وقال ضابط هجرة في مطار الخميني بطهران، طلب عدم كشف هويته، لقناة "إيران إنترناشيونال": "قبل الحرب، كانت معظم الرحلات التي نديرها سياحية. لكن منذ حرب الـ12 يوماً في يونيو، تضاعف عدد المغادرين مرات عدة، وكثير منهم لم يعودوا بعد شهر أو شهرين؛ لقد قرروا ألا يعودوا".
وبحسب قوله، لم يعد الأمر مقتصراً على الشباب فقط، بل إنّ أشخاصاً في منتصف العمر وحتى مسنين يغادرون أيضاً سعياً للنجاة من التهديدات المباشرة وغير المباشرة للحرب.
بجمان، 46 عاماً، مصمم مستقل يعمل عن بُعد، روى أنه بعد عامين من الإقامة في تبليسي – جورجيا عاد إلى طهران ليبني حياة جديدة، إذ كان يحقق دخلاً يقارب 3 آلاف دولار شهرياً، استأجر شقة واسعة، جهّزها بالأثاث، واشترى سيارة. لكن الحرب مع إسرائيل قلبت كل شيء.
وقال: "هذه الحرب أجبرتني على مغادرة طهران وطلبت من عائلة زوجتي أن تبيع كل شيء وترسل لي الأموال. لا أستطيع العودة، فقد يتم اعتقالي بسبب عملي مع شركات أجنبية".
وأضاف عن موجة الاعتقالات والإعدامات: "بعد الحرب مع إسرائيل، اعتُقل أكثر من 20 ألف شخص، معظمهم بتهمة التعاون مع دول معادية أو التجسس لإسرائيل".
وأوضح: "لا يهمهم إن كنت تعمل بشكل قانوني ودون أي نشاط سياسي. أحد أصدقائي اعتُقل واتُّهم بالتجسس فقط لأنه يعمل مع شركات أميركية".
زوجته أكدت بدورها: "بعنا السيارة، بعنا أثاث المنزل، بعنا كل شيء. لم يكن هناك خيار آخر. كنا نرتعد مع كل طرق على الباب خشية أن يكون رجال الأمن جاءوا لاعتقال زوجي". الأسرة الآن في تركيا بانتظار العثور على طريق للذهاب إلى ألمانيا.
بهروز، 51 عاماً، مترجم عبر الإنترنت من طهران، قال إن الانقطاعات اليومية للكهرباء والإنترنت قضت على دخله من العمل مع شركات بريطانية وأميركية في مجال الترجمة.
وأوضح: "قبل ستة أشهر كنت أترجم خمس إلى ست ساعات يومياً لمهاجرين ومرضى في المستشفيات والمحاكم وخدمات اجتماعية في الخارج. انقطاع الكهرباء خفّض هذا إلى ثلاث أو أربع ساعات، ومنذ الحرب أضيفت قيود الإنترنت، والآن بالكاد أعمل ساعة أو ساعتين يومياً". هو وعائلته يستعدون الآن لبيع شقتهم لتأمين تكاليف الهجرة.
وأضاف: "لا بد أن أذهب إلى مكان آمن تتوفر فيه شبكة إنترنت مستقرة. معظم الشركات التي أعمل معها أميركية، وقد أُعتقل بتهمة التعاون مع دول معادية".
زوجته شرحت خطتهم: "سنذهب إلى بلد لا يحتاج إلى تأشيرة مثل تركيا أو أرمينيا أو حتى قطر، ثم نفتح ملف هجرة. هذه الهجرة لم نكن نريدها، لكن النظام أجبرنا عليها".
وتابعت حول الفارق في الدخل: "هنا يعطونك 200 إلى 300 دولار شهرياً. عندما وجد زوجي أخيراً عملاً عن بُعد بدخل عشرة أضعاف، لم يسمح لنا رجال الدين أن نعيش بسلام".
وبرأيها، فإن سبب القيود على الإنترنت هو خوف النظام: "إنهم يقيّدون الإنترنت لأنهم يخشون السقوط. إنهم يخافون من كل شيء ومن كل شخص، ويضحّون بالشعب ليبقوا في السلطة".
مغادرة بلا عودة
من شبابيك مكاتب المطار إلى البيوت التي أُخليت على عجل، يروي من تحدّثت إليهم "إيران إنترناشيونال" أنهم لا يقومون برحلة قصيرة بل يطوون صفحة حياتهم في إيران نهائياً.
بالنسبة لعائلة بجمان، كان الخوف من الاعتقال هو الدافع، أما عائلة بهروز فدفعتها المعاناة المعيشية في ظل انقطاع الكهرباء والإنترنت.
لقد حوّلت تداعيات الحرب التي استمرت 12 يوماً السفر إلى هجرة بلا عودة: منازل بيعت، مدارس تُركت، مدخرات تحولت إلى تذاكر سفر، ومستقبل مظلم لم يعد كثيرون يجرؤون على استعادته.