جاء ذلك في تقرير استراتيجي صدر عن المعهد اليهودي للأمن القومي في واشنطن، اليوم الجمعة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، بعنوان: "البناء على الانتصار: استراتيجية أميركا تجاه إيران بعد حرب الـ 12 يومًا"، والذي يستعرض تداعيات الصراع بين إيران وإسرائيل، ويشدد على ضرورة إعادة تعريف موقف واشنطن من طهران.
يُذكر أن معهد "جينسا" من المراكز المؤثرة في قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي في الولايات المتحدة، وله دور بارز في علاقات واشنطن بتل أبيب، وقد شغل بعض أعضائه مناصب رفيعة في إدارات سابقة.
ويرى معدو التقرير أنه رغم النجاحات العسكرية المشتركة، التي حققتها إسرائيل والولايات المتحدة ضدّ المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، يبقى السؤال: متى وكيف قد يُستأنف القتال، وماذا سيكون مصير المواجهة على المدى الطويل؟
وخلال حرب الـ 12 يومًا، شنّت إسرائيل ضربات جوية واسعة على مواقع صاروخية وعسكرية وأمنية ونووية داخل إيران، واستهدفت عددًا من قادة الحرس وخبراء البرنامج النووي. ومع ذلك، يعتقد المحلّلون أن طهران تسعى لتعويض الخسائر التي تكبّدتها وتتفادى الانخراط في مفاوضات جدّية.
يوصي تقرير "جينسا" بأن تستغلّ الولايات المتحدة، بالتعاون الوثيق مع إسرائيل وحلفائها، الفرصة لمنع إعادة البناء العسكري والنووي لإيران ولقَصر خيارات طهران عبر ضغوط شاملة تهدف في نهاية المطاف إلى إضعاف جذري أو انهيار تدريجي للنظام.
ويشدّد التقرير على أنّ تفوّق أميركا وإسرائيل يجب أن يُترجَم إلى تكتيكات وسياسات تمنع إيران من استعادة قدراتها أو التصرّف بحرية، كما في الماضي.
ويرى معدّو التقرير أن تحرّك ثلاث دول أوروبية لتفعيل "آلية الزناد" يعكس تحوّلًا في موقف أوروبا وعودتها إلى تنسيق الخطوات مع واشنطن ضد طهران. ومع ذلك يحذّرون من أن الانتصار العسكري ليس انتصارًا استراتيجيًا بالضرورة، لأنّ إيران صمّمت برنامجها النووي بصورة متشتّتة وسرّية ربما تسمح لها بشراء الوقت وإعادة التأسيس.
كما سجّل التقرير ممارسات طهران، ومنها: إخفاء مستويات التخصيب، استمرار صادرات نفطية غير مشروعة إلى الصين، وتوسيع التعاون مع روسيا والصين للتحايل على العقوبات.
وفي الجزء المعنيّ بتثبيت الانتصار، يقترح التقرير أن تسعى واشنطن إلى اتفاق دولي جديد يُصاغ بصورة رسمية ويُصادق عليه بثلاثة أرباع مجلس الشيوخ الأميركي ليُصبح معاهدة ملزِمة.
ويجب أن يكون هذا الإطار أشد صرامة من اتفاق عام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، ويتضمن عدة بنود:
- حظر كامل ودائم لتخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم على أي مستوى.
- تدمير كامل لأجهزة الطرد المركزي (السانتريفيوجات) والمنشآت المرتبطة.
- وقف إنتاج وتطوير الصواريخ والطائرات المُسيّرة الهجومية.
- إنهاء الدعم المالي والعسكري للحرس الثوري الإيراني لمجموعات الوكلاء الإقليميين.
- إطلاق سراح جميع المواطنين الأميركيين والحلفاء المحتجزين في إيران.
- منح مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصولاً غير محدود إلى جميع المواقع المشتبه بها.
إبقاء خيار العمل العسكري "قيد العمل"
شدّد التقرير على أن أي مفاوضات يجب أن تكون محددة بمهلة زمنية صارمة وبدون تمديد، وأنّه في حال رفض إيران شروطًا صارمة، يجب على الولايات المتحدة إيقاف المفاوضات والاعتماد على أدوات أخرى لمنع إعادة بناء قدرات النظام.
وتطرّق إلى ضرورة الحفاظ على تحرّك دبلوماسي منسّق مع إبقاء الخيار العسكري فعّالاً كآلية ردع سريعة، إذا ما شرعت إيران في إعادة بناء منشآتها أو نشاطاتها النووية. وينبّه إلى أهمية أن تكون الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية موازية ومتلاحمة طوال فترة المفاوضات.
وقد اقترح معدّو التقرير خطوات عملية لتعزيز التفوق الأميركي والإسرائيلي ومنع إعادة البناء الإيراني، ومنها:
- تنسيق كامل بين الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الأوروبية لمنع استعادة البرنامجين النووي والباليستي.
- إنذار واضح لطهران بأنّ أي محاولة لإعادة البناء ستقابل بضربة جديدة.
- تسريع تزويد إسرائيل بطائرات تزويد جوي وذخائر دقيقة، وتخزين ذخائر أميركية دقيقة داخل أراضيها.
- توسيع التعاون الدفاعي ضمن إطار القيادة المركزية الأمريكية.
- تعزيز الوجود العسكري في المنطقة (بما في ذلك نشر قاذفات أو أسلحة على قواعد بعيدة مثل دييغو غارسيا) لرفع القدرة على الردع.
واختتم تقرير "جينسا" أنّ الهدف الاستراتيجي لواشنطن يجب أن يتجاوز سياسة الردع التقليدية إلى ما وصفه المحللون بـ "المرحلة الممنهجة لانهيار النظام الإيراني". ومن وجهة نظرهم، فإنّ انتصار حرب الـ 12 يومًا سيكتمل فقط إذا تحقّق منع استعادة القدرات العسكرية والنووية الإيرانية، وُفرِضت ضغوط تكفي لإجبار النظام على الاستسلام أو التفكك من الداخل.