يأس خامنئي من التوصل إلى اتفاق مع ترامب.. وعودة شبح الحرب

مراد ويسي
مراد ويسي

محلل سياسي - إيران إنترناشيونال

في الذكرى السنوية الأولى لمقتل الرئيس الإيراني المثير للجدل إبراهيم رئيسي، أشاد المرشد خامنئي بأدائه أمام الولايات المتحدة، معلنًا أنه لا يرى أي آفاق واضحة لنجاح المفاوضات مع أميركا. ويُعتبر هذا التصريح إشارة مهمة إلى احتمال فشل المفاوضات.

النقطة البارزة في كلام خامنئي هي مديحه لرئيسي بسبب مقاومته لما وصفه بـ"التهديد والإغراء" ورفضه التفاوض مع أميركا؛ وهذا المديح يُعد تلميحًا ضمنيًا ينتقد حكومتي حسن روحاني ومسعود بزشكيان، اللتين اتخذتا نهجًا أكثر انفتاحًا على التفاوض مع الولايات المتحدة.

من خلال هذه التصريحات، يحاول خامنئي تمهيد الأرضية مسبقًا لتبرئة نفسه من المسؤولية في حال فشل المفاوضات.
فهو يريد أن يدعي، في حال عدم التوصل إلى نتيجة، أنه كان منذ البداية ضد الحوار مع أميركا.

هذه تكتيكات استخدمها سابقًا في حكومتي روحاني وخاتمي؛ فعندما كان يتم التوصل إلى اتفاق، كان ينسب الفضل لنفسه ويقول إن المفاوضات تمت تحت إشرافه، لكن إذا فشلت المفاوضات أو لم تسفر عن نتيجة، كان يحمل الحكومة المسؤولية ويتحدث عن عدم الثقة بأميركا.

حتى إن خامنئي استخدم أوباما، الذي لا يحبه، لتوبيخ روحاني، مدعيًا أن رئيس الولايات المتحدة كان أذكى من رئيس إيران.
الآن، بعد أن أعلن ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب، أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران حتى بتخصيب بنسبة واحد بالمائة، وصلت الخلافات بين طهران وواشنطن إلى ذروتها.

في المقابل، تصر إيران على مواصلة التخصيب، حتى في مستويات أقل من أربعة بالمائة. وقد اتهم خامنئي، يوم الثلاثاء، الولايات المتحدة بـ"الهراء"، معلنًا أن طهران لن تتراجع عن التخصيب.

هذا الموقف يظهر أن الطرفين غير مستعدين للتنازل عن مواقفهما. تعتبر الولايات المتحدة التخصيب خطًا أحمر وتطالب بوقفه التام، بينما يراه خامنئي ليس فقط حقًا بل مسألة كرامة.

ومع ذلك، يُظهر تحليل أعمق أن مسألة التخصيب بالنسبة لخامنئي ليست مجرد مسألة كرامة. السبب الأهم هو أنه يرى استمرار التخصيب الطريق الوحيد المتبقي للحفاظ على القدرة المحتملة لصنع سلاح نووي.

فقد حققت طهران، من خلال تخصيب اليورانيوم، تقدمًا في تخزين المواد اللازمة، وحتى تقليص المسار لصنع قنبلة نووية. ويخشى خامنئي أن خسارة هذه القدرة ستترك إيران عاجزة تمامًا أمام ضغوط أميركا وإسرائيل.

من وجهة نظر خامنئي، يُعد التخصيب آخر أدوات الردع للنظام الإيراني، خاصة في ظل ضعف الجماعات الوكيلة وقلة فعالية القدرات الصاروخية. لذا، فإن الحفاظ على إمكانية صنع سلاح نووي يُعد بالنسبة له ضمانًا للبقاء، ويرى التراجع عن التخصيب بمثابة نزع السلاح.

قال خامنئي في خطابه إنه سيتحدث في المستقبل عن سبب ضغط أميركا لوقف التخصيب.

ويُظهر تحليل هذا التصريح أنه يسعى للحفاظ على ورقة التهديد في المفاوضات، حتى لو لم يتحدث عن ذلك بشكل أوضح حاليًا.

في هذا السياق، قوبل اقتراح عُمان لعقد الجولة الخامسة من المفاوضات في روما برفض النظام الإيراني. فقد امتنع عباس عراقجي، كبير المفاوضين، عن السفر إلى روما، لأن المشاركة في هذه المفاوضات تتطلب الرد على اقتراح أميركي محدد.

ووفقًا للتقارير، يتضمن هذا الاقتراح وقف التخصيب بالكامل، وبما أن إيران غير قادرة على قبوله، فقد فضلت تأجيل المفاوضات.

من ناحية أخرى، أعلن ترامب ومساعدوه مثل ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، بوضوح أن إيران يمكن أن تمتلك مفاعلًا سلميًا لكن ليس لها الحق في التخصيب، لأن هذه القدرة يمكن أن تتحول بسرعة إلى صنع سلاح.

في هذه الظروف، لم يعد شعار "لا حرب ولا مفاوضات"، الذي لعبه خامنئي لسنوات، فعّالًا.

وقد أعلن قاسم محبعلي، المدير العام السابق للشرق الأوسط في وزارة الخارجية، في تصريح نادر، أن إيران لم تعد في وضع "لا حرب ولا صلح" ويجب عليها اختيار أحدهما. يمكن اعتبار هذا التصريح نقدًا مباشرًا لسياسات خامنئي.

كما قال محبعلي إن التخصيب كلف الشعب الإيراني حتى الآن أكثر من تريليوني دولار، بينما كانت نتيجته توفير واحد بالمائة فقط من الكهرباء في البلاد من خلال محطة "بوشهر".

هذه الحقيقة الاقتصادية جعلت حتى بعض أعضاء النظام يعبرون عن معارضتهم لاستمرار هذا المسار.

في النهاية، أظهر السوق رد فعل على مأزق المفاوضات. فبعد تصريحات خامنئي الأخيرة، ارتفع سعر الدولار ألفي تومان ليصل إلى 84 ألف تومان.

بينما اعتبرت صحيفة "كيهان" هذا الارتفاع دليلًا على تأثير كلام خامنئي، فإن الحقيقة هي أن هذا الارتفاع يعكس قلق السوق العميق من فشل المفاوضات وتشديد العقوبات. تشبيه هذا الرد بقوة المرشد يشبه شخصًا يكسر زجاجًا في مشاجرة لتخويف الطرف الآخر، فيصيب نفسه بالأذى.

بشكل عام، يبدو أن إيران في موقف لا تستطيع فيه التراجع عن مواقفها، ولا تملك القدرة على مواصلة التصعيد.

مع إصرار أميركا على وقف التخصيب بالكامل وعدم رغبة خامنئي في قبوله، أصبحت آفاق التوصل إلى اتفاق أكثر قتامة من أي وقت مضى، وعاد شبح الحرب من جديد.