع في وجه الرقابة والقمع السياسي.
في بلد يحتاج فيه الفنان لترخيص حكومي كي يبدع، تصبح صناعة فيلم بلا تصريح فعل عصيان مدني وموقفاً سياسياً.
ورغم أن النظام الإيراني كان يمكن أن يعتبر هذا النجاح إنجازاً وطنياً، إلا أنه كعادته قرأه من منظور "مؤامرة سياسية غربية"، مما يفضح الهوّة العميقة بين السلطة والبنية الثقافية المستقلة في إيران.
مخرجون مثل جعفر بناهي ومحمد رسول آف أثبتوا أن الإبداع ممكن حتى في ظل المنع والسجن والضغط، وأن الحقيقة يمكن روايتها حتى في أحلك الظروف.
لماذا يغضب النظام من جائزة بناهي؟
في الحلقة الأخيرة من برنامج "مع كامبيز حسيني"، تناولنا بالتفصيل فوز جعفر بناهي بسعفة كان الذهبية وردود الفعل العنيفة عليه.
استضفنا الناقد السينمائي محمد عبدي، وشاركنا مشاهدون من مختلف أنحاء العالم في محاولة للإجابة عن السؤال: لماذا يثير فوز جعفر بناهي غضب النظام الإيراني؟