ذراع شمخاني الإعلامية "تغسل سمعته" وتقتحم مفاوضات طهران وواشنطن
بعد نحو عامين من تنحيه عن منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، يبدو أن علي شمخاني عازم على الحفاظ على نفوذه في دبلوماسية طهران النووية المتجددة.
وتوحي تدخلاته الحساسة في سير المفاوضات، سواء من خلال منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي باسمه الشخصي، أو من خلال التسريبات عالية المخاطر، التي تنشرها وسيلته الإعلامية متعددة اللغات، بإصراره على البقاء في قلب المعادلة الدبلوماسية.
ورغم أنه لم يعد رسميًا على رأس الجهاز الأمني الأعلى في إيران، فلا يزال شمخاني يحتفظ بنفوذ معتبر كمستشار سياسي للمرشد الإيراني، علي خامنئي، وعضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام.
وقد انتهت فترة توليه منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في مايو (أيار) 2023، لكن وكالة "نور نيوز"- التي أسسها عام 2020- ضمنت له استمرار الحضور القوي في المجال العام.
شمخاني.. ومحادثات طهران وواشنطن
تصريحات شمخاني غالبًا ما تُتناقل على نطاق واسع في وسائل الإعلام الإيرانية والأجنبية، ما يجعل من منشوراته مؤشرًا غير رسمي على توجهات السياسة الإيرانية.
ويُعد شمخاني مستخدمًا نشطًا لمنصة "إكس" (تويتر سابقًا)، وينشر بانتظام بعدة لغات: الفارسية والإنجليزية والعبرية والروسية والصينية، في إشارة إلى رغبته في أن يُنظر إليه دوليًا كخبير مطّلع على كواليس المفاوضات.
وقبيل الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في العاصمة العُمانية مسقط، الشهر الماضي، أثار شمخاني جدلاً بتصريحه بأن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، سيشارك في المحادثات "بكامل الصلاحيات".
وقد فُسّرت هذه العبارة على نطاق واسع بأنها تأكيد علني أن عراقجي يحمل تفويضًا مباشرًا من المرشد علي خامنئي، ما عُدّ مؤشرًا نادرًا على جدية إيران في التوصل إلى اتفاق.
وفي تصريح لاحق، قال شمخاني: "إن أجهزة الاستخبارات الأميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية أدركتا أن إيران لا تمتلك أسلحة نووية".
وأضاف، بالعديد من اللغات: "الجانبان مصممان على المضي قدمًا في طريق التفاوض السليم.. رفع العقوبات والاعتراف بحق إيران في التخصيب الصناعي يمكن أن يضمن التوصل إلى اتفاق".
وقد بدا أن تصريحه هذا جاء ردًا على ملاحظات لنائب الرئيس الأميركي، جي. دي. فانس، التي ألمح فيها إلى إمكانية سماح واشنطن بمستوى منخفض من تخصيب اليورانيوم في إيران.
وقد عكست نبرة منشوره ليونة في الموقف، وشكّلت تحولاً عن خطابه السابق المتشدد، في اتجاه يُظهر مرونة دبلوماسية.
وكان شمخاني من أبرز المؤيدين للقانون، الذي أقرّه البرلمان الإيراني في ديسمبر (كانون الأول) 2020، والمعروف باسم "خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وصون مصالح الأمة"، وذلك رغم معارضة الرئيس الإيراني آنذاك، حسن روحاني.
وقد ألزم هذا القانون منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20 في المائة، وهي نسبة تفوق كثيرًا الحد الأقصى البالغ 3.67 في المائة، المحدد في اتفاق 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، وبتشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة.
"نور نيوز".. والمصادر "المطلعة" المجهولة
ينبع جزء كبير من تأثير شمخاني الإعلامي من وكالة "نور نيوز"، وهي وسيلة إعلامية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بشبكته السياسية. أُطلقت باللغة الفارسية في أوائل عام 2020، ثم توسعت لاحقًا إلى اللغات: الإنجليزية والعربية والعبرية، وأصبحت تلعب دورًا كبيرًا في صياغة الأخبار المتعلقة بالمحادثات النووية الإيرانية.
وتنشر "نور نيوز" بشكل متكرر تقارير حصرية عن المحادثات النووية وغيرها من القضايا، وغالبًا ما تستند إلى مصادر "مطلعة" مجهولة، وهي تقارير يتداولها الإعلام المحلي والدولي، مما عزز من مكانتها كمنبر شبه رسمي.
ولكن هذه التدخلات لم تُقابل بترحيب في الداخل الإيراني.
فقد نقلت "نور نيوز" عن مصدر مجهول أن الجولة الرابعة من المحادثات ستركّز على "قضايا إنسانية وأمنية"، دون أن توضح، ما يوحي بتوسيع النقاش إلى ما يتجاوز الملف النووي، وهي تفاصيل لم يُفصح عنها رسميًا من قِبل المفاوضين.
وقال محمد حسين رنجبران، مستشار وزير الخارجية عباس عراقجي، تعليقًا على ذلك: "الجهات والأشخاص المرموقون، الذين يطّلعون على تقارير سرية يجب أن يحافظوا عليها. تسريب المعلومات إلى منصات مفضلة يُقوّض المصالح الوطنية".
وأضاف: "ثمة فرق بين بناء مصداقية إعلامية وبين التنافس الطفولي على السبق الصحافي".
الهياكل العظمية في الخزانة
قد تهدف تدخلات شمخاني إلى ترميم سمعته، التي تضررت بسبب قضايا تجسس وفساد أثارت الجدل حوله.
وقد جاء خروجه من مجلس الأمن القومي الأعلى في مايو 2023، في أعقاب واحدة من أكثر قضايا التجسس حساسية في تاريخ إيران الحديث.
ففي يناير (كانون الثاني) من ذلك العام، أعدمت إيران علي رضا أكبري، وهو مواطن مزدوج الجنسية (إيراني- بريطاني) ونائب سابق لوزير الدفاع، بتهمة التجسس لصالح المملكة المتحدة.
وكان أكبري معروفًا منذ وقت طويل بأنه مقرّب ومستشار لـ "شمخاني"، ما أثار تساؤلات حول خروقات أمنية داخلية على أعلى مستويات الدولة.
ورغم أن السلطات الإيرانية لم تربط شمخاني بشكل مباشر بتهم التجسس المزعومة، فإن إعدام "أكبري"، ألقى بظلاله على استمرار شمخاني في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
كما واجه شمخاني اتهامات متكررة بالفساد، خصوصًا فيما يتعلق بأنشطة عائلته التجارية. وقد ارتبطت هذه الأنشطة بالالتفاف على العقوبات الأميركية، من خلال تسهيل صادرات النفط عبر ما يُسمى "أساطيل الأشباح".