في ظل انطلاق الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في روما، تناولت وسائل إعلام عربية بارزة آخر تطورات هذا الملف:
• صحيفة "الشرق الأوسط" وصفت هذه الجولة بأنها مرحلة "إما الفشل الحتمي أو التقدم الحاسم"، مشيرة إلى تمسك كلا الطرفين بخطوطهم الحمراء.
• القسم العربي لشبكة "فرانس 24" اعتبر هذه المفاوضات "أعلى مستوى من التفاعل الدبلوماسي بين البلدين منذ توقيع الاتفاق النووي في عام 2015".
• إذاعة "مونت كارلو" الدولية أشارت في تقريرها إلى أن "الدبلوماسيين حذروا من أنه سواء نجحت هذه المفاوضات أو فشلت، فإن إسرائيل ستظل قلقة من احتمال امتلاك إيران للسلاح النووي، وربما تدفعها هذه المخاوف إلى القيام بعمل عسكري".

قال نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، علي فدوي، في حديثه لقناة "المسيرة" اليمنية، إن "تكرار تهديدات إسرائيل بشأن استهداف منشآتنا النووية ليس سوى كلام فارغ ولا قيمة له".
وأضاف: "أعداء إيران لم ينجحوا في تحقيق أهدافهم خلال 47 عامًا مضت، ولن ينجحوا في المستقبل أيضًا".


مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، بات احتمال اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بينهما أكثر جدية من أي وقت مضى، وقد أفادت مصادر موثوقة بأن إسرائيل تُعد لهجوم دقيق يستهدف 12 موقعًا نوويًا إيرانيًا، وهو ما قد يحدث إذا فشلت المفاوضات النووية.
وفي المقابل، حذّر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في رسالة إلى الأمم المتحدة، من التهديدات العسكرية الإسرائيلية.
وفي الوقت نفسه، قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن المفاوضات مع واشنطن "وصلت إلى طريق مسدود"، معبرًا عن تشككه في مستقبلها.
التخصيب.. اللعب بالنار
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة، وهو ما يتجاوز بكثير ما ينص عليه الاتفاق النووي السابق (البرنامج الشامل للعمل المشترك)، ويقترب من العتبة المطلوبة لإنتاج سلاح نووي. وفي ظل غياب الشفافية الاستراتيجية، يمكن أن يُفسَّر هذا السلوك من منظور إسرائيلي على أنه تمهيد لهجوم استباقي.
وفي الوقت ذاته، امتلأت وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني بتعبيرات مثل "مناورة كبرى"، و"حالة تأهب"، و"تدريب القوات".
وتبدو إيران هذا العام أقرب من أي وقت مضى إلى شعار: "لا سلم، لا حرب، فقط تخصيب".
السردية المزدوجة لـ"نعمة الحرب"
منذ تأسيس النظام الإيراني، كانت النظرة الأيديولوجية إلى الحرب حاضرة بوضوح في الخطاب الرسمي لقادته؛ فقد وصف مؤسس النظام ومرشده السابق، روح الله الخميني، الحرب الإيرانية- العراقية بأنها "نعمة" و"ضمانة لبقاء الثورة". وبالأسلوب نفسه، تحدث المرشد الحالي، علي خامنئي، مرارًا عن "بركات الحرب" و"كنز الدفاع المقدس الذي لا ينضب".
ووفق هذه الرؤية، لا تُعد الحرب كارثة إنسانية، بل وسيلة لتحقيق التماسك الداخلي، وتصفية المعارضين، وتعزيز الهوية الأيديولوجية للنظام الإيراني؛ حيث إن فهم الأزمات على أنها فرص هو أحد أعمدة بقاء هذا النظام.
أعلن مسؤولون إسرائيليون كبار، من بينهم وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بصراحة أن إسرائيل لن تتردد في الدفاع عن نفسها. وعلى الجانب الآخر، حذّر المسؤولون العسكريون الإيرانيون من أن أي هجوم سيُقابل بـ "رد قاسٍ ومدمّر".
لطالما استخدم نظام طهران الأزمات الخارجية كوسيلة للبقاء، وفي وقت تظهر فيه غالبية الشعب الإيراني مؤشرات التعب والفقر والرغبة في الاستقرار، يسعى النظام لإعادة إنتاج "التهديد الخارجي" لاستعادة شرعية مفقودة.
لكن تجربة الإيرانيين التاريخية مع الحرب لا تحمل إلا الدمار والموت والعقوبات والحرمان الطويل. والمطلب الشعبي، كما صرخت به الشابة الراحلة، سارينا إسماعيل زاده، هو: "الرفاه، الرفاه، الرفاه.. لا للحرب، ولا للتهديد".
والآن..
يقف النظام الإيراني مجددًا على حافة الهاوية، بين مفاوضات محتضرة وتهديد عسكري من عدوٍ قديم. فبينما قد يرى خامنئي في الأزمة "نعمة"، يرى ملايين الإيرانيين فيها فقط عودة إلى كوابيس الحرب التي لم تنتهِ قط.
أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية في بيان لها: "أي مغامرة من جانب أميركا في المنطقة سيكون مصيرها مثل ما حدث في فيتنام وأفغانستان".
وأضاف البيان: "من الأفضل للرئيس الأميركي الوقح وعديم الحياء أن يراجع عمليتي (الوعد الصادق 1 و2) قبل أن يتحدث عن إيران، لعلّه بذلك يُدرك شيئاً من خطئه في الحسابات".

