وقال بن سبطي، كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، للصحيفة: "المشكلة في ثقافة هذا النظام. إذا تعاملت معهم فقط بالدبلوماسية دون أن تُظهر قوة، فإنهم يرونك ضعيفاً".
وأكد أن مقولة الرئيس الأميركي الأسبق ثيودور روزفلت، "تحدث بهدوء واحمل عصا غليظة"، ما تزال تنطبق على التعامل مع طهران"، مضيفاً: "من دون تهديد حقيقي، لا يمكن لأي اتفاق أن يصمد".
وأشار بن سبطي إلى أن الضربات الجوية الأميركية التي نُفذت في يونيو (حزيران) استهدفت منشآت رئيسية مثل فُردو، نطنز، وأصفهان، ما أدى إلى إبطاء دورة إنتاج اليورانيوم المخصب، لكنه حذر من أن ذلك لا يعني زوال الخطر نهائياً: "نحن لم نقضِ عليهم. هذا النظام يمكنه أن يعاود النهوض".
وفي تعليق له، شبّه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، البرنامج النووي والصواريخ الباليستية للنظام الإيراني بـ"ورمين سرطانيين" هددا حياة إسرائيل، وقال: "بفضل التعاون مع الولايات المتحدة، أزلنا هذين الورمين، لكن إزالة الأورام لا تعني انتهاء المرض".
وفي تحليل نشرته في "ذا كونفرسيشن"، قالت الدكتورة آنا إريكسون، أستاذة الهندسة النووية في جامعة جورجيا تك، إن الهجمات الأخيرة ركّزت على أجهزة الطرد المركزي التي تتيح إنتاج يورانيوم عالي التخصيب.
وأضافت أن إيران كانت تمتلك قبل الهجوم أكثر من 13 ألف جهاز طرد مركزي متطور من طرازات "IR-4" و"IR-2m" و"IR-6"، التي تتميز بسرعتها العالية في التخصيب مقارنة بالأنواع الأقدم.
وذكرت أن الطراز "IR-6" قادر على رفع تخصيب اليورانيوم من 60% إلى مستوى الاستخدام العسكري خلال أسابيع، في حين أن الطراز التجريبي "IR-9" يمكنه إنجاز هذه العملية بخُمس الزمن المطلوب.
ورغم الهجوم، ما يزال من غير الواضح ما إذا كانت مخزونات إيران من اليورانيوم عالي التخصيب، التي قُدّرت بنحو 400 كيلوغرام قبل الحرب، قد دُمرت بالكامل أم لا.
في الوقت نفسه، أعلن الجيش الإسرائيلي أن البُنية التحتية لإنتاج الصواريخ بعيدة المدى في إيران تعرضت لأضرار جسيمة، وأن قدرة النظام على استئناف الإنتاج الواسع لهذه الصواريخ قد تأجلت حتى عام 2027.
وأوضح بن سبطي أن العملية العسكرية المشتركة بين أميركا وإسرائيل استهدفت، إلى جانب المنشآت النووية والعسكرية، شخصيات محورية في الحرس الثوري ومقرات قيادية وحتى سجن إيفين. وأضاف: "لو استمرت الهجمات لأيام قليلة أخرى، لربما لم يتبقّ شيء من النظام الإيراني".
عزلة إقليمية وضعف محور المقاومة
قال مناحم مرحافي، الباحث في معهد هاري ترومان بالجامعة العبرية في القدس، للصحيفة إن طهران اليوم أكثر عزلة من أي وقت مضى: "هذه الحرب أظهرت أن النظام الإيراني لا يملك حليفاً حقيقياً".
وأشار إلى أن ما يُعرف بمحور المقاومة – من الحوثيين في اليمن إلى الجماعات الوكيلة في العراق وسوريا وغزة ولبنان – تعرض لضربات شديدة، ومن غير المرجح أن يتمكن من إعادة تشكيل نفسه في المستقبل القريب.
وأضاف: "خلال السنوات الخمس المقبلة، سيضعف هذا المحور إلى حد كبير، إن لم يكن سيختفي كلياً".
منذ هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، نفذ الجيش الإسرائيلي ضربات منتظمة ضد الفصائل الموالية لطهران، ويقول اليوم إنه بات يسيطر على 70% من قطاع غزة.
وفي لبنان، قُتل نحو 4 آلاف مقاتل من حزب الله، بينهم قادة كبار، خلال الحرب مع إسرائيل التي انتهت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
ورغم هذه الخسائر، حذر مرحافي وبن سبطي من المبالغة في توقع سقوط النظام، إذ قال مرحافي: "تغيير الأنظمة لا يتحقق غالباً عبر القصف فقط".
بعد خامنئي… سيناريو انقلاب من الداخل؟
وأشار شايان سميعي، خبير الأمن القومي، إلى أن سلوك النظام الإيراني يظهر غياب أي نية حقيقية للتسوية: "من جهة يهددون غروسي بالإعدام ويرفضون التعاون مع الوكالة الدولية، ومن جهة أخرى يدّعون أنهم كانوا في صدد التفاوض، وأن أميركا وإسرائيل هما من بادرتا بالهجوم".
ومع اقتراب المرشد الإيراني علي خامنئي، البالغ من العمر 86 عاماً، من نهاية حكمه، تُطرح أسماء مثل مجتبی خامنئي، وصادق لاريجاني، ومحسن أراكي، وحسن خميني كورثة محتملين.
وقال مرحافي إن هؤلاء المرشحين سيظلون على الأرجح أوفياء للخط الأيديولوجي للنظام، لكن قد يتصرفون بحذر أكثر: "ربما تعلموا أن خطب خامنئي كلّفت النظام ثمناً باهظاً".
أما بن سبطي، فطرح احتمال سيناريو شبيه بما حدث في الاتحاد السوفيتي: "يمكن أن يحدث الانهيار فجأة، خلال ساعتين أو شهرين. الغضب الشعبي مكبوت منذ سنوات".
وشدد على أن التغيير الحقيقي لن يأتي إلا من داخل النظام، عبر انقلاب يقوده ضباط في الحرس الثوري أو الجيش: "إذا جاء التغيير من القاعدة الشعبية، فسيكون عنيفاً للغاية. يجب أن يأتي من القمة".
دعم دولي ضروري للشعب الإيراني
وفيما تُطرح مفاوضات نووية جديدة بين ستيف ويتكوف، المبعوث الأميركي الخاص، ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في أوسلو، كان ترامب قد أعلن رفضه الكامل للحوار، وكتب على منصة "تروث" الاجتماعية: "أنا لا أقدّم أي عرض لإيران، ولن أتحدث معهم. لقد دمرنا منشآتهم النووية بالكامل".
لكن بن سبطي حذر من أن الحرب وحدها غير كافية، مشدداً على أن الدعم العلني من أميركا للشعب الإيراني أمر أساسي في مسار التغيير، مضيفا: "التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث إلا عندما يدرك الإيرانيون أن العالم يقف إلى جانبهم".
وانتقد غياب رسالة مباشرة من ترامب إلى الإيرانيين، وقال: "الشعب الإيراني ينصت إلى رئيس الولايات المتحدة، وليس إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي. إسرائيل بنظرهم دولة صغيرة".
وكان نتنياهو قد وجّه في 13 يونيو (حزيران) رسالة مصورة إلى الشعب الإيراني قال فيها إن الهدف من العملية العسكرية هو "فتح الطريق نحو الحرية"، لكن واشنطن لم تصدر حتى الآن رسالة مماثلة.