وقد أعادت الأمم المتحدة، مساء السبت 27 سبتمبر (أيلول) بتوقيت الساحل الشرقي لأميركا، وصباح الأحد بتوقيت إيران، فرض العقوبات التي كانت قد رُفعت بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. وقد جاء هذا الإجراء بعد فشل المفاوضات المكثفة التي أجراها النظام الإيراني مع ثلاث دول أوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال أربعة مسؤولين إيرانيين وشخصان مطلعان لـ "رويترز": "إن غياب التقدم في المحادثات سيزيد عزلة إيران الاقتصادية ويؤجج الغضب الشعبي". لكنهم أوضحوا أن قبول مطالب الغرب قد يؤدي أيضًا إلى انقسام داخل بنية الحكم، والتراجع عن المعتقدات الأيديولوجية للنظام المتعلقة بـ "عدم الاستسلام أمام ضغوط الغرب".
القلق من هجمات إسرائيلية محتملة
وفقًا لـ "رويترز"، قال أحد المسؤولين الإيرانيين: "الحكم الديني في مأزق خطير. وجود النظام الإيراني في خطر. شعبنا لم يعد يحتمل مزيدًا من الضغوط الاقتصادية أو حربًا جديدة".
وتعزّزت هذه المخاوف مع احتمالات شن إسرائيل هجمات جديدة على المنشآت النووية الإيرانية، في حال فشل الدبلوماسية النووية. ففي يونيو (حزيران) الماضي، أي قبل يوم واحد فقط من جولة جديدة من المحادثات المقررة مع أميركا، أدت غارات إسرائيلية، تبعتها ثلاث ضربات أميركية على منشآت نووية إيرانية، إلى صدمة في طهران، وأشعلت حربًا استمرت 12 يومًا.
وقد حذر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من أنه في حال استئناف تخصيب اليورانيوم، سيعودان إلى مهاجمة إيران. وبدوره قال النائب السابق في البرلمان الإيراني، غلام علي جعفر زاده إيماني آبادي: "احتمال وقوع الحرب مرتفع، بالنظر إلى الموقف الهجومي لإسرائيل والدعم الواسع من أميركا".
العقوبات والشكوك في طهران
كانت دول "الترويكا" الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، قد أعطت طهران مهلة شهرًا، في 28 أغسطس (آب) الماضي، قبل تفعيل "آلية الزناد"، متهمة النظام الإيراني بخرق اتفاق 2015. وأُعيد فرض العقوبات بعد محاولات فاشلة لتأجيل ذلك خلال الاجتماعات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال مسؤولون إيرانيون إن هذه العقوبات ستدفعهم إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا في الملف النووي. لكن محللين رأوا أن تهديد الهجمات الإسرائيلية يقيّد خيارات طهران. وقال مسؤول سابق وصفته "رويترز" بـ "المعتدل": "قيادات النظام في إيران تدرك أنها في موقف ضعف، وتواجه ضغوطًا داخلية وإقليمية، ولذلك من غير المرجح أن تقدم على خطوات متطرفة".
وبحسب المصادر، فقد تزايدت الخلافات بين النخب الحاكمة حول كيفية إدارة الأزمة؛ فبعضهم يدعو إلى موقف أكثر صرامة، بينما يحذّر آخرون من أن هذا النهج قد يسرّع انهيار النظام. وفي الوقت نفسه، ومع عودة حملة "الضغط الأقصى" لترامب، يرى بعض صُنّاع القرار في طهران أن "الحفاظ على الوضع الراهن- لا حرب ولا اتفاق واستمرار المفاوضات- هو الخيار الأفضل".
عقوبات أكثر صرامة وغضب شعبي وضغط اقتصادي
تقيّد عقوبات الأمم المتحدة التجارة الإيرانية أكثر من السابق. وتشمل هذه العقوبات قيودًا صارمة على صادرات النفط، والقطاع المصرفي والمالي، وحظرًا على السلاح، ومنع التخصيب وإعادة معالجة اليورانيوم، وقيودًا على الأنشطة الصاروخية، وتجميد الأصول، وحظر سفر المسؤولين الإيرانيين.
وإلى جانب هذه التحديات، يتزايد السخط الشعبي بسبب المشاكل الاقتصادية. وقد أُعلن رسميًا أن معدل التضخم يقارب 40 في المائة، فيما تشير بعض التقديرات إلى أنه يتجاوز 50 في المائة؛ حيث تحدثت وسائل الإعلام المحلية عن ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والسكن والخدمات العامة.
وقالت معلمة مدرسة ابتدائية في طهران لـ "رويترز": "نحن نواجه صعوبة في تدبير المعيشة الآن. المزيد من العقوبات يعني المزيد من الضغط الاقتصادي. كيف سنتمكن من البقاء على قيد الحياة؟".
وتخشى قيادات النظام الإيراني أن يتحول هذا السخط الشعبي إلى احتجاجات واسعة تقوّض مكانتهم داخليًا ودوليًا. وحتى الآن، ساعدت الصين، المشتري الرئيس للنفط الإيراني، طهران في تجنب انهيار اقتصادي كامل. لكن مع عودة عقوبات الأمم المتحدة، فإن مستقبل صادرات النفط والتجارة الخارجية لإيران بات يكتنفه مزيد من الغموض.