القلق من فشل المفاوضات بين إيران وأميركا يرفع أسعار النفط عالميا

ارتفعت أسعار النفط العالمية إثر تزايد احتمال فشل المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، مما أضعف آفاق زيادة إمدادات النفط الإيراني إلى الأسواق الدولية.

ارتفعت أسعار النفط العالمية إثر تزايد احتمال فشل المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، مما أضعف آفاق زيادة إمدادات النفط الإيراني إلى الأسواق الدولية.
وذكرت شبكة "سي إن بي سي"، اليوم الثلاثاء 20 مايو (أيار) أن سعر العقود الآجلة لخام برنت ارتفع بمقدار 12 سنتًا ليصل إلى 65.66 دولارًا للبرميل.
كما ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بمقدار 16 سنتًا ليبلغ 62.85 دولارًا للبرميل.
وقال أليكس هودز، المحلل في شركة "ستون إكس"، إن التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن كان من شأنه أن يمهد الطريق لرفع العقوبات الأميركية، ويسمح لإيران بزيادة صادراتها النفطية بما يتراوح بين 300 إلى 400 ألف برميل يوميًا.
وأضافت "سي إن بي سي" أن خفض التصنيف الائتماني للحكومة الأميركية من قبل وكالة "موديز" قد ألقى بظلاله على التوقعات الاقتصادية لأكبر مستهلك للطاقة في العالم، ومنع من ارتفاع أكبر في أسعار النفط.
كانت الوكالة قد خفضت في 16 مايو (أيار) التصنيف الائتماني للولايات المتحدة بدرجة واحدة، مشيرة إلى القلق من الدين العام المتزايد الذي يبلغ 36 تريليون دولار.
وعلاوة على ذلك، فإن صدور بيانات تُظهر تباطؤ نمو الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة في الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، قد فرض ضغطًا إضافيًا على أسعار النفط.
وتوقعت "سي إن بي سي" أن تشهد أسعار النفط في المدى القصير تقلبات بسبب الرسوم الجمركية، والمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وقال مجيد تخت روانجي، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، في 19 مايو، إنه إذا أصرت الولايات المتحدة على الوقف الكامل لتخصيب اليورانيوم الإيراني، فإن "المفاوضات لن تصل إلى نتيجة".
وكان ستيف ويتكوف، المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الشرق الأوسط ورئيس الوفد الأميركي المفاوض، قد صرح في وقت سابق بأن واشنطن "لن تقبل حتى بنسبة واحد بالمائة من قدرة التخصيب في إيران"، لأن هذه التكنولوجيا تُتيح إمكانية الوصول إلى السلاح النووي.
وفي 19 مايو (أيار)، نقل موقع "ذا ناشيونال" الإخباري عن مسؤولين إيرانيين أن المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران وصلت إلى طريق مسدود بسبب الخلاف حول مسألة تخصيب اليورانيوم.

أرسلت لي شقيقتي مقطع فيديو ساخرًا، الليلة الماضية، يظهر به شخص يتحدث مازحًا بأن الحكومة الإيرانية بدلاً من تعديل الساعة للتوقيت الصيفي، تجرّ 85 مليون شخص ذهابًا وإيابًا معها. المقطع كان مضحكًا، لكنّه لامس وجعًا حقيقيًا.
شقيقتي وزوجها يعملان في القطاع العام، وعليهما الآن أن يبدآ العمل من الساعة 6 صباحًا حتى 1 ظهرًا، بعدما فرضت الحكومة إغلاق الإدارات خلال ساعات ذروة الحرّ، لتقليل استهلاك الكهرباء.
وقالت شقيقتي: "الذين يتخذون هذه القرارات يظنون أن كل الناس يملكون سيارات، أو يستطيعون دفع أجرة سيارة كل يوم. معظمنا يعتمد على الحافلات، فليس الجميع يسكن على بُعد 30 دقيقة من مكان العمل، رحلتنا تستغرق على الأقل ساعة، والأمر مرهق حقًا".

