وقال ثلاثة مسؤولين كبار في النظام الإيراني، طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، إن طهران تعتقد أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وإسرائيل يسعون، من خلال تشديد العقوبات، إلى تأجيج الاضطرابات الداخلية وتعريض بقاء النظام للخطر.
وبحسب التقرير فقد أوضحت "رويترز" أن عدة اجتماعات طارئة عُقدت في طهران بعد تفعيل آلية الزناد يوم 28 سبتمبر (أيلول) 2025، والتي أعادت تلقائياً عقوبات مجلس الأمن، وذلك بهدف منع الانهيار الاقتصادي، والبحث عن طرق للالتفاف على العقوبات، واحتواء الغضب الشعبي.
وقال أحد المسؤولين الإيرانيين للوكالة: "القيادة تدرك أن الاحتجاجات قادمة لا محالة، المسألة مسألة وقت فقط. المشكلة تكبر يوماً بعد يوم، بينما خياراتنا تتناقص".
وفي حين لا يزال قادة النظام الإيراني متمسكين بسياسة ما يسمى "الاقتصاد المقاوم"، يحذر الخبراء من أن الاعتماد على الصين وروسيا وعدد قليل من دول المنطقة لن يكون كافياً لمنع انهيار اقتصاد بلد يبلغ عدد سكانه 92 مليون نسمة.
وقال أميد شكري، خبير الطاقة والباحث الزائر في جامعة جورج ميسون الأميركية، لـ"رويترز": "تأثير عقوبات مجلس الأمن سيكون شديداً ومتعدد الأوجه، وسيفاقم الأضرار البنيوية والمالية المزمنة في إيران. القطاع المصرفي والتجارة وصادرات النفط أصيبت بالشلل، فيما يتصاعد الضغط الاجتماعي والاقتصادي يوماً بعد يوم".
ورغم أن إيران تمكنت، منذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، من تجنّب الانهيار الكامل عبر بيع النفط للصين، إلا أن عودة العقوبات الأممية دفعت الاقتصاد مجدداً نحو منحدر خطر.
ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.7 في المائة عام 2025 وبنسبة 2.8 في المائة عام 2026، وهي أرقام أسوأ بكثير من توقعات النمو السابقة التي بلغت 0.7 في المائة في تقرير أبريل الماضي.
وقال مسؤول إيراني آخر لـ"رويترز": "العقوبات الجديدة يمكن أن توقف حتى مبيعات النفط إلى الصين. فإذا أرادت بكين تخفيف التوتر مع إدارة ترامب، فمن المرجح أن تقلل أو توقف شراء النفط الإيراني. كل انخفاض بدولار واحد في سعر النفط يعني خسارة نحو نصف مليار دولار من الإيرادات السنوية لإيران".
انهيار قيمة العملة الإيرانية وانفجار الأسعار
انهارت قيمة التومان الإيراني إلى 1,115,000 ريال مقابل الدولار الواحد (مقارنة بـ920,000 في أغسطس)، فيما يبلغ معدل التضخم الرسمي نحو 40 في المائة، في حين تؤكد مصادر مستقلة أن الرقم الحقيقي يتجاوز 50 في المائة.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، ارتفعت أسعار عشرة سلع أساسية مثل اللحوم والأرز والدجاج بنسبة 51 في المائة خلال عام واحد، كما قفزت تكاليف السكن والخدمات البلدية بشكل حاد.
وقد بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من اللحم الأحمر نحو 12 دولاراً، وهو مبلغ أصبح خارج متناول العديد من العائلات.
روايات من الشارع: "نزداد فقراً كل يوم"
وفي السياق، قال عليرضا، موظف حكومي يبلغ من العمر 43 عاماً في طهران، لـ"رويترز": "أتقاضى حوالي 34 مليون تومان شهرياً (نحو 300 دولار). زوجتي بلا عمل بعدما أُغلقت شركتها. لدينا طفلان، ولا نستطيع دفع الإيجار أو مصاريف المدرسة. لا نعرف ماذا نفعل بعد الآن".
وقالت سيما، عاملة في مصنع بمدينة شيراز، وتبلغ 32 عاماً: "الأسعار ترتفع كل يوم. لم نتمكن منذ شهر من شراء اللحم للأطفال. العقوبات الجديدة تعني أن الأمور ستزداد سوءاً".
الخوف من انتفاضات جديدة
وأوضح مسؤول آخر في النظام الإيراني أن النخبة الحاكمة تخشى أكثر من أي وقت مضى تكرار الاحتجاجات الواسعة المشابهة لتلك التي شهدتها البلاد في أعوام 2017 و2019 و2022.
وأضاف أن الاعتماد على مبدأ "الاكتفاء الذاتي" لم يعد يقنع الشارع الإيراني، لأن الفساد البنيوي، واتساع الفجوة الطبقية، وسوء الإدارة العامة قضت على ما تبقى من ثقة لدى المواطنين.
وأشار إلى أن الأسواق والطبقة الوسطى وحتى موظفي الدولة يعانون من الضغوط الاقتصادية نفسها.
وقال تاجر فواكه للتصدير: "مع هذه العقوبات والخوف من الهجمات الإسرائيلية، لا أعلم إن كنت سأتمكن من التصدير الشهر المقبل. وكيف يُفترض أن أواصل عملي؟".
ويحذر الاقتصاديون من أن إيران على أعتاب مرحلة "ركود تضخمي"، أي الجمع بين الركود الاقتصادي والتضخم المفرط، وهي حالة قد تؤدي إلى انهيار العملة الوطنية، وإغلاق المصانع، واندلاع اضطرابات سياسية واسعة النطاق.
ويقول أميد شكري إن التنسيق بين الولايات المتحدة وأوروبا في تنفيذ العقوبات سيجعل التأثير الاقتصادي على طهران مدمّراً، بينما أي تراخٍ من واشنطن قد يمنح النظام الإيراني وقتاً إضافياً للالتفاف على القيود.
ويجمع كثير من المراقبين على أن النظام الإيراني، وفق مصادره الداخلية، يدرك أن انفجاراً اجتماعياً جديداً يقترب، لكن عجزه عن إصلاح الأوضاع الاقتصادية وتراجع خياراته الخارجية يجعلان المواجهة القادمة مسألة وقت لا أكثر.