الحرب "نعمة" لخامنئي.. و"كابوس" للإيرانيين

مع تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل، بات احتمال اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بينهما أكثر جدية من أي وقت مضى، وقد أفادت مصادر موثوقة بأن إسرائيل تُعد لهجوم دقيق يستهدف 12 موقعًا نوويًا إيرانيًا، وهو ما قد يحدث إذا فشلت المفاوضات النووية.
وفي المقابل، حذّر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في رسالة إلى الأمم المتحدة، من التهديدات العسكرية الإسرائيلية.
وفي الوقت نفسه، قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن المفاوضات مع واشنطن "وصلت إلى طريق مسدود"، معبرًا عن تشككه في مستقبلها.
التخصيب.. اللعب بالنار
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المائة، وهو ما يتجاوز بكثير ما ينص عليه الاتفاق النووي السابق (البرنامج الشامل للعمل المشترك)، ويقترب من العتبة المطلوبة لإنتاج سلاح نووي. وفي ظل غياب الشفافية الاستراتيجية، يمكن أن يُفسَّر هذا السلوك من منظور إسرائيلي على أنه تمهيد لهجوم استباقي.
وفي الوقت ذاته، امتلأت وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني بتعبيرات مثل "مناورة كبرى"، و"حالة تأهب"، و"تدريب القوات".
وتبدو إيران هذا العام أقرب من أي وقت مضى إلى شعار: "لا سلم، لا حرب، فقط تخصيب".
السردية المزدوجة لـ"نعمة الحرب"
منذ تأسيس النظام الإيراني، كانت النظرة الأيديولوجية إلى الحرب حاضرة بوضوح في الخطاب الرسمي لقادته؛ فقد وصف مؤسس النظام ومرشده السابق، روح الله الخميني، الحرب الإيرانية- العراقية بأنها "نعمة" و"ضمانة لبقاء الثورة". وبالأسلوب نفسه، تحدث المرشد الحالي، علي خامنئي، مرارًا عن "بركات الحرب" و"كنز الدفاع المقدس الذي لا ينضب".
ووفق هذه الرؤية، لا تُعد الحرب كارثة إنسانية، بل وسيلة لتحقيق التماسك الداخلي، وتصفية المعارضين، وتعزيز الهوية الأيديولوجية للنظام الإيراني؛ حيث إن فهم الأزمات على أنها فرص هو أحد أعمدة بقاء هذا النظام.
أعلن مسؤولون إسرائيليون كبار، من بينهم وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بصراحة أن إسرائيل لن تتردد في الدفاع عن نفسها. وعلى الجانب الآخر، حذّر المسؤولون العسكريون الإيرانيون من أن أي هجوم سيُقابل بـ "رد قاسٍ ومدمّر".
لطالما استخدم نظام طهران الأزمات الخارجية كوسيلة للبقاء، وفي وقت تظهر فيه غالبية الشعب الإيراني مؤشرات التعب والفقر والرغبة في الاستقرار، يسعى النظام لإعادة إنتاج "التهديد الخارجي" لاستعادة شرعية مفقودة.
لكن تجربة الإيرانيين التاريخية مع الحرب لا تحمل إلا الدمار والموت والعقوبات والحرمان الطويل. والمطلب الشعبي، كما صرخت به الشابة الراحلة، سارينا إسماعيل زاده، هو: "الرفاه، الرفاه، الرفاه.. لا للحرب، ولا للتهديد".
والآن..
يقف النظام الإيراني مجددًا على حافة الهاوية، بين مفاوضات محتضرة وتهديد عسكري من عدوٍ قديم. فبينما قد يرى خامنئي في الأزمة "نعمة"، يرى ملايين الإيرانيين فيها فقط عودة إلى كوابيس الحرب التي لم تنتهِ قط.