ولكي يصلا إلى العمل في السادسة، يستيقظان في الرابعة والنصف؛ حيث إن المترو بعيد جدًا عنهما، ويعتمدان على الحافلات، التي بدأت الخدمة مبكرًا قليلًا فقط، في الساعة 5:30 صباحًا.
كما أن مدرسة أطفالهما لم تغيّر مواعيدها لتتلاءم مع هذا النظام الجديد، ودور الحضانة لا تفتح قبل الساعة 7:30 صباحًا، ما يترك الأهل العاملين في حالة تخبط- حرفيًا ومجازيًا- في الظلام.
ومنذ عام 1991 حتى 2022، اعتمدت إيران التوقيت الصيفي، لكن البرلمان ألغاه لاحقًا؛ بحجة أنه مربك ويضر بالاقتصاد. حاولت الحكومة التراجع من خلال مشروع قانون عاجل، لكن البرلمان منعه. وهكذا، علقنا في توقيت ثابت، كما علقنا مع حفنة من الفاشلين الذين يحكمون، ويدمّرون هذا البلد.
وأصبحت انقطاعات الكهرباء جزءًا من الروتين اليومي، وتطال المصانع، والمحال، والمنازل، حتى مع إعلان المرشد الإيراني، علي خامنئي، هذا العام عامًا لـ "الاستثمار من أجل الإنتاج".
وانتشرت صور لمزارعين يحرقون أكوامًا من البيض الفاسد؛ بسبب انقطاع الكهرباء، إلى جانب صور لمولدات ديزل مصطفّة أمام البيوت والمتاجر.
وأضافت شقيقتي: "إذا لم تضحك، فستبكي. معظم من ينشر هذه الصور أو يراها على مواقع التواصل يغلي من الداخل".
ولم تنفع التغييرات الطفيفة في جداول العمل في مدن كطهران كثيرًا، والحال أسوأ بكثير في المدن الصغيرة. العديد من المدارس ترفض تعديل ساعاتها، ما يخلق متاعب جمّة للأهالي، الذين يحاولون التوفيق بين تنقلاتهم ورعاية أطفالهم.
ثم تأتي أزمة المياه؛ فنحن نعيش في مبنى من أربعة طوابق، وقد انخفض ضغط المياه لدرجة أن الطوابق العليا بالكاد يصلها الماء.
وتحذر السلطات الآن أنه بحلول صيف هذا العام، ستنقطع المياه تمامًا عن الشقق فوق الطابق الثاني، ما لم تُركّب مضخات كهربائية. لكن مع الانقطاعات المتكررة للكهرباء، هذا الحل أيضًا غير عملي.

ويعني ذلك، عمليًا، أن سكان الطوابق السفلى ما زالوا يحصلون على بعض الماء، بينما يُترك من هم بالأعلى يعانون دون مياه. وكالعادة، يُنقل العبء إلى الناس.
ويعاني أكثر من 40 مدينة في إيران أزمة مياه، بحسب الأرقام الرسمية، والملايين متضررون، بل ويتعرضون أحيانًا للإهانة من رجال دِين يتحدثون عن العلاقة بين الجفاف والمعاصي.
مرّ زوج شقيقتي وهو يقول بنبرة ساخرة: "لا يمكن إلقاء اللوم على الحكومة لعدم هطول المطر".
وأضاف وهو يبتعد: "ولا يمكن لومها على البنى التحتية المتهالكة، أو على العقوبات، أو على الفشل في تنسيق وتنظيم جداول العمل. لديها مهمة واحدة فقط: أن تجعل حياتكم بائسة. وقد أدّتها ببراعة، إذا كان الضوء الخافت من شاشات هواتفكم مقياسًا لذلك".

مع تصاعد العقوبات الدولية وتفاقم الضغوط الداخلية، تواجه إيران واحدة من أصعب الظروف الاقتصادية في السنوات الأخيرة، وهو ما يؤكده تقرير جديد صادر عن صندوق النقد الدولي.
