بعد عام من سقوط المروحية.. من المستفيد من مقتل الرئيس الإيراني السابق؟

مسعود كاظمي
مسعود كاظمي

إيران إنترناشيونال

مرّ عام على مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادثة تُعرف بـ"سقوط المروحية في منطقة ورزقان". ورغم مرور 12 شهرًا، لا تزال أسباب الحادثة غامضة، لكن ربما السؤال الأهم من "كيف قتل رئيسي؟" هو: من استفاد من مقتله؟

في الأدبيات الجنائية، هناك مبدأ أساسي: فحص الدوافع وتحديد المستفيدين.
الشرطة والمحققون، في قضايا القتل، يبحثون دائمًا عن التغييرات التي أحدثها موت شخص معين، ومن الذين جنوا فائدة من هذا الموت.

ومن هذه الزاوية، إذا نظرنا إلى حادثة موت رئيسي، يبرز أمامنا سؤال أكثر جدية من فرضية "حادث طبيعي": هل كان نظام طهران فعليًا هو المستفيد الرئيسي من هذا الموت؟

تحول في السياسة الخارجية

بعد مرور عام على موت رئيسي، تجري إيران مفاوضات مع الولايات المتحدة، وليس مع حكومة جو بايدن، بل مع حكومة دونالد ترامب، الرئيس الذي كانت قيادات النظام الإيراني تصفه صراحة بـ"قاتل قاسم سليماني"، وكانت تصف التفاوض معه بأنه مستحيل.

مثل هذا التحول في السياسة الخارجية لنظام إيران ليس غير مسبوق، لكنه في هذه المرحلة يبدو أن الإقصاء الجسدي لرئيسي كان أحد العوامل الرئيسية فيه.

حكومة رئيسي كانت تركز بشدة على "المقاومة"، و"الاستقلال"، و"عدم الاعتماد على الأجانب"، وكانت تروّج لخطاب "القدرات الداخلية".

وزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، (الذي لقي مصرعه معه في الحادث) كان يُوصف، بحسب كاظم جلالي، سفير إيران في روسيا، بأنه "وزير خارجية المقاومة، لفهمه العميق للعالم الإسلامي".

كما أشار محمد مخبر، القائم بأعمال الرئيس بعد وفاة رئيسي، إلى أن "أمير عبد اللهيان كان وزير خارجية تيار المقاومة".

في ظل هذه الظروف، كان أي تليين أو تفاوض مع الغرب، وخاصة مع أميركا، يمكن أن يسبب أزمة خطابية خطيرة للنظام الإيراني.

الانتقال من "معاقبة قاتل سليماني" إلى "قبول منطق التفاوض معه"، لم يكن أمرًا سهلًا لحكومة رئيسي. حتى عندما جرت مفاوضات نووية في حكومته مع حكومة بايدن والدول الأوروبية، لم يتم التوصل إلى نتيجة، لأن خطاب حكومة رئيسي والعناصر البشرية فيها لم تكن قادرة على دفع هذا المسار.

لكن موت رئيسي فتح الطريق أمام مسعود بزشكيان وعودة "خطاب التفاوض".

انتقاد بعض الأصوليين لهندسة الانتخابات

دخل بزشكيان الانتخابات وفاز فيها، بشعار "الدبلوماسية" و"التغيير"، وبمرافقة علنية لمحمد جواد ظريف، وزير الخارجية السابق ورمز مفاوضات الاتفاق النووي. فوزٌ اعتبره بعض الأصوليين ليس عرضيًا ولا تنافسيًا.

فقد اتهم محمد منان رئيسي، ممثل مدينة "قم" في البرلمان الإيراني، في مقال له، مجلس صيانة الدستور بهندسة الانتخابات، وكتب: "أن يجلسوا بكل بساطة، دون تبصر بالعواقب، خلال خمسة أو ستة أيام، خلف الطاولة وتحت المكيف، ويقدموا لنا تركيبة في عملية غير شفافة، من دون تحليل كافٍ... إذا كان الهدف من هندسة الانتخابات (حتى لو عن غير قصد) لصالح أصدقائنا الإصلاحيين، فهل كان يمكن إعلان مجموعة مرشحين أفضل من هذه؟ قطعًا لا!"

