ووفقًا لهذا التقرير، فإن الدول الأوروبية تخشى من أن يكون الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد فقد اهتمامه باستقرار الوضع في إيران، بعد الهجوم الأخير على منشآتها النووية، وذلك بعدما شدد مرارًا في الأيام الأخيرة على أن البرنامج النووي لطهران قد "دُمّر".
واعتبرت "الغارديان" أن هذا المسار يعكس التراجع التدريجي لنفوذ أوروبا في معادلات الشرق الأوسط.
مساعي أوروبا لاستعادة نفوذها في المنطقة
في 30 يونيو (حزيران) الماضي، تواصلت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، مع وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، وطلبت السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طهران.
وفي اليوم نفسه، أجرى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أول مكالمة منذ ثلاث سنوات مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، ناقش فيها خطر انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. وتضمّن هذا الاتصال أيضًا بحث إمكانية التوصل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن حول برنامج نووي مدني محدود في إيران.
ومن جانبها، ترى إيران أن الهجمات الإسرائيلية والأميركية على أراضيها جرت بدعم أوروبي، ولهذا لا تثق كثيرًا بدور أوروبا أو قدرتها على التأثير في قرارات البيت الأبيض.
تراجع نفوذ أوروبا
تُظهر التطورات الأخيرة أن نفوذ أوروبا في دبلوماسية الشرق الأوسط آخذ في التراجع.
ولم يكن لدول "الترويكا" الأوروبية، المؤلفة من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، التي لعبت سابقًا دورًا محوريًا في الدبلوماسية النووية ومفاوضات الاتفاق النووي السابق (برجام)، حضور أو تأثير بارز في المباحثات الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران، والتي قادها مبعوث ترامب الخاص لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.
وعلمت الدول الأوروبية بالضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية قبل ساعة واحدة فقط من وقوعها. كما أن الاجتماع الأخير بين وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مع عراقجي في جنيف، لم يسفر عن نتائج تُذكر.
وصرّح ترامب، بعد الضربات الأميركية، قائلاً: "إيران لا تريد التحدث إلى أوروبا. يريدون التحدث معنا. أوروبا لا تستطيع أن تقدم شيئًا".
انتقادات إيران لأوروبا
أضافت "الغارديان" أن طهران تعتبر أوروبا منذ مدة طويلة شريكًا "مخيّبًا للآمال" في العملية التفاوضية.
فعندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، أصدرت "الترويكا الأوروبية" بيانًا مشتركًا نددت فيه بالانسحاب، لكنها لم تتخذ أي خطوات مستقلة لإلغاء العقوبات.
وقال عباس عراقجي، في مقابلة مع الصحيفة البريطانية: "ربما كنا نتحدث مع الأشخاص الخطأ".
الخلافات الأوروبية الداخلية
كشفت الهجمات الإسرائيلية على إيران عن خلافات واضحة بين مواقف الدول الأوروبية.
فبينما لم تُصدر بريطانيا أي موقف علني، بدا أنها تعتبر تلك الضربات غير قانونية. وفي المقابل، وصفت فرنسا العملية العسكرية الإسرائيلية بأنها غير شرعية بشكل صريح، في حين دعّمت ألمانيا بشكل كامل تلك الضربات.
وفي اجتماع مجموعة السبع، قال المستشار الألماني، فريدريش مرتس، مشيدًا بالهجمات: "إنها مهمة قذرة تقوم بها إسرائيل بالنيابة عنا جميعًا".
أما وزير خارجية ألمانيا، يوهان وادفول، فأكد أن عمليات إسرائيل والولايات المتحدة لتقويض البرنامج النووي الإيراني ستجعل المنطقة أكثر أمنًا.
المسارات المحتملة
تواجه أوروبا الآن خيارين متباينين: إما اتباع النهج المتشدد لألمانيا، الداعي إلى التنسيق الكامل مع إسرائيل وإعادة فرض العقوبات على إيران، أو السير على نهج فرنسا الداعي إلى التهدئة والدبلوماسية.
وفي هذا الإطار، اقترح المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية حلًا وسطًا يتمثل في إدارة تخصيب اليورانيوم الإيراني عبر "كونسورتيوم إقليمي" بدعم من الولايات المتحدة.
ورغم أن تأثير أوروبا في احتواء أزمة الأسلحة النووية في الشرق الأوسط لا يرقى إلى مستوى تأثير واشنطن، فإنها لا تزال تملك أدوات دبلوماسية قادرة على أداء دور فعّال.