رسم صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير صورة مقلقة للتدهور الاقتصادي، والتضخم الشديد، وانكماش الاقتصاد، وزيادة عجز الموازنة في إيران، مما قد يكون مؤشراً على عدم استقرار طويل الأمد.
توقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ نمو الاقتصاد الإيراني في عام 2025 نسبة 0.3 في المائة فقط، في حين كان قد توقع في تقريره السابق في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نمواً بنسبة 3 في المائة.
يعود هذا الانخفاض الحاد إلى الضغوط المتزايدة للعقوبات الأميركية التي تهدف إلى تقليص عائدات إيران النفطية وقطع وصولها إلى الموارد المالية.
سيشهد قطاع النفط، الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الإيراني، مزيداً من الضرر في الظروف الحالية. وقدّر صندوق النقد الدولي أن ينخفض إنتاج وتصدير النفط الإيراني في العام المقبل بمقدار 300 ألف برميل يومياً.
وسبق أن حذرت شركات استشارية في مجال الطاقة مثل "كيبلر" و"فورتيكسا" و"تانكر تراكرز"، في تصريحات لقناة "إيران إنترناشيونال"، من أن تصدير النفط الإيراني قد ينخفض بما يصل إلى 500 ألف برميل يومياً مع تشديد العقوبات.
في أبريل (نيسان) وحده، فرضت إدارة ترامب ثماني حزم عقوبات جديدة على ناقلات النفط وشبكات تصدير النفط الإيراني، وفي مايو (أيار)، فرضت ثلاث حزم عقوبات إضافية حتى الآن.
ووفقاً لإحصاءات قدمتها شركة "كيبلر" لقناة "إيران إنترناشيونال"، بلغ متوسط تفريغ النفط الإيراني في الموانئ الصينية من بداية يناير (كانون الثاني) حتى نهاية أبريل (نيسان) 2025 حوالي 1.38 مليون برميل يومياً، أي أقل بـ100 ألف برميل عن متوسط العام الماضي. وتُعتبر الصين المشتري الرئيسي للنفط الإيراني.
انخفاض الفائض التجاري وزيادة هروب رؤوس الأموال
وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، ستنخفض إجمالي الصادرات الإيرانية (بما في ذلك النفط، والسلع غير النفطية، والخدمات) بنسبة 16 في المائة هذا العام، لتصل إلى 100 مليار دولار.
كما ستنخفض الواردات بنسبة 10 في المائة لتصل إلى 98 مليار دولار. ونتيجة لذلك، سيكون الفائض التجاري الإيراني 2 مليار دولار فقط، مقارنة بـ10 مليارات دولار في العام الماضي.
على الرغم من الفائض التجاري الإيجابي في السنوات الماضية، لا يزال هروب رؤوس الأموال من إيران عند مستوى مقلق.
وأعلن البنك المركزي الإيراني أن حوالي 14 مليار دولار من رؤوس الأموال غادرت البلاد في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، مقارنة بـ20 مليار دولار في العام السابق له.
ومنذ إعادة فرض العقوبات في عام 2018، تضاعف هروب رؤوس الأموال من البلاد حوالي ست مرات.
انهيار التومان وانكماش الاقتصاد
لكن الصدمة الأكبر تتعلق بالناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وهو مؤشر يعكس حجم اقتصاد الدولة على المستوى العالمي بناءً على الأسعار الجارية وبحساب الدولار الأميركي.
وقدّر صندوق النقد الدولي أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لإيران في عام 2025 إلى 341 مليار دولار، أي أقل بـ60 مليار دولار عن عام 2024.
السبب الرئيسي لهذا الانخفاض هو الانهيار الحاد في قيمة التومان، الذي خسر حوالي نصف قيمته في العام الماضي وحده.
على الرغم من أن إحصاءات النمو الاقتصادي في إيران بناءً على الأسعار الثابتة (لعام 2016) ودون احتساب آثار التضخم وانخفاض قيمة التومان قد تبدو مستقرة، إلا أن الأخذ بالأسعار الجارية يكشف بوضوح الحقيقة المريرة لانكماش الاقتصاد.
