مسؤول سابق في الخارجية البريطانية: إدارة ترامب لم تُجب بعد عما يجب فعله تجاه إيران

كتب نائب وزير الخارجية البريطاني السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أليستر برت، حول سياسة إدارة ترامب تجاه إيران وبرنامجها النووي، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لم تُقدّم بعد إجابة عن السؤال: "ما الذي يجب فعله تجاه إيران؟".

وكان أليستر برت عضوًا في حزب المحافظين، وشغل منصب نائب وزير الخارجية البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين عامي 2017 و2019. وزار طهران في الأول من سبتمبر (أيلول) 2018، حيث التقى نائب وزير الخارجية الإيراني آنذاك، عباس عراقجي.

الدبلوماسية في عهد ترامب.. أشبه بلعبة فيديو

شدد برت في مستهل مقاله، الذي نُشر يوم الجمعة 2 مايو (أيار)، على أن مواكبة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد ترامب كانت تتطلب خفة حركة تعادل خفة لاعبي ألعاب الفيديو، مشيرًا إلى تناقضات متكررة في سلوك الإدارة الأميركية.

وأضاف: "كنا نظن أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في خلاف مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ثم فجأة حدث بينهما اتفاق اقتصادي في الفاتيكان، كما اعتقدنا أن فريق ترامب أكثر استقرارًا من ولايته الأولى، ثم أقال مستشار الأمن القومي بعد 100 يوم، وتوقعنا أن يدفع نتنياهو ترامب إلى استغلال ضعف إيران الإقليمي بعد القضاء على قيادة حزب الله في لبنان وسقوط بشار الأسد في سوريا، لكن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية لم يحدث".

تهديد أميركي يعطّل المفاوضات

أشار برت إلى أن المحادثات المفاجئة بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، التي بدت واعدة، ربما تعرضت للتقويض؛ بسبب تصريحات عدائية من وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، الذي هدد علنًا إيران بسبب دعمها للحوثيين في اليمن.

وكان هيغسيث قد كتب في منشور على منصة "إكس"، يوم الأربعاء 30 أبريل (نيسان) الماضي: "رسالة إلى إيران: نرصد دعمكم القاتل للحوثيين. نعرف تمامًا ما تفعلون. أنتم تعرفون جيدًا ما يمكن للجيش الأميركي فعله. لقد تم تحذيركم. ستدفعون الثمن في الوقت والمكان الذي نختاره".

وبحسب برت، فقد أعقب هذا التهديد إعلان سلطنة عمان- كوسيط- تأجيل الجولة الرابعة من المفاوضات، التي كانت مقررة، يوم السبت 3 مايو، في روما، لأسباب "لوجستية"، وهو ما طرح تساؤلاً: كيف يمكن فهم واقع الدبلوماسية النووية بين إيران وأميركا في ظل هذه التطورات؟

فهم الخصم لا يعني قبوله

أكد برت، في مقاله، أنه "لا ينبغي الاستهانة بمقدار الطريق، الذي قطعه الطرفان لفتح باب الحوار. لقد تعلمتُ مبكرًا في وزارة الخارجية أن فهم وجهة نظر الخصم أمر ضروري، وليس مرادفًا لقبولها".

وأوضح أن وسائل الإعلام الغربية تركز، بحق، على سياسات إيران القمعية ودعمها لميليشيات مزعزعة للاستقرار، "لكن من وجهة نظر إيران، فإن أميركا وأوروبا هما عدوان دعّما صدام حسين خلال الحرب العراقية- الإيرانية في الثمانينيات، التي أودت بحياة أكثر من مليون إيراني، واستخدم فيها العراق أسلحة كيميائية دون أن يحرك الغرب ساكنًا".

خيانة الاتفاق النووي عام 2015

أشار برت إلى أن إيران عندما وقّعت الاتفاق النووي عام 2015، اعتبر المتشددون الإيرانيون أن طهران خُدعت، وقالوا إن التاريخ يثبت أنه لا يمكن الوثوق بأميركا، حتى وإن التزمت إيران بتعهداتها. واعتبر أن انسحاب ترامب من الاتفاق وتبنّيه سياسة "الضغط الأقصى" كان تأكيدًا لهذا الشك الإيراني.

مشادات ظريف وتيلرسون

استعاد برت من ذاكرته اجتماعًا خاصًا في الأمم المتحدة عام 2017، دعا إليه وزراء خارجية مجموعة 5+1، في محاولة لإقناع أميركا بعدم الانسحاب من الاتفاق، وشهد أول مواجهة مباشرة بين وزير الخارجية الأميركي آنذاك، ركس تيلرسون، ووزير الخارجية الأسبق، ورئيس الوفد الإيراني حينها، محمد جواد ظريف.

