وبمراجعة محتوى هذه الوسائل الإعلامية يتضح أن النظام الإيراني يمهّد لخيارات تصعيدية محتملة، من بينها الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، رغم محاولة بعض الشخصيات الدبلوماسية الإيرانية تصوير هذه المواقف على أنها "شخصية" أو "غير رسمية".
وكتبت صحيفة كيهان، التي تُصدر تحت إشراف ممثل المرشد الإيراني، علي خامنئي، في ردّ شديد اللهجة: "جواب إيران لا يتجاوز جملة واحدة: الانسحاب من الـ(NPT) . هذا القرار سيكون صفعة قاسية تغيّر ليس فقط حسابات أميركا وأوروبا، بل معادلات القوة في المنطقة بأسرها". وأضافت الصحيفة أن "بقاء إيران في هذه المعاهدة لا يعني سوى الاستخفاف بالاستقلال الوطني".
وجدير بالذكر أن حسين شريعتمداري، مدير صحيفة كيهان، المُعيّن من قِبل علي خامنئي، سبق أن دعا مرارًا في السنوات الماضية إلى الانسحاب من معاهدة (NPT)، إلى جانب طرحه خيار إغلاق مضيق هرمز، بذريعة مختلفة.
ووصفت صحيفة "وطن امروز" بدورها الانسحاب من (NPT) والبروتوكول الإضافي بأنه "نقطة تحوّل" في السياسة النووية الإيرانية، معتبرة أن هذه الخطوة ستُظهر أن إيران "مستعدة للمضي حتى النهاية في هذا المسار".
أما صحيفة جوان، المقرَّبة من الحرس الثوري الإيراني، فقد اعتمدت خطابًا أمنيًا، واعتبرت أن الهدف من تفعيل "آلية الزناد" هو "تقييد البنية الدفاعية لإيران"، مقترحةً أن ترد طهران إمّا بـ "انسحاب مشروط من معاهدة NPT" أو عبر إحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية.
وفي المقابل، حذّر بعض المسؤولين الدبلوماسيين الإيرانيين السابقين من هذه الأجواء التصعيدية؛ حيث شدّد الرئيس الأسبق لمنظمة الطاقة الذرية ووزير الخارجية السابق، علي أكبر صالحي، على أن القرارات من هذا النوع تقع حصرًا ضمن صلاحيات المرشد الإيراني. وقال: "لا يحق للبرلمان أو غيره من مؤسسات الحكم اتخاذ موقف دون الرجوع إلى القيادة"، معتبرًا أن مثل هذه التصريحات تتيح "للأطراف المعادية استغلال الوضع" وتزيد من تعقيد المعضلات الدبلوماسية.
وفي السياق نفسه، صرّح النائب في البرلمان الإيراني، منوشهر متكي، بأن طهران "تضع يدها على الزناد" فيما يتعلق بالانسحاب من ((NPT. بينما أكّد النائب علی رضا سلیمی أن "آلية الزناد" ذات "تأثير نفسي أكثر من كونه عمليًا"، مذكّرًا بأن إيران سبق أن تجاوزت عقوبات أشدّ.
وبالتوازي مع ذلك، ادّعى مساعد القائد السياسي للحرس الثوري، يدالله جواني، أن تفعيل "آلية الزناد" لن يؤدي إلى أزمة اقتصادية كبرى في إيران، مضيفًا أن "عودة العقوبات لا تُضفي شرعية قانونية على أي عمل عسكري ضد البلاد".
وكانت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي قد أصدرت، عقب رسالة الدول الأوروبية الثلاث، توجيهًا سريًا إلى مديري ورؤساء تحرير الصحف، طالبت فيه بفرض قيود صارمة على كيفية تغطية هذا الملف.
وتضمّن التوجيه الحكومي تعليمات للإعلام بضرورة الاستعانة بخبراء إقليميين وتحليلات تُظهر "ضعف أوروبا" و"ارتهانها للولايات المتحدة"، مع التركيز على إبراز "قدرة إيران على مواجهة العقوبات".
وهذا التصعيد الإعلامي المنسّق من جانب المؤسسات المرتبطة بالأجهزة الأمنية ومكتب المرشد يأتي، بحسب تقديرات محللين، في إطار سعي الجمهورية الإسلامية لاستثمار الموقف سياسيًا وأمنيًا، لا سيما عبر التلويح بخيار الانسحاب من معاهدة ((NPT. ورغم محاولة بعض المسؤولين والدبلوماسيين التخفيف من وقع هذه التهديدات وربطها بمواقف غير رسمية، إلا أن تبعية هذه الوسائل الإعلامية لمؤسسات الحكم والأمن توضح العكس تمامًا.