وأضافت الصحيفة البريطانية، يوم الأربعاء 20 أغسطس (آب)، في تقرير تحقيقي أن علي خاني منذ عام 2019 استخدم شركة بنمية تُدعى "أوشن غلوري جاينت" (Ocean Glory Giant) لإطلاق شبكة معقدة لتغطية معاملات النفط الإيراني.
وكشفت تحقيقات لاحقة لـ"فايننشال تايمز" ومجموعة الأبحاث غير الربحية "C4ADS" أن هذه السفن، خلافاً لما ادعاه علي خاني في البداية، كانت تُستخدم أساساً لنقل نفط إيران وفنزويلا ولاحقاً روسيا، إلى الصين غالباً.
وفي معاملات علي خاني، لم يكن واضحاً من هم المشترون الفعليون للنفط.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024، تعرضت شركة "أوشن غلوري" لعقوبات أميركية بسبب ملكيتها لناقلة أخرى يُقال إنها حملت النفط الخام الإيراني. كما أُدرجت ما لا يقل عن 20 ناقلة أخرى كانت تحت رهن هذه الشركة لاحقاً في قائمة العقوبات الأميركية بسبب نقل النفط الخاضع للعقوبات.
كيف بدأت هذه الشراكة؟
قدم علي خاني مقترحا لمحامٍ في سويسرا، بإنشاء شركات خارجية وتسجيل "رهن بحري" على الناقلات، بحيث تعمل هذه السفن كضمان في المعاملات مع المشترين الصينيين؛ بمعنى أنه إذا لم يُدفع ثمن النفط، تنتقل ملكية السفينة إلى الشركة.
وذكر المحامي، الذي رفض كشف اسمه، أن التحقيقات الأولية، بما في ذلك البحث عن اسم علي خاني في قوائم العقوبات عبر الإنترنت، لم تُظهر أي سبب لرفضه كعميل.
وعندما طلب المحامي معلومات إضافية عن شركة "أوشن غلوري"، قال علي خاني إن الوكالة تعود لتاجر إيراني يُدعى أمان الله خلفي، مولود في فبراير (شباط) 1983 في طهران.
ومع ذلك، لم يُذكر اسم خلفي في وثائق تسجيل شركة "أوشن غلوري"، التي تضمنت أسماء ثلاثة مديرين جميعهم قدموا عنواناً مسجلاً في شمال الهند، وكانوا أيضاً مدراء لشركتين بنميتين أخريين هما "سي غلوري سيركل" و"ريد سي رينغ". وتم تسجيل هذه الشركات الثلاث وأوشن غلوري كلها في يوم واحد خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
وبخلاف الاجتماعين الشخصيين، جرت معظم الاتصالات بين علي خاني والمحامي عبر تطبيق الرسائل الصيني "وي تشات"، الذي طلب علي خاني من المحامي تثبيته.
ولتسيير عمليات الرهن، أنشأ المحامي شركة جديدة في جزر فيرجن البريطانية وسُجّل كمدير لها في مايو (أيار) 2019.
ولإضفاء الشرعية على العمل، قدم علي خاني مستندات لشحنات نفط من ماليزيا والبصرة.
تفاصيل الرهون البحرية لنقل نفط إيران
كانت إحدى أولى الرهون التي عالجها علي خاني تتعلق بمبلغ 24 مليون دولار لناقلة تُدعى "أفلوينس" (Affluence)، وهي سفينة عملاقة بطول 330 متر، تم تغيير اسمها لاحقاً إلى "سيريس 1".
وبالنظر إلى المبالغ الضخمة في تجارة النفط، يمكن لـ"سيريس 1" حمل أكثر من 120 مليون دولار من النفط. وعادةً يطلب التجار من المشترين تقديم خطاب اعتماد لضمان دفع ثمن الشحنة بعد التسليم.
ونظراً لأن العقوبات الأميركية دفعت البنوك إلى الامتناع عن التعامل مع الأطراف الإيرانية، أخبر علي خاني المحامي أن هذه الرهون البحرية تعمل كضمان بدلاً من النقد.
وبموجب هذا النظام، لم يُحول أي مال من المشتري الصيني إلى الشركة المسجلة في جزر فيرجن البريطانية، لكن إذا لم تحصل "أوشن غلوري" على ثمن النفط، يمكنها تنفيذ الرهن والاستحواذ على ملكية السفينة.
وقال المحامي لـ"فايننشيال تايمز": "كانت العملية دائماً واحدة. أستلم مسودة عقد الرهن، أتحقق من أن الطرف أو السفينة غير مدرجين في أي قائمة عقوبات، ثم أوقع الوثيقة".
