خامنئي في مأزق.. والشعب يتحمل الخسائر

كامبيز حسيني
كامبيز حسيني

"إيران إنترناشيونال"

في أحدث موقف رسمي له، شكك علي خامنئي، مرشد النظام الإيراني، بنبرة متشائمة، في جدوى المفاوضات النووية، وقال: "في حكومة رئيسي كانت المفاوضات غير مباشرة لكنها بلا نتيجة؛ ولا أظن الآن أنها ستؤدي إلى نتيجة، ولا أدري ما الذي سيحدث".

بهذه الجملة، تم فعليًا التقليل من أهمية مصير الفريق المفاوض للنظام؛ وهو تصريح يُعدّ فصل الخطاب ويُفرغ أي جهد دبلوماسي جرى حتى الآن من مضمونه.

ما هي الحقيقة على الأرض؟

هذا التصريح من مرشد النظام أثّر فورًا على سوق العملات؛ إذ ارتفع سعر الدولار في السوق الحرة وتجاوز 85 ألف تومان. لكن هذا لم يكن الأثر الاقتصادي الوحيد. فقد أظهر موقف خامنئي مرة أخرى أن سياسات النظام في ما يتعلق بالمفاوضات لا تُبنى على المصالح الوطنية أو العقلانية السياسية، بل تخضع للتقلبات الداخلية والرؤية الأيديولوجية لزعيم النظام.

لقد اتخذ خامنئي في السنوات الماضية مواقف متناقضة مرارًا؛ فقد وصف التفاوض في وقت ما بـ"السم"، ثم اعتبره لاحقًا "مرونة بطولية".

وفي شهر أبريل (نيسان) من هذا العام، شدد على أن المفاوضات، إن وُجدت، فهي مسألة ثانوية لوزارة الخارجية، وليست شأنًا أساسيًا.

كما لجأ خامنئي في الماضي مرارًا إلى ما يعرف في الإدبيات الشيعية بـ"صلح الإمام الحسن" لتبرير التراجع عن مواقفه السابقة؛ كنموذج للشرعنة الأيديولوجية للمرونة السياسية.

ماذا تقول الأطراف الآخرى؟

على الساحة الدولية، باتت المواقف أكثر وضوحًا. فقد قال ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي: "حتى التخصيب بنسبة منخفضة يمهّد الطريق لصناعة السلاح". كما أكد ستيف ويتكوف، كبير المفاوضين الأميركيين، أن "التخصيب حتى بنسبة واحد بالمائة غير مقبول". ومن وجهة نظر واشنطن، فإن الخط الأحمر واضح تمامًا.

وفي الوقت نفسه، أفادت صحيفة "ذا ناشيونال" الصادرة في الإمارات أن إيران لم تقبل دعوة سلطنة عُمان للجولة الخامسة من المفاوضات في روما. ويبدو أن المفاوضات على وشك الفشل مجددًا.

عباس عراقجي وصف أجواء المفاوضات بعد تصريحات خامنئي بأنها "منتهية"، فيما قال جواد لاريجاني ساخرًا: "إذا لم نخصّب، فغدًا سيقولون لا تدرسوا الفيزياء أيضًا!".

أما صحيفة "كيهان" فقد حللت بشكل معبّر أن تصريحات خامنئي كان لها تأثير أكبر على ارتفاع سعر الدولار من تهديدات ترامب.

حكومة واحدة.. روايات متعددة

الحقيقة أن نظام الجمهورية الإسلامية، من خلال مواقفه المتعددة والمتقلبة، أبقى الشعب الإيراني في حالة من عدم اليقين الدائم؛ سياسات تكون معادية للاستكبار في يوم، وفي اليوم التالي تتغير باسم "المصلحة" أو "المرونة"، وفي يوم آخر تُظهر كأن لا أهمية لها.

وفي هذا المناخ الضبابي، تقلّص دور رئيس الجمهورية أكثر من أي وقت مضى إلى "منسق لوجستي" للنظام؛ منصب لا يُعهد إليه بصنع السياسات، بل يُعدّ فقط لتحمّل تبعات القرارات الكبرى.

اليوم، تعيش إيران وضعًا اقتصاديًا هشًا؛ فالمجتمع يواجه أزمات معيشية ومشكلات في المياه والدواء والطاقة، وفي الوقت ذاته، السياسة الخارجية عالقة في مأزق مزمن يحمّل الشعب الإيراني الكلفة المباشرة له.

لكن هذه المرة، يبدو أنه لا "المرونة البطولية" ستجدي نفعًا، ولا "الزئير الشجاع".