وبحسب ما نقلته" إسرائيل هيوم" عن دبلوماسيين مطلعين، فقد التقى ترامب ونتنياهو يومي الإثنين والثلاثاء، حيث احتفيا بما سموه "النصر في معركة إيران"، لكن خلف الكواليس ثمة انقسام عميق حول الهدف النهائي.
كلاهما يتفق على أن الهجمات أبطأت برنامج إيران النووي، لكن الاستخبارات تشير إلى أن النظام الإيراني لا يزال يمتلك مخزونات من اليورانيوم المخصب وقدرات تقنية غير مهملة لإعادة بناء البرنامج بسرعة.
ووفقًا لدبلوماسيين، فإن ما وصفوه بالنصر إنما هو "إنجاز تكتيكي قصير الأجل"، وليس نصرًا استراتيجيًا دائمًا.
ترامب يفضل الاعتماد على الدبلوماسية لمنع النظام الإيراني من الحصول على السلاح النووي-أمر يرفضه النظام الإيراني دائمًا- بينما يسعى نتنياهو لفرض ضغوط أقوى وربما نشر تغيير في النظام لإجبار طهران على التخلي الكامل عن تخصيب اليورانيوم، وهو ما يعتبره تهديداً وجودياً لإسرائيل.
ويمتد هذا الخلاف أيضًا إلى غزة. ترامب، في سعيه لتعزيز صورته كصانع سلام، يدعم الوصول إلى تهدئة جديدة بين إسرائيل وحماس، لكنه يرى أنه لا زالت هناك حاجة لتوضيح إطار عقد اتفاق نهائي.
أما نتنياهو، فعلى الرغم من دعمه الظاهري لمفاوضات وقف إطلاق النار، إلا أنه يؤكد أن الطريق الوحيد لإنهاء الحرب هو "القضاء الكامل على حماس"، ويطالب بنقل قادة التنظيم إلى الخارج، مثل الجزائر، وهو اقتراح قوبل بالرفض القاطع من قبل حماس.
وترى مصادر إعلامية أن الفجوة بين وقف مؤقت للقتال وتحقيق تسوية دائمة لا تزال كبيرة للغاية.
أوجه الخلاف
أحد أبرز أوجه الخلاف هو اعتراض نتنياهو الشديد على قرار واشنطن البدء مجددًا بالمفاوضات النووية مع النظام الإيراني في النرويج، وهي الخطوة الدبلوماسية الأولى بعد هجمات يونيو (حزيران).
وبحسب التقارير، فإن نتنياهو يعارض أي محاولة لتقديم حوافز اقتصادية أو سياسية لطهران.
وقالت مصادر مطلعة إن نتنياهو يسعى لاعتماد "نموذج ليبيا" في التعامل مع إيران؛ إزالة كاملة للبرنامجين النووي والصاروخي الخاضعين للإشراف الدولي، ووقف حتى النشاطات النووية السلمية.
ويرى محللون أنّ الهدف الإسرائيلي ليس التفاوض، بل إعادة تشكيل النظام في طهران. لكن نتنياهو لن يبدأ أي حملة عسكرية جديدة إلا بعد حصوله على موافقة أميركية واضحة، ناهيك عن دعم واشنطن العلني والفعلي.
رؤية مختلفة
من جهته، يرى ترامب في هذا التوقيت- بعد هجمات يونيو- فرصة لتحقيق حلمه القديم بالتوصل إلى "اتفاق تاريخي مع إيران"، يعيد الحياة إلى العلاقات الاقتصادية ويشكل إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا للولايات المتحدة.
كما أعلن استعداده لإلغاء بعض العقوبات على إيران، في حين أشارت تصريحات مسعود بزشكيان، رئيس حكومة النظام الإيراني، إلى أن المرشد الإيراني علي خامنئي يرى أن المستثمرين الأميركيين يمكنهم العمل بحُرية في البلاد.