وأضاف أن الرهون استمرت طالما كانت "أوشن غلوري" تتعامل مع الطرف المقابل، وأن بعض الرهون أُلغيت بعد أسابيع أو بعد الصفقة، لكن البعض الآخر استمر لسنوات. وفي بعض الحالات مثل سفينة "سيريس 1"، لم يُعثر على أي وثيقة لإلغاء الرهن.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2024، وخمسة أشهر بعد اصطدامها بسفينة أخرى في بحر الصين الجنوبي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على "سيريس 1".
وتوقف المحامي السويسري عن العمل في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بعد منع موظفيه من العمل كمدراء للشركات الخارجية مثل جزر فيرجن البريطانية، وقدم علي خاني لشخصين سويسريين آخرين، واستمروا باستخدام شركات "BVI" لتسجيل الرهون.
واستقال أحدهما في 2023، بينما توقف الآخر في 2024 بعد شكوكه حول طبيعة المعاملات.
وقالت كلير جونغمان، خبيرة تهريب نفط إيران ومديرة المخاطر البحرية في شركة "Vortexa"، إن هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها استخداماً كهذا للرهون البحرية، مؤكدة أن ذلك يعكس جرأة هذه الشبكات في المناطق الرمادية بين القانون البحري والتمويل والجغرافيا السياسية.
وأضافت أن شبكة تجارة النفط الإيرانية منذ 2019 أصبحت أكثر تعقيداً ولا مركزية، وتعتمد على شركات وهمية ووسطاء غير رسميين وسجلات تفضل تجاهل الواقع.
نقل النفط من إيران إلى الصين
وأظهرت مراجعات "فايننشال تايمز" أن السفن بدأت فوراً بعد الرهن بحمل النفط من إيران، وفي بعض الحالات من فنزويلا.
فعلى سبيل المثال، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، رست "سيريس 1" بجانب ناقلة أخرى في مضيق ملقا، ونقلت حوالي مليوني برميل من النفط الخام المحمّل من جزيرة "خارك" الإيرانية إلى الصين عبر عملية سفينة إلى سفينة.
وفقاً للتحليلات، خلال فترة الرهون، نقلت السفن المختلفة ما لا يقل عن 130 مليون برميل نفط بقيمة تقريبية 9.6 مليار دولار، وكانت نصف الشحنات تقريباً من إيران.
وبقي معظم هذه الشحنات، أي نحو 93 في المائة، في نهاية المطاف متجهة إلى الصين.
وبحسب سجلات بحرية بنمية، تم رهن ما لا يقل عن 30 ناقلة على مدى أربع سنوات بقيمة تقارب مليار دولار بنفس الآلية، وكانت كل ناقلة مسجلة باسم شركة قابضة منفصلة يديرها مدير صيني ذو خبرة عامة محدودة.
وعند زيارة مراسلي "فايننشيال تايمز" لبعض العناوين المسجلة لهؤلاء المدراء في الصين، غالباً ما وجدوا نساءً ورجالاً لا يعرفون شيئاً عن الناقلات المملوكة بأسمائهم بملايين الدولارات.
ومع ذلك، أظهرت أرقام الهواتف والتفاصيل الأخرى في وثائق الرهن أن بعض هذه الشركات القابضة مرتبطة بأشخاص وكيانات صينية خضعت لعقوبات أميركية خلال فترة رئاسة دونالد ترامب.
ويسلط هذا التقرير الضوء على كيفية تكوين شبكة عالمية من الشركات الوهمية والمحامين في أوروبا وأميركا اللاتينية لتجاوز العقوبات الدولية على النفط الإيراني.
وتأتي هذه الإفصاحات في وقت يسعى فيه ترامب مجدداً لإغلاق منافذ تصدير النفط الإيراني، ودراسة خيارات جديدة لعقوبات محتملة ضد موسكو.
وقال أندرو بولينغ، باحث في مجموعة "C4ADS"، إن هذه الشبكة النفطية ومورديها توضح بالتفصيل كيف انتشرت أدوات وتكتيكات مواجهة العقوبات الغربية بين الدول الخاضعة للعقوبات.
وأضاف أن دخول "أوشن غلوري" في نقل نفط روسيا وفنزويلا جعلها عملياً بمثابة "سمسار عظيم للنفط الخام الخاضع للعقوبات".
وذكرت "فايننشال تايمز" أن العديد من هذه الناقلات جزء من أكبر أساطيل النفط المظلمة في العالم، والتي يُحتمل أن تكون تحت سيطرة مالك نهائي واحد في الصين.
وأكدت الصحيفة أن الصين، بصفتها أكبر مستورد للنفط في العالم، لم تنكر أبداً شراء النفط الخاضع للعقوبات، وأن جزءاً كبيراً منه يُرسل إلى مصافي مستقلة تُعرف باسم "تي بات".
وفي العام الماضي، استوردت الصين يومياً حوالي 1.5 مليون برميل نفط من إيران وحوالي مليوني برميل من روسيا، أي ما يشكل نحو ثلث إجمالي وارداتها.