بعد انهيار العملة التاريخي.. الإيرانيون يخشون من العواقب السلبية لقيود العملات المشفّرة

حذّر صُنّاع السوق والاقتصاديون ونشطاء العملات المشفّرة في إيران من القرار الجديد للحكومة القاضي بتقييد الاحتفاظ بالعملات المستقرة (ستيبلكوين).
حذّر صُنّاع السوق والاقتصاديون ونشطاء العملات المشفّرة في إيران من القرار الجديد للحكومة القاضي بتقييد الاحتفاظ بالعملات المستقرة (ستيبلكوين).
وقال الخبراء لـ"إيران إنترناشيونال" إن هذا القرار يعرّض مدّخرات الناس للخطر، وسيدفع رؤوس الأموال إلى الخروج من البلاد في ظلّ الانخفاض التاريخي لقيمة العملة.
والستيبلكوين (أو العملة المستقرة) هي عملة رقمية مصممة للحفاظ على قيمة سعرية مستقرة، وذلك عادةً بربطها بأصل آخر مثل عملة ورقية (كالدولار الأميركي أو اليورو) أو سلع مثل الذهب. هدفها الرئيسي هو توفير بديل مستقر لتقلبات الأسعار العالية في العملات المشفرة التقليدية، مما يجعلها أكثر ملاءمة للمعاملات الرقمية وتحويلات الأموال.
خبير اقتصادي يقيم في طهران- فضّل عدم ذكر اسمه- أكد لـ"إيران إنترنشنال" أن "القيود على العملات المستقرة لن توقف الطلب على الدولار، بل ستدفعه إلى العمل في الخفاء".
وأقرّ المجلس الأعلى للبنك المركزي في أواخر الشهر الماضي سقف شراء سنوي قدره 5000 دولار لكل فرد، وحدًا أقصى لامتلاك 10 آلاف دولار من العملات المستقرة.
وجاء هذا القرار فيما كان الريال الإيراني قد وصل مطلع هذا الشهر إلى أدنى مستوى تاريخي له، إذ بلغ 1,170,000 ريال مقابل الدولار الواحد.
وحدث هذا الانهيار بعد إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة إثر تفعيل "آلية الزناد" من قِبل الدول الأوروبية، وما رافق ذلك من مخاوف بشأن الأنشطة النووية الإيرانية. ووقت نشر هذا التقرير، كان سعر الريال يراوح عند نحو 1,140,000 مقابل الدولار.
حتى بعض المسؤولين الحكوميين انتقدوا هذا القرار. فإحسان جیت ساز، مساعد وزير الاتصالات، كتب على منصة "إكس": "الكارثة حين يتخذ صانع القرار قرارًا بنية حسنة، لكن على أسس خاطئة وبغضّ الطرف عن الأدلة؛ النتيجة لن تكون سوى إضعاف الحوكمة، وتآكل الثقة العامة، وتهديد ممتلكات الناس، وتقويض مصداقية المؤسسات".
ردّ فعل نشطاء سوق العملات المشفّرة
ووصف نشطاء سوق العملات المشفّرة في حديثهم إلى "إيران إنترناشيونال" هذه الحدود الجديدة بأنها "غير عملية وعقابية".
فرزاد، متداول يبلغ من العمر 29 عامًا من طهران، قال: "في كل مرة تعجز فيها الحكومة عن إيجاد حلّ لانهيار العملة، تشدّد القيود أكثر. باسم التنظيم، يُحمّلون الناس وحدهم عبء الأزمة. عندما ينهار السوق، نقع نحن في الفخ: لا نستطيع تسييل أصولنا ولا حمايتها".
وقال برهام، البالغ من العمر 25 عامًا من طهران: "حتى مستوى إنفاق الناس تحدده الحكومة بحسب وظائفهم؛ خمسون مليار ريال للعاطلين ومئتا مليار لأصحاب الرواتب. هذه القيود تقتل روح الابتكار وتدفع الناس إلى المسارات غير الرسمية".
وأشار إلى تعميم آخر للبنك المركزي صدر الأسبوع الماضي وضع حدودًا تصاعدية للمعاملات بالريال، من بينها سقف 200 مليار ريال للعاملين، و50 مليارًا للعاطلين، و5 مليارات للكيانات غير النشطة.
الخبير الاقتصادي المذكور قال إن هذه اللوائح والحملة الإعلامية المصاحبة لها محاولة للسيطرة المصطنعة على السوق.
وأضاف: "سقف الخمسة آلاف دولار من عملة "التيثر" لا علاقة له بالاستقرار، بل هو غطاء للتلاعب. إنهم يمتصّون السيولة بذريعة التنظيم لكسب الوقت، بينما يواصل الريال هبوطه. الخوف من تجميد الأصول يثير الذعر ويدفع الناس لبيعها بخسارة".
كانت وكالة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري قد أفادت بأن "آلاف العناوين في شبكة "التيثر" تمّ تجميدها حتى الآن، وأصبحت أصولها فعليًا غير قابلة للوصول".
ثم دعت هذه الوكالة إلى فرض رقابة أكثر صرامة على منصّات التداول مثل "نوبیتكس".
توسّع السوق السوداء
وحذّر الخبراء من أن هذه القيود ستؤدي إلى نمو الاقتصاد الموازي. وقال سعيد رضا مراديان من صرافة "OTC": "سقف التيثر البالغ 5000 دولار سيؤدي إلى انتشار الحسابات الإيجارية".
كما كتب مستخدمون على وسائل التواصل أن حاجة الناس لن تختفي، بل ستنتقل إلى منصّات أجنبية وغير شفافة.
ورصدت "إيران إنترناشيونال" أيضًا إعلانات يقدّم فيها أشخاص عروضًا لتأجير أرقامهم الوطنية للاستفادة من حصة الخمسة آلاف دولار من العملات المستقرة.
ويدّعي مسؤولو البنك المركزي أن هذا الإجراء ضروري لمنع خروج رؤوس الأموال، وأن أمام المستخدمين شهرًا واحدًا للامتثال للوائح الجديدة. لكن متداولي العملات المشفّرة يرون هذا القانون "غير قابل للتطبيق".
وقال فرّخ، متداول مقيم في طهران: "لا يمكن التحكم بالأصول الرقمية بأدوات مصرفية متقادمة. عندما تُفقد الثقة، لا ينتظر الناس؛ يخرجون أموالهم من البلاد بأي وسيلة ممكنة".
وتُظهر تصريحات النشطاء الاقتصاديين اتّساع الفجوة بين السياسات الرسمية والسلوك العام. فالكثير من العائلات والمتداولين الصغار الذين كانوا يستخدمون "التيثر" سابقًا لحماية أصولهم من التضخم، أصبحوا اليوم عالقين بين خرق القوانين أو خسارة مدخراتهم.
بالنسبة لكثير من الإيرانيين الذين يواجهون موجة جديدة من انهيار الريال وعودة عقوبات الأمم المتحدة، يُعدّ قرار البنك المركزي ضربة جديدة لاستقلالهم المالي؛ إجراءً يقول الخبراء إنه سيضيّق المسارات القانونية، ويوسّع التجارة غير الرسمية، ويعمّق الفجوة بين الناس والنظام المصرفي الذي يعاني أصلًا من أزمة ثقة.