بعد تصريح ترامب بشراء الصين للنفط الإيراني.. لكن هل تستطيع طهران التوصيل؟

دالغا خاتين أوغلو
دالغا خاتين أوغلو

محلل اقتصادي في شؤون الطاقة

تصريح مفاجئ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الصين يمكنها الآن شراء النفط الإيراني جذب فورًا عناوين الأخبار، لكنه أيضًا أثار بعض الدهشة والعديد من الأسئلة.

جميع العقوبات الأميركية المفروضة على النفط الإيراني لا تزال سارية بشكل صارم، ولم يقدّم الرئيس أي توضيح بشأن ما إذا كان تعليقه يمثل تحولًا رسميًا في السياسة أم أنه مجرد إشارة للتساهل.

تقرير سري صادر عن وزارة النفط الإيرانية، حصلت عليه قناة "إيران إنترناشيونال"، يشير إلى أنه حتى لو تم رفع العقوبات، فإن إيران لم تعد قادرة على زيادة صادراتها بشكل كبير.

تآكل القدرة

ووفقًا لبيانات حصرية حصلت عليها "إيران إنترناشيونال" من شركة تحليل السلع "Kpler"، فإن إيران صدّرت في النصف الأول من عام 2025 ما معدله 1.4 مليون برميل يوميًا من النفط الخام ومكثفات الغاز إلى الصين. ويمثل ذلك انخفاضًا بنسبة 12% مقارنة بالعام الماضي.

في عام 2017، قبل عودة العقوبات الأميركية، كانت إيران تنتج حوالي 4.5 مليون برميل يوميًا، تصدّر منها 2.5 مليون برميل يوميًا، وتستهلك الباقي محليًا. لكن الاستهلاك المحلي ارتفع بشكل حاد، ويرجع ذلك في الغالب إلى توسع مصافي مثل نجم الخليج .

وبحلول عام 2024، كانت إيران تستخدم أكثر من 2.4 مليون برميل يوميًا، بزيادة قدرها 20% مقارنة بعام 2017، مما ترك كميات أقل بكثير للتصدير.

وتفاقم هذا الوضع بسبب تقادم حقول النفط الإيرانية. إذ إن حوالي 80% من نفط إيران يأتي من حقول قديمة تعاني من التراجع الطبيعي، حيث تنخفض إنتاجيتها بنحو 10% سنويًا.

استهلاك الإنتاج داخليًا بالكامل

ورغم دخول بعض الحقول الجديدة إلى الخدمة، إلا أن الاستثمار في قطاعي النفط والغاز انخفض إلى أقل من 3 مليارات دولار سنويًا، أي أقل من نصف ما كان عليه قبل عقد.

وقال المحلل البارز في شؤون الطاقة همايون فلك‌ شاهی لقناة "إيران إنترناشيونال": "حتى لو تم رفع جميع العقوبات الأميركية، فإن صادرات إيران اليومية من النفط ربما لن تتجاوز 1.7 مليون برميل يوميًا، بسبب القيود الهيكلية في الإنتاج وارتفاع الاستهلاك المحلي".

وتواجه إيران أيضًا أزمة طاقة داخلية متفاقمة، حيث أدّى نقصان الغاز إلى لجوئها لاستخدام مزيد من مشتقات النفط محليًا، مما قلل من القدرة على التصدير أكثر فأكثر.

ووفقًا لنفس التقرير الداخلي لوزارة النفط، ارتفع استهلاك البنزين في عام 2024 بنسبة 7%، والديزل بنسبة 16%، والمازوت (زيت الوقود الثقيل) بنسبة 29%.

الصين تقلّص وارداتها

في الوقت ذاته، الصين- الزبون الوحيد المستمر لإيران- بدأت في تقليص وارداتها. فخلال الشهر الماضي، انخفضت الصادرات إلى الصين إلى 1.1 مليون برميل يوميًا. وتشير التوقعات إلى عدم حدوث تحسّن كبير خلال هذا الشهر أيضًا.

كما أن مخزون النفط غير المباع العائم في البحر وصل إلى 40 مليون برميل. ولا تزال إيران تُحمّل ما يقرب من 1.5 مليون برميل يوميًا، لكن كميات متزايدة منها تبقى دون بيع أو حركة.

تأثير غير مؤكد

في الأشهر الأخيرة، شددت الولايات المتحدة العقوبات، مستهدفةً الناقلات النفطية، والمصافي، والوسطاء الماليين.

حاليًا، تشكّل المصافي الصغيرة والمستقلة في الصين الزبائن الرئيسيين للنفط الإيراني. لكن هذه المصافي منخفضة الكفاءة تعتمد على خصومات عميقة في الأسعار، وتواجه ضغوطًا متزايدة. ودون تلك الخصومات، قد لا يتمكن الكثير منها من الاستمرار في العمل.

قد يكون تصريح ترامب إشارة دبلوماسية أكثر منه تحولًا فعليًا في السياسة. ولكن قدرة إيران على الاستفادة من هذا التصريح تبقى محل شك كبير.

ففي ظل ضعف الاستثمارات، وتزايد الطلب المحلي، وتراجع هوامش التصدير، حتى الرفع الكامل للعقوبات قد لا يُعيد صادرات إيران النفطية إلى مستويات ما قبل عام 2018.

وبالنسبة لبلد طالما اعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، قد تكون الآمال في طفرة ما بعد وقف إطلاق النار أقرب إلى الرمزية منها إلى الواقع.