في وسائل التواصل الاجتماعي، تحدث بعض المستخدمين المقرّبين من التيار "القمي" و"الثوري" عن إقصاء متعمد لرئيسي.

وقد كتب كاتب هذا التقرير، قبل يوم من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2024، في مذكرة، أن مسعود بزشكيان هو الخيار المفضل لخامنئي لرئاسة الجمهورية.

فهل مهّد النظام الطريق أمام شخصية معتدلة عبر إقصاء جسدي لشخصية متشددة؟

من وجهة نظر بعض المحللين، لا تنفي الشواهد والفوائد المستخلصة من هذا التغيير مثل هذا الاحتمال.

النظام الإيراني وأزمة الطاقة

إحدى القضايا الأساسية في إيران حاليًا هي نقص الطاقة. وبحسب قول فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم حكومة بزشكيان، فهذه الأزمة ناجمة عن "انعدام الاستثمار والسياسات الصحيحة خلال السنوات الأخيرة".

بمعنى آخر، كان الجميع يعلم بقدوم الأزمة، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء.

الانتقال من العزلة إلى التفاعل هو أحد الطرق للخروج من هذه الأزمة، وهو ما بدأته حكومة بزشكيان بضوء أخضر من المرشد خامنئي، وهو ما لم يكن ممكنًا إلا في غياب رئيسي.

سر سقوط المروحية؛ غموض أم مؤامرة؟

فيما يخص سبب سقوط مروحية رئيسي، لا تزال الرواية الرسمية تؤكد على "سوء الأحوال الجوية"، لكن كثيرين من المقربين للنظام أشاروا إلى احتمال وجود دور للموساد أو عمل تخريبي.

قال فؤاد إيزدي، أستاذ جامعي ومحلل في التلفزيون الإيراني: "قد يكون الحادث وقع، لكن مشكلتنا في منطقة أذربيجان هي وجود إسرائيل والموساد".

وكتبت صحيفة "جمهوري إسلامي"، مشيرة إلى التكهنات: "الحدث وقع قرب حدود بلادنا مع جمهورية أذربيجان، حيث نشرت إسرائيل تجهيزات استخباراتية واتصالية وعسكرية واسعة".

أما كامران غضنفري، النائب في البرلمان، فذهب أبعد من ذلك وقال: "أميركا وإسرائيل، بالتعاون مع [إلهام] علييف، اغتالوا رئيس الجمهورية... لكن بعض السادة لا يرون من المصلحة التصريح بذلك وينسبون الاستشهاد إلى سحابة... يا لها من سحابة كثيفة وذكية!"

في المقابل، نفت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة رسميًا جميع السيناريوهات المرتبطة بـ"التخريب"، و"الهجوم"، أو "العمليات الموجهة"، لكن هذا النفي لم يوقف التكهنات، لأن أي تقرير شفاف عن محادثات الطيار، أو الصندوق الأسود، أو تفاصيل الحادثة لم يُنشر.

من استفاد؟

كان موت رئيسي يعني وفاة أحد كبار مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية، الذي ارتبط اسمه بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإعدامات الجماعية في الثمانينيات، والمحفورة في الذاكرة التاريخية للإيرانيين.

وهو مجتمع لم يستقبل خبر وفاته بالصدمة، بل بالسخرية، ولم يكن نظره إلى موته نظرة "تعزية".

لكن الأهم من موت رئيسي هو التغير الذي تبعه. إقصاء رئيسي مهّد الطريق لتحول في السياسة الخارجية، وانفتاح مجال التفاوض، والسيطرة على أزمات مثل نقص الطاقة.

وقد تمكنت إيران، بتكلفة خطابية أقل مما كان يمكن أن تتكبده لو استمر رئيسي في الحكم، من الانتقال من حكومة المقاومة إلى حكومة الدبلوماسية.

ومن هذا المنطلق، ربما السؤال الأهم ليس كيف قتل رئيسي؟ بل لماذا قتل؟ ومن الذي استفاد من مقتله؟