ووفقًا لتقييم خبراء المركز، الذي نُشر يوم الاثنين 27 أكتوبر (تشرين الأول)، فإن صور الأقمار الصناعية الملتقطة بين 30 يونيو (حزيران) و30 سبتمبر (أيلول) الماضيين تُظهر أن السلطات الإيرانية كثّفت عملياتها الإنشائية في منطقة "كلنغ غزلا"، الواقعة على بُعد ميل تقريبًا جنوب موقع نطنز النووي.
كما رصد الخبراء وجود عمليات طمرٍ بالأتربة والرمال عند المدخلين الشرقي والغربي للمنشأة، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لإخفاء الأنشطة وتقليل إمكانية الرصد عبر الأقمار الصناعية.
ويرى محلّلو المركز أن ازدياد النشاط الهندسي في الموقع بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة، يُشير إلى سعي إيران لنقل أجزاء من برنامجها النووي إلى أعماق الأرض؛ تحصينًا له من أي هجمات مستقبلية.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قد أفادت، مطلع أكتوبر الجاري، بأنه استنادًا إلى صور فضائية ومصادر تحليلية، فإن إيران تواصل بناء منشأة عسكرية نووية عميقة تحت جبل "كلنغ غزلا"، جنوب موقع "نطنز" النووي.
ووفقًا للصور الحديثة، فإن النفق الجنوبي الذي أُغلق سابقًا لا يزال غير نشط، فيما تُظهر البيانات أن الأنشطة تتركّز في القسمين الشرقي والغربي من المجمع.
احتمالات متعددة لوظيفة المنشأة الجديدة
بحسب باحثي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يمكن تصوّر ثلاثة سيناريوهات رئيسة لهدف هذا المشروع:
أن تكون إيران بصدد استكمال قاعة تجميع أجهزة الطرد المركزي التي وعدت ببنائها داخل الجبل بعد حريق نطنز عام 2020. أو أنها قد نقلت إلى هناك أنشطة التخصيب والمعادن المتضررة في منشأة أصفهان، بما في ذلك إنتاج غاز سادس فلوريد اليورانيوم (UF₆).
وأما الاحتمال الثالث، وهو الأخطر، فهو أن "كلنغ غزلا" تحوّل إلى مركز سري لتخصيب اليورانيوم، يمكن أن يُستخدم لرفع التخصيب من مستوى 60 في المائة الحالي إلى 90 في المائة، التي تتيح لها إنتاج السلاح النووي.
وأكد التقرير أن هذه الفرضيات لم تُثبت بعد بشكل قاطع، غير أن عمق الموقع تحت الأرض واتساع مداخله وتسارع العمل فيه بعد الهجمات، تمثل مؤشرات واضحة على سعي إيران لإعادة بناء قدراتها النووية الحساسة بسرعة.
وأضاف المركز أن هذه المنشأة قد تشكّل مرحلة جديدة في تطوير البنية التحتية النووية الإيرانية، مشيرًا إلى أن العمق الصخري والمداخل المتعددة قد يجعلها شبه محصّنة ضد أي ضربات جوية مستقبلية.
كما أن دفن المداخل تحت طبقات من التربة يساعد في تنظيم الحرارة الداخلية ومنع انبعاث الإشارات الحرارية، وهي تقنية تُستخدم عادة في منشآت التخصيب المتقدمة للغاية.
إصرار إيراني على إعادة بناء القدرات النووية
رغم تدمير منشآت فوردو ونطنز وأصفهان خلال الهجمات الجوية في يونيو الماضي، يرى الخبراء أن إيران نجحت خلال ثلاثة أشهر فقط في نقل جزء من برنامجها النووي إلى تحت الأرض، ما يدل على أن قدراتها الفنية والهندسية على إعادة البناء لا تزال قوية وفاعلة.
وكان معهد العلوم والأمن الدولي قد كشف في مايو (أيار) الماضي أن إيران تُنشئ منطقة أمنية جديدة مزوّدة بأسوار وحواجز حول جبل "كوه كلنغ غزلا".
ويؤكد التقرير أن الأنشطة الجديدة تستدعي عودة عاجلة لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستئناف الرقابة الدولية الكاملة على الموقع.
وجاء في نص التقرير: "إذا فشل المجتمع الدولي في ضمان الشفافية حول طبيعة هذا الموقع، فإن إيران ستكون قادرة على إعادة بناء المكوّنات الأساسية لبرنامجها النووي في الخفاء".
وحذّر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى عودة دورة سرّية من الأنشطة النووية الإيرانية، وهو ما قد يُحدث خللًا جديدًا في توازن الأمن الإقليمي بالشرق الأوسط.