تفاصيل جديدة حول دور الحرس الثوري الإيراني في كارثة ميناء بندر عباس
بعد الحريق الواسع في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس، أعلنت جمارك إيران في بيان أن الشحنة التي تسببت في الحريق لم تكن مسجلة في أنظمة هذه الهيئة، ولم تكن خاضعة لإشرافها.
ويشير هذا إلى دخول شحنة إلى الميناء خارج الأطر الجمركية الرسمية، ما يطرح سؤالًا جوهريًا: من هي الجهة أو الشخصية في إيران التي تملك من النفوذ ما يمكنها من تجاوز الجمارك وإدخال مواد شديدة الخطورة إلى أحد أكثر الموانئ حساسية في إيران دون أي رقابة؟
الأنظار تتجه مجددًا نحو الحرس الثوري الإيراني، الجهة التي تتحكم بشبكة من الشركات والمؤسسات الرسمية والواجهة في مختلف أنحاء إيران، بما في ذلك ميناء رجائي.
وتدعم التصريحات السابقة لمسؤولين في النظام الإيراني هذه الفرضية، فقد أشار الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد منذ سنوات إلى الأرصفة غير المرخّصة الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري، واصفًا القائمين عليها بـ"إخوتنا المهرّبين".
ورغم مرور ثلاثة أيام على حريق ميناء رجائي، لم يخرج أي مسؤول رسمي ليشرح كيف بدأ الحادث، أو ما هي الشحنة التي تسببت في الانفجار بالضبط.
كما فُرض تعتيم إعلامي واسع، وتوقفت أي محاولة لتوضيح ما حدث.
في المقابل، أعلن سعيد جعفري، المدير التنفيذي لشركة "توسعة الخدمات البحرية والمينائية سينا"، أن الانفجار وقع في الساحة الخاصة بهذه الشركة.
وهذه الشركة تابعة لمؤسسة "المستضعفين"، التي يترأسها العميد حسين دهقان، أحد كبار قادة الحرس الثوري ووزير الدفاع الإيراني السابق.
من جانبه، صرّح المتحدث باسم وزارة الدفاع، العميد رضا طلايي نيك، أن القوات المسلحة لم تكن تمتلك أي شحنة عسكرية في الميناء.
غير أن خبراء يعتقدون أن هذه التصريحات قد تكون نوعًا من التلاعب بالألفاظ، إذ إن بعض المواد الأولية مثل "بيركلورات الصوديوم" التي يُقال إنها سبب الحريق، لا تُصنّف رسميًا ضمن "العتاد العسكري" قبل تحويلها إلى وقود صاروخي.
وكانت سفينتان إيرانيتان باسمَي "جيرَان" و"غلبُن" قد أدخلتا نحو ألفي طن من "بيركلورات الصوديوم" إلى ميناء بندر عباس خلال الأشهر الماضية.
والسؤال الأساسي هنا: أين فُرّغت هذه الشحنات، وأين تم تخزينها؟ الجمارك أعلنت أن هذه المواد لم تكن ضمن نطاق سيطرتها، في حين لم تنفِ شركة "سينا" التابعة لمؤسسة "المستضعفين" مسؤوليتها عن وقوع الانفجار في منطقتها الخاصة.
ويُطرح هنا أيضًا تساؤل جوهري: كيف ولماذا تتمكن مؤسسة "المستضعفين" من استيراد وتخزين مواد خطرة خارج نطاق إشراف الجمارك؟ لم يصدر أي توضيح رسمي حتى الآن، لكن بالنظر إلى تاريخ المؤسسة وعلاقاتها مع الحرس الثوري ودورها في تمويله – مثل دفع رواتب مقاتلي لواء فاطميون عبر بنك سينا التابع لها – فإن مثل هذا الاحتمال لا يبدو بعيدًا.
وتفيد المعلومات المتوفرة بأن المحطة رقم 2 في ميناء رجائي – موقع الحادث – تقع تحت السيطرة الكاملة لشركة "سينا" التابعة لمؤسسة "المستضعفين" منذ عام 2014.
وتمتد هذه المحطة على مساحة نحو 90 ألف هكتار، وهي من أهم مراكز تفريغ وتحميل الحاويات في إيران.
ونظرًا لوجود شركتين فقط تديران العمليات في الميناء – الأولى "بتا" للمحطة رقم 1، والثانية "سينا" للمحطة رقم 2 – يتضح أن موقع الحادث كان مباشرة ضمن المنطقة التي تديرها مؤسسة "المستضعفين".
المؤسسة التي يترأسها العميد حسين دهقان لا تسيطر فقط على المحطة رقم 2، بل تلعب أيضًا دورًا بارزًا في ملكية السفن والاستيراد من الصين عبر شركات النقل التابعة لها مثل "بايا ترابر سينا".
كما أن المدير التنفيذي لهذه الشركة عضو في مجلس إدارة اتحاد ملاك السفن، والذي تنتمي إليه معظم السفن التي تستورد البضائع من الصين.
وبالتالي، فإن مؤسسة "المستضعفين"، برئاسة أحد كبار قادة الحرس الثوري، تسيطر على جزء كبير من ميناء رجائي ، وهو المكان الذي اندلع فيه الحريق وتخزّنت فيه الشحنات الخطرة.
من هنا، يبرز السؤال المحوري: ما دور هذه المؤسسة في دخول وتخزين مادة "بيركلورات الصوديوم"؟ وكيف تم إدخال هذه المواد إلى هذه المنطقة الحساسة كأنها شحنات عادية دون تسجيلها في الجمارك؟
اللافت أيضًا وجود عدد من كبار قادة الحرس الثوري في تفاصيل هذا الملف.
فقد زار وزير الداخلية العميد إسكندر مؤمني، بندر عباس بعد الحادث، وأعلن عن استدعاء عدد من المتسببين.
ويتولى متابعة الأزمة معه العميد حسين ساجدي نيا، رئيس منظمة إدارة الأزمات، الذي شغل سابقًا مناصب قيادية في قوى الأمن الداخلي.
كما يشارك في هذه الجهود العميد بور جمشيديان، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية.
هذا الحضور المكثف لقادة الحرس في كل مراحل الحادث – قبل الانفجار وأثنائه وبعده – يدل على صلة هيكلية لهذه المؤسسة بهذه الكارثة.
في الوقت الراهن، تعيش عائلات عديدة مأساة فقدان أحبائها، ولا تزال أسر أخرى تجهل مصير ذويها، وسط تقييد إعلامي صارم وتهديدات قضائية موجهة إلى وسائل الإعلام والمستخدمين في الفضاء الافتراضي.
هذه الكارثة تمثل نتيجة مباشرة لما يجري على المستوى الوطني: تسليم إدارة البلاد بالكامل للمؤسسات العسكرية والأمنية، بموافقة مباشرة من المرشد علي خامنئي.
لا بد من التحقيق الشفاف في هذه الحادثة، وكذلك العودة إلى حوادث مشابهة سابقة، مثل انفجار قطار نيشابور عام 2003، الذي كان يحمل سبع عربات من "نترات الأمونيوم". فقد وقع ذلك الانفجار قرب قواعد صاروخية للحرس ووزارة الدفاع، لكن لم يُقدَّم أي تفسير شفاف حتى اليوم عن سبب نقل تلك الكميات من المواد العسكرية الخطرة.
إن انفجار بندر عباس ليس مجرد حادث صناعي أو بحري، بل هو تجلٍّ واضح لأزمة هيكلية عميقة في إدارة الدولة، وانعدام الشفافية في أداء مؤسساتها العسكرية والأمنية النافذة.