في عام 2000، كان اقتصاد إيران أكبر من اقتصادات المملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة، لكن اليوم أصبح اقتصاد السعودية أكبر بأكثر من ثلاثة أضعاف، واقتصاد تركيا أكبر بأربعة أضعاف، واقتصاد الإمارات أكبر بـ1.6 مرة من اقتصاد إيران.
تضخم على مستوى دول مثل فنزويلا وزيمبابوي
ويتسارع التضخم في إيران بسرعة. ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لتضخم إيران في عام 2025 من 37 في المائة في تقريره السابق إلى 43.3 في المائة، ليضع إيران إلى جانب دول مثل فنزويلا والسودان وزيمبابوي في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث التضخم.
ويمكن إرجاع هذا التضخم الشديد إلى انهيار قيمة التومان، والقيود على استخدام الاحتياطيات الأجنبية، وزيادة اقتراض الحكومة الداخلي بشكل حاد، وارتفاع تكاليف الواردات في ظل العقوبات.
موازنة غير مستدامة وبعيدة عن الواقع
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن صندوق النقد الدولي أشار إلى أن إيران ستحتاج لبيع النفط بسعر 163 دولاراً للبرميل لتتمكن من موازنة ميزانيتها لعام 2025 دون عجز، في حين أن متوسط سعر النفط العالمي يبلغ حوالي 66 دولاراً.
وأعدت الحكومة الإيرانية ميزانية العام المقبل بناءً على تصدير 1.85 مليون برميل نفط يومياً بسعر 67 دولاراً، لكن صندوق النقد الدولي يقدّر أن تصدير النفط الخام الإيراني الفعلي لن يتجاوز حوالي 1.1 مليون برميل يومياً.
وتصدر إيران أيضاً حوالي 200 ألف برميل يومياً من المكثفات الغازية، لكن الفجوة بين الصادرات الفعلية وأرقام الموازنة لا تزال ضخمة، مما سيؤدي إلى نقص كبير في إيرادات الحكومة.
وليست هذه الوضعية جديدة على إيران. في السنوات الأخيرة، واجهت الحكومات عادةً عجزاً في الموازنة يعادل حوالي ثلث إجمالي النفقات، ولتغطية هذا العجز، لجأت إما إلى طباعة النقود أو الاقتراض من البنوك وصندوق التنمية الوطني، وهي خطوات أدت إلى تأجيج التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة دين الحكومة الإيرانية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 39.9 في المائة هذا العام، وإلى 41.9 في المائة في العام المقبل، وهي أرقام مقلقة للغاية بالنسبة لاقتصاد يعاني من عقوبات قاسية.

وسط تصاعد القلق من عجز النظام الإيراني عن توفير الماء والكهرباء مع اقتراب فصل الصيف، أعلنت سميه رفيعي، رئيسة كتلة البيئة في البرلمان الإيراني، أن وضع الموارد المائية في 44 سدًا داخل إيران بات في حالة حرجة، وأن لهذا الوضع تأثيرًا سلبيًا مباشرًا على إنتاج الكهرباء.
وقالت رفيعي يوم الثلاثاء 6 مايو (أيار): "منذ بداية السنة المائية 2024–2025 حتى الآن، انخفضت نسبة تدفّق المياه إلى خزانات السدود بنسبة 37% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. كما تراجع حجم المياه المخزنة بنسبة 18% مقارنةً بالعام الماضي، و15% مقارنة بمتوسط السنوات الخمس الماضية".
يُذكر أن السنة المائية 2024–2025 بدأت في سبتمبر (أيلول) 2024 وتنتهي في 22 سبتمبر 2025.
وأشارت رفيعي إلى ما وصفته بـ"أزمة مائية خطيرة" في إيران، مرجعة أسبابها إلى: "التغيرات المناخية"، و"سوء الإدارة في مجال دبلوماسية المياه"، و"نقص الاستثمارات في إعادة تدوير المياه واستخدام التكنولوجيا الحديثة"، و"عدم تغيير نمط استهلاك المياه في مجالي الشرب والزراعة"، و"سوء الإدارة في زراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه".
