وتعد أكاديمية "راوين"، حسب وصف وزارة الخزانة الأميركية واجهة تجارية تُستخدم لتجنيد وتدريب عناصر تحت الإشراف المباشر لوزارة الاستخبارات الإيرانية، وتقوم- وفقًا للوثائق المنشورة- بتدريب أفراد في مجال الأمن السيبراني، ثم اختيار بعضهم لتوظيفهم في وزارة الاستخبارات.
جاء هذا التسريب قبل أيام قليلة من انعقاد الحدث السنوي المسمّى "أولمبياد التكنولوجيا" التابع للأكاديمية، والذي كان مقررًا عقده من26 إلى 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 في "حديقة تكنولوجيا برديس" بطهران.
وأعلنت الأكاديمية، التي تقدّم نفسها كمؤسسة لتعليم الأمن السيبراني، في بيانٍ ليلي نُشر على قناتها في "تلغرام"، اعترافها بتعرض أحد أنظمتها الإلكترونية لهجوم سيبراني أدى إلى تسرب بيانات بعض المتدربين، بما في ذلك أسماء المستخدمين وأرقام هواتفهم.
وجاء في البيان أن هذا النظام المُستهدف كان مستضافًا خارج شبكة الأكاديمية الداخلية، وأن الحادث وقع بهدف الإضرار بسمعة الأكاديمية والتشويش على مكانة "أولمبياد التكنولوجيا".
وادّعت الأكاديمية أن جزءًا كبيرًا من الأسماء المنشورة "غير حقيقي"، لكنها في الوقت نفسه قدّمت اعتذارًا للمستخدمين الذين تسرّبت بياناتهم.
المعهد السري لوزارة الاستخبارات لتخريج قراصنة إلكترونيين تابعين للنظام
تُعرّف وزارة الخزانة الأميركية "أكاديمية راوين" بأنها واجهة تجارية تُستخدم لتجنيد وتدريب عناصر لصالح وزارة الاستخبارات الإيرانية. ووفقًا للوثائق المنشورة، تُدرّب الأكاديمية الأفراد في مجال الأمن السيبراني، ثم تختار من بينهم عناصر يتم توظيفهم داخل الوزارة.
وكما كشفت قناة "إيران إنترناشيونال" سابقًا، فقد أُسست الأكاديمية في فبراير (شباط) 2020 على يد عضوين شابين في وزارة الاستخبارات، هما مجتبى مصطفوي وفرزين كريمي مزلقانجاي، لتكون غطاءً لإدارة وتوجيه مجموعات القرصنة التابعة للنظام.
وجاء في بيان وزارة الخزانة الأميركية أن مصطفوي وكريمي أسّسا شركة "أكاديمية راوين" تحديدًا لأغراض التوظيف لصالح وزارة الاستخبارات.
ويقع مكتب الأكاديمية في وسط طهران، في شارع مطهري، شارع سليمان خاطر، بين زقاقي مسجد وغروس، رقم 105.
من "مادي واتر" إلى "دارك بِت"
تكشف التقارير الاستخباراتية عن وجود ترابط عملي بين البيئة التدريبية للأكاديمية وعمليات القرصنة النشطة التي تنفذها الوزارة.
كما وثّقت شركة "PwC" وجود تزامنٍ بين المواد التعليمية التي تقدمها "أكاديمية راوين" حول ثغرات محددة وبين استغلال نفس الثغرات لاحقًا في عمليات قرصنة نفذتها مجموعة "ماديواتر".
وفي تقرير سابق لـ"إيران إنترناشيونال" في يونيو (حزيران) 2024، تم التأكيد على أن مجموعة "مادي واتر" تعمل مباشرة لصالح وزارة الاستخبارات، وتشن هجمات سيبرانية على عدد كبير من الدول، من بينها إسرائيل، السعودية، إيطاليا، الإمارات، مصر، الجزائر، بل وحتى دول صديقة للنظام الإيراني مثل روسيا، العراق، تركيا، وباكستان.
وفي أكتوبر 2024، كشفت "إيران إنترناشيونال" أيضًا هوية رئيس مجموعة القرصنة "دارك بِت" التابعة لـ"مادي واتر"، وهو حسين فرد سياهبوش المعروف بالاسم المستعار "بارسا صرافیان"، ويُعد أحد مديري "أكاديمية راوين".
ما الذي تحتويه قاعدة البيانات المسرّبة؟
قام الباحث الأمني الإيراني المقيم في بريطانيا نريمان غريب بنشر قاعدة البيانات المسرّبة على شكل موقع إلكتروني متاح للعموم.
تتضمن القاعدة الرقم التعريفي لكل فرد داخل أنظمة الأكاديمية، أرقام الهواتف، الأسماء الكاملة، والدورات التدريبية التي شارك فيها كل طالب.
ويرى غريب أن الهدف من هذا النشر هو رفع الوعي العام وتحذير الأفراد من الانخراط في مؤسسات مثل "أكاديمية راوين" أو غيرها من الكيانات المرتبطة بوزارة الاستخبارات والهيئات الإيرانية الخاضعة للعقوبات الدولية.
وأضاف أن هذه المؤسسات تستقطب الطلبة والمتدربين تحت غطاء التدريب وتنمية المهارات، لكنها في الواقع تستغل معارفهم لتنفيذ هجمات إلكترونية ضد دول غربية وبنى تحتية حساسة وحتى ضد الشعب الإيراني نفسه.
وأشار إلى أن المشاركة في مثل هذه البرامج يمكن أن تؤدي إلى التعرض لعقوبات دولية أو ملاحقات قانونية جنائية أو تدمير السمعة المهنية بشكل دائم.
هذه التسريبات، بحسب المراقبين، تكشف أن "أكاديمية راوين" تعمل كجزء أساسي من البنية التحتية لعمليات التجسس الإلكتروني التابعة لوزارة الاستخبارات الإيرانية، حيث يُنقل المتفوقون في برامجها مباشرة إلى الحملات السيبرانية الموجهة ضد حكومات أجنبية، منظمات دولية، وأهداف داخل إيران.
ردود فعل غاضبة من المستخدمين
واجه البيان المنشور في قناة الأكاديمية على "تلغرام" موجة من الغضب والسخرية من المستخدمين. وسأل العديد من المعلقين الأكاديمية التي تقدم نفسها كجهة متخصصة في الأمن السيبراني: "كيف لم تتمكن من حماية بيانات طلابها وأنظمتها الخاصة؟".
ويرى محللون أن هذا الفشل يمثل ضربة قاسية لمصداقية الأكاديمية، ويُظهر مفارقة واضحة بين ادعاءاتها حول الخبرة الأمنية وواقعها العملي، كما أنه فضح العديد من الأفراد الذين كانوا يظنون أنهم مسجلون في برامج تدريبية مشروعة.
خلفية العقوبات الدولية
تخضع "أكاديمية راوين" ومؤسسوها حاليًا لعقوبات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، في ضوء اعتراف رسمي بدورها في دعم العمليات الاستخباراتية للنظام الإيراني.
ويُظهر نشر قاعدة البيانات المسرّبة أسماء الأفراد الذين اختاروا الالتحاق بمؤسسة مصنّفة ضمن الكيانات الداعمة للأنشطة التجسسية الإيرانية، مما يتيح أدلة جديدة للمنظمات الحقوقية والصحافيين حول آلية التجنيد التابعة لوزارة الاستخبارات.