وذكر برت أن تيلرسون قال لظريف: "أنتم قتلتم أميركيين. لا يمكنني السماح لأميركا بالمخاطرة معكم مجددًا. لماذا تطورون صواريخ باليستية دقيقة إن لم تكن لديكم نية هجومية؟". وردّ ظريف: "لو أردنا سلاحًا نوويًا، لما احتجنا إلى صواريخ دقيقة. نحن نحتاجها للدفاع عن النفس لأنكم تسلحون أعداءنا بـ 400 مليار دولار".

حوار مع برايان هوك

أورد برت كذلك حوارًا أجراه في مؤتمر بروما مع المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران في ولاية ترامب الأولى، برايان هوك؛ حيث سأله: "ماذا لو فشلت سياسة الضغط الأقصى؟". فرد هوك مرارًا: "الضغط الأقصى"، دون أن يقدّم أي بديل.

وأكد برت أنه "لم تكن هناك أي خطة بديلة".

تغييرات جديدة

تابع برت، في مقاله: "إن المسافة بين اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في يناير (كانون الثاني) 2020، وبين المفاوضات الحالية، تظهر أن تغييرات جوهرية حدثت"، مشيرًا إلى انتخاب مسعود بزشکیان المفاجئ رئيسًا لإيران، وتعيين عباس عراقجي وزيرًا للخارجية، لكنه اعتبر أن التحولات الأهم تحدث في المنطقة.

وأضاف: "دول الخليج أصبحت أغنى وأكثر تسلحًا وثقة، وترفض أن تكون ساحة حرب بين أميركا إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى. ومع أنها وقّعت اتفاقيات إبراهام وتقرّبت من إسرائيل، فإنها فتحت كذلك قنوات دبلوماسية مع إيران، لتُظهر استقلال قرارها السياسي؛ حيث إن وزير الدفاع السعودي زار طهران قبل أسبوعين فقط".

هل نتجاهل تعقيد علاقة إسرائيل وترامب؟

طرح برت سؤالاً مفصليًا: "هل افترضنا ببساطة أن علاقة ترامب بإسرائيل أمر مسلم به؟".

وأوضح أن الحرب في غزة دفعت علاقة إسرائيل بحلفائها إلى حافة الانهيار، فبينما تستمر الغارات الإسرائيلية المكثفة، تتزايد المظاهرات ضد الحكومة الإسرائيلية، ويُنظر إلى استمرار الحرب كوسيلة لبقاء تحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف في إسرائيل.

وتساءل برت: "هل تأثر ترامب أيضًا بمشاهد القتل في غزة؟ هل أُصيب بالصدمة، حين أُعلن بدء المحادثات بين واشنطن وطهران في 12 أبريل الماضي بحضوره؟ هل قررت إدارة ترامب، بدافع مصالحها التجارية، الاستماع أخيرًا لأصوات العرب لا لإسرائيل فقط؟".

التحدي الأكبر: تحديد الهدف

قال برت إنه قبل تغريدة هيغسيث، كان يُعتقد أن الرجل انعزالي، بخلاف شخصيات مثل مايك والتز، الذي يرى في ضعف إيران فرصة لضربها عسكريًا وتغيير توازن القوى، كما فعلت واشنطن مرارًا سابقًا.

ولكنه شدد على أن أحدًا في المنطقة لا يريد "إيران نووية"، ليس فقط بسبب الخطر المباشر، بل أيضًا بسبب التهديد بانتشار السلاح النووي إقليميًا.

وأكد بالقول: "الهجوم على إيران سيكون أسوأ خيار، إذا كان هناك بديل ممكن. إيران قادرة على الرد، وربما تصوّر الرأي العام ذلك على أنه تكرار لهيمنة أميركا خدمةً لإسرائيل".

وأضاف أنه حان الوقت لأن توضح أميركا موقفها مما يلي:
- هل تريد القضاء الكامل على البرنامج النووي الإيراني، أم فقط وقف التصعيد بعد الانسحاب من الاتفاق؟
- ما الشروط الواقعية لضبط سلوك إيران في المنطقة؟
- كيف تُرضي الجيران العرب الذين استُبعدوا من الاتفاق السابق؟
- كيف تُطمئن إسرائيل دون أن تكرر سيناريو 2015؟

وختم أليستر برت مقاله مؤكدًا: "رغم التهديدات العلنية من بيت هيغسيث، فلا تزال إدارة ترامب غير قادرة على تقديم إجابة واضحة ومقنعة عن السؤال الجوهري: ما الذي يجب فعله تجاه إيران؟".