وكان حسام خسرويان، المدير التنفيذي لشركة مياه طهران، قد حذر في 3 مايو (أيار) من دخول العاصمة عامها الخامس على التوالي من الجفاف، قائلًا إن "صيفًا صعبًا في الطريق".
وفي أبريل (نيسان)، حذّر النائب البرلماني أبو الفضل أبو ترابي من تفاقم أزمة شحّ المياه ووقوع "حرب مياه" بين المحافظات الإيرانية مستقبلاً.
الوضع الحرج لمحطات الكهرباء المائية
وفي سياق متصل، تحدثت رفيعي عن تأثير شحّ المياه في تفاقم أزمة الطاقة بإيران، وقالت: "أكثر من 12,500 ميغاواط من قدرة محطات الكهرباء المائية في إيران تراجعت نتيجة انخفاض منسوب المياه".
ووصفت وضع إنتاج الكهرباء في ظل ارتفاع درجات الحرارة بـ"غير المستقر"، مشيرة إلى "غياب تحديث وتطوير محطات الطاقة المتجددة"، وحذرت من أن "فصلي الربيع والصيف لهذا العام سيكونان حرجين للغاية من ناحية المياه والكهرباء، ولا يوجد حاليًا أي خيار سوى التزام المواطنين بنمط استهلاك معتدل لتجاوز هذه المرحلة".
كما دعت إلى "رصد إلكتروني فوري لجميع الأجهزة الحكومية" بهدف مواجهة مؤسسات الدولة التي تُعد من كبار مستهلكي الطاقة.
يُشار إلى أن الانقطاعات المتكررة في الماء والكهرباء خلال الأيام الأخيرة أثارت موجة من الانتقادات الواسعة تجاه أسلوب إدارة النظام الإيراني.
وفي 6 مايو (أيار)، قال أحمد بخشايش أردستاني، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان، تعليقًا على أزمة الطاقة بالتزامن مع المفاوضات مع الولايات المتحدة: "بعد 47 عامًا على الثورة، من العيب أننا - رغم كوننا قوة إقليمية عظمى ونتفاوض مع أميركا ونتظاهر بالقوة - نفتقر إلى الكهرباء، وضعف المياه واضح، والإدارة فاشلة".
الوضع الكارثي للمياه الجوفية
ووصفت رفيعي الاستغلال المفرط للمياه الجوفية في إيران بأنه "كارثي للغاية"، محذرة من ظاهرة "الهبوط الأرضي" التي باتت تُشاهد في 30 محافظة إيرانية.
كما أشارت إلى الوضع المتأزم للبحيرات والمسطحات المائية، قائلة: "66% من بحيرات البلاد تحولت إلى مصادر للغبار والعواصف الرملية".
وتأتي هذه التصريحات في وقت تسببت فيه أزمة الغبار وتلوث الهواء بإغلاق المدارس والجامعات في ما لا يقل عن أربع محافظات، من بينها كردستان، ولرستان، وبوشهر.
وكان موقع "دیده بان إيران" قد حذر في يناير (كانون الثاني) الماضي من أن خُمس سكان إيران باتوا معرضين لتبعات الهبوط الأرضي.

ركز الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في حملته الانتخابية على الشفافية، لكن إدارته تقدم بيانات مضللة عن قطاع الطاقة في إيران، في محاولة واضحة لتهدئة الاستياء الشعبي من تفاقم انقطاعات الكهرباء.
وفي الأشهر الأخيرة، استشهدت السلطات مرارًا بزيادات كبيرة في إنتاج البنزين والغاز الطبيعي، بل إن بعض المسؤولين طمأنوا الجمهور بأنه سيتم تلافي العجز المتوقع في الكهرباء هذا الصيف.
لكن وثيقة سرية من وزارة النفط، حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، تظهر أن هذه الادعاءات ليست فقط غير دقيقة، بل إن نقص الطاقة في البلاد يتفاقم بالفعل.