النظام الإيراني يواجه الآن خيارين صعبين: إما مواجهة موجة هجمات جديدة، أو التراجع مع تحمل الإذلال الداخلي. ويعتقد محللون أنّه قد يلجأ إلى إطالة أمد المفاوضات لكسب الوقت دون التخلي عن برنامجه النووي بالكامل.
وفي حال فشلت المفاوضات، تتبنى إسرائيل سياسة "احتواء مستمر" عبر توجيه ضربات دورية تهدف إلى منع إيران من إعادة بناء بنيتها النووية، مع الحفاظ على الردع، دون حاجة لإعادة التصعيد الكلي.
وبحسب رؤيتها، فإن إسرائيل رائدة عسكرية لا تُقهَر في الإقليم، ومستعدة للتدخل مجددًا إذا اقتضى الأمر، دون الخوف من ردود فعل دولية.
موقف الولايات المتحدة المتناقض
على الرغم من وجود مراكز في واشنطن تدعم تغيير النظام الإيراني، إلا أن ترامب يرفض تكبد تكاليف سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة لتحقيق ذلك. الولايات المتحدة تبدي دعمًا في مجال التسليح لإسرائيل، لكنها تتبنى- حتى الآن- نهجًا أكثر حذرًا مع الضغط الاقتصادي والدبلوماسي كخطة رئيسية.
ويرى التقرير أن هذه الاستراتيجية تؤدي إلى نوع من "الركود الهش" الذي لا يبدو أن له نهاية واضحة.
وصف ترامب عملية 22 يونيو (حزيران) بأنها "ضربة محدودة ودقيقة"، محذرًا من أن أي خطوات غير متناسبة من قبل إيران قد تتسبب في اجتياح أوسع. ويستخدم تعبيرًا يوحي بأن برنامجه النووي "دُمّر"، ما يعني أنه يريد تقليل التوترات وتفادي تصعيد أكبر.
ويؤكد المحلل أليكس وتانكا أن هذه المواقف تعكس عدم رغبة ترامب في الدخول في تحديثات أكبر على المواجهة الإيرانية.
ويقول الدبلوماسي السابق آلَن إير، إن رغم تصريحات نتنياهو وحلفائه القوية، فإن لا وجود لخطة عملية لتغيير النظام. فحالة إيران تختلف عن العراق؛ إذ لا يوجد احتلال بري، ولا معارضة داخلية قوية كبديل حقيقي، خاصة بسبب السيطرة الأمنية الهائلة التي يملكها الحرس الثوري.
ورغم أن الولايات المتحدة قد تواصل تقديم الدعم العسكري لإسرائيل، إلا أن استراتيجيتها الأساسية تقوم على استخدام الضغوط الاقتصادية والمسار الدبلوماسي في التعامل مع النظام الإيراني، وهو ما أدى إلى حالة من "الجمود الهش" في العلاقة بين الطرفين.
نتنياهو: الفرصة الاستراتيجية عابرة
بحسب مصدر مقرّب من نتنياهو، يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن اللحظة الحالية تمثّل فرصة استراتيجية قصيرة الأمد لا ينبغي تفويتها. ومن وجهة نظره، فإن الوقت الراهن هو الأنسب لاتخاذ إجراء سريع وحاسم، قبل أن تتمكن إيران من استعادة قدراتها بعد الضربات التي تلقتها.
وأشار المصدر إلى أن البنية التحتية للدفاع الجوي في إيران قد تضرّرت، ومنشآتها النووية ضعُفت، وشبكاتها بالوكالة تعرّضت لضربات، وقدرتها على الردع أصبحت مهزوزة. إلا أن طهران قد تكون قادرة على تغيير هذا الوضع خلال بضعة أشهر فقط.
لذلك، يعتقد نتنياهو أن الحرب لم تنتهِ بعد، بل إنها دخلت مرحلة حاسمة يعتبرها "وجودية، واستراتيجية، ومصيرية".