مع تصاعد أزمة الشرعية.. حملة دعائية شاملة للنظام الإيراني لـ"إعادة ترميم" صورة المرشد

أمير سلطاني ‌زاده
أمير سلطاني ‌زاده

"إيران إنترناشيونال"

في ظل أزمة شرعية المرشد علي خامنئي بعد الحرب بين إيران وإسرائيل، أعلن بعض مراجع التقليد في قم إصدار حكم "الحرابة" ضد من ينتقدون المرشد أو يهددونه.

وبات خطر اغتيال شخصيات مثل دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو يُطرح الآن في شكل فتوى دينية. لكن، في عصر تراجع التدين الشعبي، هل ستُنفذ مثل هذه الأحكام من قبل أفراد داخل إيران، أم يجب انتظار تنفيذها من قبل متعاقدين خارجيين في دول أخرى؟ تماماً كما حدث مع فتوى قتل سلمان رشدي التي طُبقت بعد سنوات من وفاة آية الله الخميني.

أزمة شرعية ما بعد الحرب

لم تخلّف الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل تداعيات استراتيجية وأمنية في المنطقة فقط، بل أحدثت أيضاً واحدة من أعمق الهزات في شرعية النظام داخلياً.

الأنباء التي تحدثت عن هروب علي خامنئي واختبائه أثناء القصف الصاروخي شكّلت ضربة قوية لصورته الروحية والسياسية. فالقانون الذي يضع "الشجاعة" كشرط أساسي للقيادة الدينية، يواجه اليوم واقع "الخوف".

تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن معرفته بمكان اختباء خامنئي و"إنقاذه من موت مذلّ"، فاقمت أزمة الشرعية. هذا الوضع دفع النظام الإيراني نحو حملة دعائية شاملة لإعادة ترميم صورة المرشد.

وخلال أيام الحرب، التزم معظم مراجع التقليد في الحوزة العلمية في قم الصمت، دون إصدار دعم صريح للمرشد أو إدانة للهجمات الإسرائيلية. ولكن، بعد أن هدأ الوضع، دخل بعض رجال الدين على الخط بإصدار فتاوى شديدة اللهجة.

حسين نوري همداني، بمساواته بين خامنئي و"أصل الإسلام"، أعلن أن أي مساس به يعد "حرابة لله". كما اعتبر ناصر مكارم شيرازي أن التهديد للقيادة هو بمثابة عداء للأمة الإسلامية، ويستوجب حكم "الحرابة". وكل تعاون مع هذا التهديد هو حرام، ويستوجب العقوبة في الدنيا والآخرة، حسب رأيهم.

عودة فتاوى القتل إلى السياسة

تُعيد هذه الأحكام إلى الأذهان فتوى آية الله الخميني بقتل سلمان رشدي. تلك الفتوى التي نُفذت عملياً بعد عقود، عندما تعرّض رشدي لهجوم في الولايات المتحدة. واليوم، ومع الإشارات غير المباشرة إلى "أعداء الإسلام" و"مهددي القيادة"، يبدو أن هناك توجهاً لإعادة استخدام الفتوى كأداة للاغتيالات السياسية.

لكن يبرز سؤال جوهري: هل هناك في إيران اليوم من الشبان من ينفذ مثل هذه الأحكام؟ في بلد يبتعد شبابه أكثر فأكثر عن الدين الرسمي، ويرون المرجعية الدينية كجزء من السلطة وليس كرمز للروحانية، فإن تنفيذ مثل هذه الأحكام يبدو غير واقعي، بل أقرب إلى حلم بعيد. وربما، كما في حالة رشدي، سيُترك التنفيذ لأتباع النظام في العراق أو لبنان أو دول أخرى تخضع لنفوذ إيران.

المرجعية الدينية أصبحت اليوم شريكاً اقتصادياً للسلطة، معتمدة بشكل متزايد على ميزانية الدولة، والثروات النفطية، والبنى التحتية المالية العامة. تُضخ مليارات التومانات من المال العام إلى الحوزات والمكاتب الدينية، من دون أي شفافية في كيفية إنفاقها أو فاعليتها. هذا الوضع لم يعزل المرجعية عن الشعب فحسب، بل جعلها جزءاً من هيكل القوة الأوليغارشية.

في هذا السياق، تغيرت وظيفة الفتوى والحكم الشرعي. فالأحكام التي كانت سابقاً تعكس اجتهاداً فقهياً أو أخلاقياً مستقلاً، باتت اليوم أشبه بأداة لتبرير سياسات النظام. حين يصدر حكم "الحرابة" بحق منتقدي القيادة، فهو لا يهدف إلى حماية الدين، بل يبدو أنه يُصدر لحماية هيكل تشترك فيه المرجعية أيضاً.

ناصر مكارم شيرازي، المعروف إعلامياً بلقب "سلطان السكر"، متهم منذ سنوات بالاستفادة من احتكار استيراد السكر في إيران. الشركات المرتبطة بأقاربه جنت أرباحاً ضخمة من استيراد مئات آلاف الأطنان. أما حسين نوري همداني، فهو من المراجع الذين ارتبطت أسماؤهم بقضايا أراضٍ وعقارات حكومية. الوثائق المنشورة تشير إلى تلقيه أراضي ثمينة باسم مكتبه، ومشاركته في مشاريع اقتصادية شبه حكومية.

الدين السياسي في منحدر السقوط

كشفت الحرب التي دامت 12 يوماً، بكل تبعاتها، عن فصل جديد في تآكل رأس المال الاجتماعي لإيران. أزمة الثقة في المرجعية، وتراجع النفوذ الروحي لرجال الدين، والانفصال بين الأجيال والنظام الديني، كلها تشير إلى أن الشرعية الدينية لم تعد دعامة مضمونة للنظام.

في هذا المناخ، لم تعد الفتوى حكماً دينياً فقط، بل وثيقة ملكية لمصالح متشابكة بين السلطة والدين. صار المراجع، بدل أن يكونوا منارات للهداية، أشبه بحراس بوابات الثروة والسلطة، لكن بعباءة على الكتفين ومسبحة في اليد. وربما بات تنفيذ مثل هذه الأحكام من نصيب "المتعهدين الخارجيين"، لأن في إيران، لم يعد كثيرون يرفعون رؤوسهم إلى السماء عند سماعهم "حكم حرابة".

إذا كان الخميني قد هزّ العالم ذات يوم بفتوى واحدة، فإن فتوى "الحرابة" اليوم قد لا يتردد صداها إلا في الإعلام الحكومي، لا في شوارع وأزقة إيران. فالقوة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، باتت تتلفع بعباءة الدين من دون أن تضمن إيمان المتلقين.