وتعاني إيران حاليًا عجزًا في الطاقة على مدار العام؛ فخلال موسم الذروة، يصل نقص الكهرباء والغاز الطبيعي إلى 25 في المائة، بينما يصل عجز البنزين إلى 30 في المائة.
ومع توقف مشاريع تطوير الطاقة، لجأ المسؤولون إلى رسائل عامة متفائلة، مستخدمين إحصاءات زائفة ومضللة للإيحاء بتحسن لا تظهره بياناتهم السرية.
وفي أواخر عام 2024، قال الرئيس التنفيذي للشركة الوطنية الإيرانية لتوزيع المنتجات النفطية، محمد صادق عظيمي فر، إن إنتاج البلاد اليومي من البنزين زاد بمقدار 10 ملايين لتر، والديزل بمقدار 13 مليون لتر خلال العام الماضي.
ومع ذلك، يظهر تقرير داخلي سري من الشركة نفسها أن إنتاج البنزين الأساسي في المصافي الإيرانية زاد بمقدار 1.5 مليون لتر فقط، في أواخر 2024، مقارنة بالفترة نفسها من 2023. وحتى على مدار العام بأكمله، كان النمو 3.5 في المائة فقط، أي 3.76 مليون لتر يوميًا.
أما إنتاج الديزل، فقد شهد نموًا متواضعًا مماثلاً بنسبة 3 في المائة فقط، أي 3.38 مليون لتر يوميًا للعام. وفي الوقت نفسه، قفز استهلاك كلا الوقودين بنسبة 7.5 في المائة في 2024، أي 7 ملايين لتر يوميًا، مما زاد من عجز الوقود في إيران.
وعلى الرغم من عدم وجود مصافٍ جديدة، خلال السنوات الأخيرة، فإن الحكومة الإيرانية تواصل دفع أكثر من 1.5 مليون سيارة محلية الصنع منخفضة الكفاءة إلى السوق سنويًا، مما يزيد من الضغط على طلب الوقود.
وفي عام 2024، بلغ إنتاج البنزين الأساسي اليومي في إيران نحو 101 مليون لتر، بينما تجاوز الاستهلاك 123 مليون لتر.
اتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك
تتسع الفجوة بين إنتاج البنزين واستهلاكه مع زيادة استخدام المواد المضافة في الوقود. ووفقًا لتقرير وزارة النفط الإيرانية، فإن الاستراتيجية الرئيسة للحكومة في إدارة هذه الفجوة المتزايدة تتمثل في تخفيف البنزين المُنتج في المصافي بكميات كبيرة من الإضافات الكيميائية دون المستوى القياسي.
وتشمل هذه الإضافات مركبات كيميائية متنوعة، ووقودًا من مصانع البتروكيماويات، والمركب المثير للجدل "MTBE" (وهو مركب محظور في العديد من الدول الغربية بسبب مخاطره البيئية والصحية)، بالإضافة إلى معززات الأوكتان الصناعية.
وفي حين كان استخدام الإضافات يبلغ 5 ملايين لتر يوميًا أو 6 في المائة من إجمالي البنزين في 2018، فإنه يتجاوز الآن 20 مليون لتر، أو أكثر من 20 في المائة من إمدادات الوقود، مما يثير مخاوف جدية بشأن جودة الهواء والصحة العامة.
وكشف التقرير السري أيضًا أن ربع البنزين المنتج في المصافي الإيرانية فقط يتوافق مع المعايير الأوروبية، وحتى ضمن هذه النسبة المحدودة، لا يتضح ما إذا كان الوقود يتصف بالمواصفات المطلوبة.
إنتاج الغاز: الادعاءات مقابل الواقع
أعلن المدير التنفيذي لمجمع بارس الجنوبي للغاز مؤخرًا زيادة بمقدار 6 مليارات متر مكعب في الغاز المُدخل إلى الشبكة الوطنية في السنة المالية الإيرانية الفائتة، التي انتهت في 20 مارس (آذار) الماضي؛ حيث يُشكل حقل بارس الجنوبي وحده 73 في المائة من إمدادات الغاز الطبيعي في إيران.