قال الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية في إيران، فريدون عباسي، في تصريح لموقع "دیده بان إيران": "المشكلة الأساسية التي لدى الغربيين معنا تتعلق بأسس الثورة الإسلامية، وليس بنسبة التخصيب، وبما أن هذا الخلاف لم يُحل، فمن المستبعد أن تُسفر المفاوضات عن نتيجة".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى تخصيب بنسبة 20 في المائة وحتى أكثر من ذلك".


بالتزامن مع الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في روما، أفادت مصادر إيرانية مطلعة لشبكة "سي إن إن" أن هذه الجولة من المحادثات على الأرجح لن تؤدي إلى اتفاق.
وأكدت هذه المصادر أن إصرار واشنطن على الإلغاء الكامل لبرنامج التخصيب النووي يُعتبر من وجهة نظر طهران بمثابة انهيار لمسار المفاوضات.
وبحسب المصدرين المطلعين، فإن مشاركة إيران في مفاوضات روما لا تهدف إلى التوصل لاتفاق، بل تأتي فقط لتقييم الموقف الأميركي الأخير.
وأضافا أن هناك شكوكًا جدية ومتزايدة في طهران حول صدق نوايا الولايات المتحدة في مسار التفاوض.
وأصدرت هذه المصادر بيانًا مشتركًا قالت فيه: "المواقف الإعلامية والسلوك التفاوضي للولايات المتحدة تسببا في إحباط شديد داخل دوائر صنع القرار في طهران. ومن وجهة نظر هذه الدوائر، فإن إصرار أميركا على مطلب تعلم جيدًا أن إيران لن تقبله، وهو التخصيب الصفري، يعني أنها لا تسعى إلى اتفاق أصلًا، بل تستخدم المفاوضات كأداة لزيادة الضغط".
وتابعوا أن بعض المسؤولين في إيران كانوا يأملون في بداية المفاوضات أن واشنطن تسعى إلى تسوية "رابح-رابح"، لكن بات هناك إجماع داخل طهران الآن على أن إدارة ترامب تدفع عمدًا بالمفاوضات نحو طريق مسدود.
كما حذرت هذه المصادر من أنه رغم أن الطرفين لا يرغبان في الانسحاب من طاولة المفاوضات، فإن المواقف الأميركية المتشددة جعلت استمرار المفاوضات الرسمية لفترة طويلة أمرًا غير مرجح.
