خامنئي وترامب: نحو اتفاق أم إلى شفير الحرب؟
أدى إلغاء الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ليس فقط إلى وقف مسار الحوار، بل أيضًا إلى تصعيد الحرب الكلامية بين مسؤولي البلدين.
أدى إلغاء الجولة الرابعة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ليس فقط إلى وقف مسار الحوار، بل أيضًا إلى تصعيد الحرب الكلامية بين مسؤولي البلدين.
ويُطرح الآن سؤال مهم: هل يعني هذا التصعيد اللفظي فشل المفاوضات والسير نحو مواجهة عسكرية، أم أن الطرفين ما زالا يفضلان الوصول إلى اتفاق، وإن لم يكونا مستعدين للتراجع عن مواقفهما بعد؟
وفي هذا المقال، نحلّل أسباب توقف المفاوضات، والموقف الحالي للطرفين، ومدى الخلافات القائمة، ونتساءل عما إذا كان خامنئي وترامب يسيران نحو اتفاق، أم أن التوترات ستنتهي بصدام؟
1- أسباب إلغاء المفاوضات:
السبب الأهم وراء تعليق المفاوضات هو الخلاف الحاد بين إيران والولايات المتحدة حول تخصيب اليورانيوم داخل إيران؛ إذ أعلنت واشنطن، بقيادة ماركو روبيو- الذي يشغل منصب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي للرئيس ترامب في آنٍ واحد- بشكل صريح، أن إيران غير مسموح لها بالتخصيب، حتى ولو كان بنسبة منخفضة (أقل من 4 في المائة)، ويجب عليها أن تستورد الوقود النووي لمفاعلاتها من الخارج.
كما تطالب الولايات المتحدة أيضًا بوقف البرنامج الصاروخي الإيراني، وقطع دعم طهران للجماعات المسلحة في المنطقة.
وفي المقابل، تصر طهران، خصوصًا عبر كبير مفاوضيها ووزير خارجيتها، عباس عراقجي، على أن التخصيب حقٌّ مشروع لها، بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وأكدت أنها لن تتراجع عن هذا الحق، وترى إيران أن الحفاظ على التخصيب لا يُعد قضية فنية فحسب، بل مسألة كرامة وسيادة ترتبط بشرعية النظام السياسي.
2- خلافات جوهرية وانعدام الثقة:
السبب الرئيس وراء معارضة الولايات المتحدة لتخصيب اليورانيوم في طهران هو تاريخ الانتهاكات الإيرانية للاتفاقيات السابقة، والتقارير المتكررة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 في المائة، بل ووجود مؤشرات على تخصيب بنسبة 80 في المائة، وهو ما يتجاوز الاستخدامات السلمية بشكل واضح، ويقوّض ثقة المجتمع الدولي في طبيعة البرنامج النووي الإيراني.
وفي هذا السياق، تسعى الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاليًا لإعداد تقرير شامل عن البرنامج النووي الإيراني، إلا أن طهران ما زالت ترفض التعاون الكامل مع الوكالة، وتمنع المفتشين من الحصول على جميع البيانات والزيارات اللازمة.
3- ترامب وروبيو.. وخط أحمر اسمه "التخصيب":
كرر ماركو روبيو، الذي بات يلعب دورًا محوريًا في سياسة ترامب الخارجية، مرارًا أن تخصيب اليورانيوم- حتى بنسبة 4 في المائة- غير مقبول. ويقول إن إيران أساءت استخدام الحد الأدنى من التخصيب سابقًا، وليس هناك ما يمنع تكرار ذلك.
وهذا الموقف يضع ضغوطًا كبيرة على مسار التفاوض، لأن قبول أي مستوى من التخصيب من قِبل إدارة ترامب سيجعل الاتفاق المحتمل يبدو شبيهًا باتفاق أوباما (الاتفاق النووي لعام 2015)، وهو أمر يسعى ترامب إلى تجنبه لتمييز سياساته.
4- رؤية النظام الإيراني: تكتيكية أم استراتيجية؟
لطالما رفض المرشد الإيراني، علي خامنئي، أي تراجع علني، لكنه في الأشهر الأخيرة أبدى إشارات إلى مرونة يعتبرها "تكتيكية". وفي تصريح له أشار إلى صلح الإمام الحسن مع معاوية، كمثال على التنازل المؤقت في الظروف الحرجة، لكنه شدد على أن هذا التراجع لن يدوم، وأن الهيمنة الأجنبية لن تكون دائمة. هذه التصريحات عززت احتمالات قبول طهران باتفاق محدود ومشروط.
5- استشراف المستقبل: اتفاق أم تصادم؟
في الوقت الراهن، يبدو أن إيران مستعدة لخفض مستوى تخصيب اليورانيوم إلى ما دون 4 في المائة، لكنها تصرّ على الاحتفاظ بهذا الحدّ الأدنى. أما إدارة ترامب فلم تحسم بعد موقفها بشأن قبول هذا المستوى من التخصيب.
وإذا قرر ترامب أنه من الأفضل إبرام اتفاق، ووافق على تخصيب محدود، فإن احتمال التوصل لاتفاق سيكون كبيرًا. أما إذا تمسك بموقفه الرافض لأي مستوى من التخصيب، فإن الكرة ستكون في ملعب إيران، وعلى خامنئي أن يقرر: هل سيوافق على اتفاق دون حق التخصيب أم لا؟
والواقع أن كلا الطرفين يرزح تحت ضغوط شديدة؛ فإيران تعاني أزمات اقتصادية داخلية واستياءً شعبيًا متصاعدًا، في حين يحتاج ترامب لتحقيق إنجاز سياسي بارز مع بداية ولايته الثانية. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح مَنْ منهما سيتراجع أولاً: خامنئي أم ترامب.
6- احتمالية تغيير جذري في السياسة الخارجية الإيرانية:
يرى بعض المحللين أن خامنئي قد يطمح لتغيير شامل في السياسة الخارجية، يتجاوز مجرد اتفاق محدود، ويشمل عودة الشركات النفطية الأميركية إلى إيران، واستئناف العلاقات الاقتصادية مع واشنطن. إلا أن الوقائع الحالية لا تؤكد هذا الاتجاه؛ فالخطاب الرسمي الإيراني لا يزال يستند إلى معاداة أميركا وإسرائيل، ويبدو فتح السفارات أو إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع أميركا غير وارد حاليًا.
وطبقًا لهذه العوامل السابقة تقف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة عند منعطف حاسم، والقرار النهائي بشأن استئنافها أو انهيارها مرتبط مباشرة بإرادة شخصين، هما: دونالد ترامب وعلي خامنئي. وما يعرقل الاتفاق ليس التفاصيل الفنية أو القضايا الجانبية، بل الخلاف حول مبدأ تخصيب اليورانيوم داخل إيران، وطالما لم يُحسم هذا الخلاف الجوهري، فلا يمكن الحديث بيقين عن مستقبل هذه المفاوضات.