وفي الوقت نفسه، قال الرئيس التنفيذي لشركة حقول النفط المركزية الإيرانية بيمان إيماني، إن الشركة- التي توفر نحو 25 في المائة من غاز البلاد- زادت الإنتاج بمقدار 10 ملايين متر مكعب يوميًا خلال فضلي الخريف والشتاء، أي ما يعادل نموًا سنويًا بمقدار 2 مليار متر مكعب على الأقل.
وبناءً على هذه التصريحات، كان ينبغي أن تزيد إيران إنتاجها من الغاز بما لا يقل عن 8 مليارات متر مكعب العام الماضي. ومع ذلك، تقدر مؤسسات دولية، مثل وكالة الطاقة الدولية (IEA) ومنتدى الدول المصدرة للغاز (GECF) - الذي تعد إيران عضوًا فيه- أن نمو إنتاج الغاز في إيران بلغ نحو نصف هذا المقدار فقط.
ويُشار إلى أنه من 2010 إلى 2020، شهدت إيران معدلات نمو سنوية في إنتاج الغاز تزيد على 5 في المائة. لكن من 2021 إلى 2024، انخفض المعدل إلى نحو 2 في المائة في المتوسط. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع إنتاج الغاز في عام 2025 بنسبة تزيد قليلاً على واحد في المائة.

حذر مدير عام شركة مياه طهران، حُسام خسرويان، من استمرار الجفاف، مناشدًا الإيرانيين توفير المياه خلال الصيف المقبل، ومشيرًا إلى أن مشاريع نقل المياه ما هي إلا حلول مؤقتة.
وأشار خسرويان، يوم السبت 3 مايو (أيار)، إلى دخول العاصمة عامها الخامس على التوالي في الجفاف، قائلاً: "نحن في السنة الخامسة من الأزمة المائية، وتأمين المياه، خاصة للقطاع الصناعي، يواجه صعوبات كبيرة".
وفي الوقت نفسه، صرّح محافظ طهران، محمد صادق معتمديان، لوكالة أنباء "إيلنا" الإيرانية، بأن معدل هطول الأمطار في هذه السنة انخفض بنسبة 35 في المائة مقارنة بالمتوسط طويل المدى، وبانخفاض بلغ 14 في المائة مقارنة بالسنة الماضية.
وأضاف أن معظم مصادر المياه في محافظة طهران يعتمد على المياه الجوفية، إضافة إلى جزء من السدود الخمسة، وأن الانخفاض الحاد في منسوب المياه في السدود والطبقات المائية الجوفية أجبرنا على تنفيذ مشاريع نقل المياه من خارج المحافظة.
إدارة استهلاك المياه في المدن
أشار مدير عام شركة مياه طهران إلى أن خطوات بسيطة مثل تقليص وقت الاستحمام، ووضع زجاجة في خزان المرحاض، ومنع تسرب مكيفات الهواء المائية يمكن أن تساهم في خفض الاستهلاك، مشددًا على ضرورة تقليل استخدام المياه الصالحة للشرب في ري المساحات الخضراء إلى الحد الأدنى.
ومن جانبه حذر محافظ طهران من الاستهلاك المفرط للمياه، قائلاً: "تظهر دراسات وزارة الطاقة وشركة مياه الصرف الصحي أن 63 بالمائة من سكان المحافظة يستهلكون كمية مياه تصل إلى ضعف الحد القياسي، وإذا لم يتم تصحيح هذا الوضع، فسوف تصبح إدارة الموارد المائية أمرًا في غاية الصعوبة".
وشدد على ضرورة أن تقوم وسائل الإعلام بتوعية الإيرانيين حول الاستهلاك الأمثل للمياه، وأن يتصرف المواطنون بمسؤولية أكبر لتجنب حدوث أزمة مائية خلال أشهر الصيف المقبلة، التي ستؤدي فيها الحرارة إلى زيادة الاستهلاك.
لا أمل في مشاريع نقل المياه
كما تحدث مدير عام شركة مياه طهران عن مشاريع نقل المياه من السدود خارج العاصمة، قائلاً: "هذه المشاريع لا توفر حلاً مستدامًا، ولن يكون بالإمكان تحقيق استقرار في تأمين المياه، ما لم يتم التحكم في الاستهلاك بطهران".
وفي الوقت نفسه، قال محافظ طهران إن مشاريع نقل المياه من سد "لار" وخط "طالقان" البديل قد وُضِعت على جدول الأعمال، وإن الحكومة وبلدية طهران قدمتا التمويل اللازم، متوقعًا أن تدخل المرحلة الأولى من مشروع "طالقان" بسعة 160 مليون متر مكعب الخدمة خلال الشهرين المقبلين.
وقال عضو مجلس مدينة طهران، أحمد صادقي، خلال الجلسة الأخيرة للمجلس، إن هذه المشاريع لا تعدو كونها حلولاً مؤقتة، وإن الحل الجوهري يكمن في تعديل نمط الاستهلاك ومنع النمو السكاني المفرط في طهران.
وأكد خسرويان، تعليقًا على هذا التحذير، أن إدارة الاستهلاك يجب أن تكون على رأس الأولويات، وليس توسيع الحلول المؤقتة.
الجفاف.. مشكلة مناخية أم إدارية؟
كان رئيس لجنة الصحة في مجلس مدينة طهران، مهدي بيرهادي، قد قال في 14 أبريل (نيسان) الماضي، خلال مقابلة مع موقع "خبر أونلاين" الإيراني: "إن أزمة المياه في طهران ليست مشكلة مناخية فقط، بل هي نتيجة سنوات من التخطيط غير المنتظم، والتخلف المؤسسي، وإهمال الصحة العامة".
وحذر من أن وضع مصادر المياه في العاصمة متفاقم، مؤكدًا أن طهران تعيش على حافة العطش، وأن استخدام المياه المعالجة غير القياسية يهدد صحة السكان.
وقال بيرهادي إن ارتفاع معدل استهلاك المياه في طهران هو من القضايا المهمة والملحة، مشيرًا إلى أن معدل هطول الأمطار السنوي في طهران هو 229 ملم، في حين يتراوح معدل استهلاك المياه اليومي بين 320 و370 لترًا لكل شخص.
وأكد هذا المسؤول في مجلس مدينة طهران أنه مع النمو السكاني المتزايد في العاصمة الإيرانية، فإن الحاجة المائية للمدينة ستتصاعد بشكل كبير، مشيرًا إلى أن خفض معدل الاستهلاك يجب أن يكون على رأس الأولويات.
الحرب المائية تهدد إيران
وحذر البرلماني الإيراني، أبو الفضل أبوترابي، في مقابلة مع وكالة "إيلنا" بتاريخ 6 أبريل الماضي، من وقوع "حرب مائية" بين المحافظات، قائلاً: "إن طهران تواجه وضعًا حادًا وخطيرًا للغاية، والمحافظات مثل فارس، وبلوشستان، وأجزاء أخرى من شرق البلاد تواجه مشاكل مشابهة".
وأضاف أن مشكلة نقص المياه في "مشهد" قد وصلت إلى "مستوى كارثي مرعب"، مشيرًا إلى أن وضع مدن، مثل طهران، وأصفهان، ويزد، متدهور بالفعل، وقد يصبح الوضع في المستقبل القريب أكثر "سخونة وخطورة".
وانتقد أبوترابي غياب الأولويات في إدارة الموارد المائية في إيران، قائلاً: "بينما نواجه نقصًا حادًا في الموارد المائية، ننقل المياه باستخدام التكنولوجيا إلى قمم الجبال لإنشاء حدائق الخوخ. ولكن السؤال هو: هل الخوخ أهم من انهيار الأرض في أصفهان؟ أو مياه الشرب في يزد؟ نحن فقدنا أولوياتنا".
