لكن فجأةً أدرك أنه قال شيئاً قد يسبب له المتاعب؛ لأن هذا التشبيه غير المقصود يشكك بطريقة ما في أداء المرشد الإيراني خلال الحرب، إذ اختبأ وذهب إلى المخبأ. فحاول على الفور تدارك الأمر، وقال: "سماحة المرشد أيضاً..."، لكنه لم ينجح في إتمام الجملة بشكل سليم. حتى الجملة التي قالها أخيراً عن المرشد الإيراني كانت تتعلق أيضاً بلجوئه إلى المخبأ.
جملة ظريف هذه كشفت حقيقة مهمة عن الوضع الحالي للنظام الإيراني: تحوّله التدريجي إلى بنية تحت الأرض.
النظام الإيراني يتحول شيئاً فشيئاً إلى نظام يختفي مسؤولوه واحداً تلو الآخر من الساحة العلنية للحياة السياسية، بدافع الخوف. لم أشهد مثل هذا الوضع في أي حكومة في العالم المعاصر. حتى في ذروة حرب أوكرانيا، عندما كانت كييف مهددة بالسقوط، ظل رئيس الجمهورية وقادة الجيش يظهرون علناً.
أما في إيران، فعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على انتهاء الحرب الأخيرة مع إسرائيل، لا يزال المرشد الإيراني في المخبأ.
حتى الدقائق القليلة التي ظهر فيها في مراسم العزاء في بيت المرشد كانت أشبه بـ"استنشاق الهواء". ثم عاد إلى المخبأ.قادة الحرس الثوري الكبار أيضاً باتوا غالباً يشاركون في الاجتماعات بشكل سري، ولا يظهرون في العلن؛ على عكس ما كان في السابق حين كانوا يلقون خطابات متواصلة في مدن مختلفة ويتباهون بالقوة. كثير من هذه الفعاليات العلنية تم إلغاؤها الآن.
لهذا يمكن القول إن النظام الإيراني يتحول تدريجياً إلى كيان تحت الأرض؛ شبيه بما رأيناه في السنوات الأخيرة من حياة حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان.
لكن الفارق الجوهري هو أن حزب الله كان في نهاية المطاف مجموعة، لا حكومة، في حين أن النظام الإيراني هو سلطة حكم. والآن، لا يشعر المرشد الإيراني، ولا أبناؤه، ولا قادة الحرس الكبار بالأمان، حتى في قلب العاصمة طهران.
هذا يعني أن حكّام إيران أنفسهم قد أدركوا أن أجواء البلاد، ولا سيما طهران، لا تزال واقعة تحت قبضة أمنية واستخباراتية إسرائيلية. حتى على الأرض، لا في الجو فقط، لا يشعرون بالأمان.
ولهذا لم يكن أمامهم خيار سوى الاحتماء في المخابئ.
الأمر الأخطر أن هذا الوضع لا يتعلق بفترة الحرب التي استمرت 12 يوماً بحيث يمكن تبريره بالظروف الخاصة للحرب. في المقابل، لم تمر إسرائيل بتجربة مشابهة. فقد ظهر قادتها العسكريون والسياسيون طيلة الحرب في الأماكن العامة.
الآن، وقد مرّت ثلاثة أسابيع على نهاية الحرب، لم تعد هناك ذريعة للاستمرار في الاختفاء. لذا، إذا كان المرشد الإيراني لا يزال في المخبأ، فالمعنى واضح: الخوف من انعدام الأمن حتى في مركز سلطته.
في السابق، كان المرشد الإيراني يُلقي في المتوسط 54 خطاباً سنوياً؛ أي تقريباً خطاباً أسبوعياً، لكن الآن مضت خمس أسابيع ولم يُلقِ حتى خطاباً واحداً. رغم أنه قال مراراً في السابق إنه إذا اندلعت حرب، سيرتدي لباس المعركة ويظهر بين الناس. لكن في "يوم الواقعة"، وعلى عكس ما وعد، اختبأ في المخبأ، ولا يزال هناك حتى اليوم.
هذا الوضع لم يُضعف فقط صورة المرشد، بل حطّم أيضاً هيبة النظام الإيراني الزائفة.
بات في وعي الناس أن المرشد اختبأ أثناء الحرب ولم يخرج حتى الآن. ولم تعد أي من ادعاءات مسؤولي النظام بشأن شجاعته أو حكمته قابلة للتصديق. الناس يصدقون ما يعيشونه، لا الروايات التي تبيّن لاحقاً مراراً أنها كاذبة.
في الجهة المقابلة، تتناقض الدعاية الحكومية بشكل صارخ مع الواقع. فعلى سبيل المثال، في ذروة هذا الوضع، تم تعليق صور شابور الساساني على لوحات المدن مع ادعاء "لقد انتصرنا".
شابور الساساني أسر إمبراطور الروم وعرض هذا الانتصار في عاصمته، لكن مسؤولي النظام الإيراني يختبئون اليوم في طهران نفسها، ويخفون الهزيمة بدلاً من استعراض النصر.
حتى في المجال الاقتصادي، لا يبدو الوضع أفضل. استمرار اختباء المرشد والغموض على مستوى قيادة النظام قد أثّر على أداء الحكومة التنفيذي أيضاً.
بعض المسؤولين باتوا يعترفون بأن هناك مشكلات خطيرة في توزيع السلع الأساسية مثل الخبز، والأرز، والزيت، والقمح. في الواقع، حتى نظام الإدارة الهشّ للبلاد يتداعى تحت تأثير اختفاء القادة.
في غضون ذلك، يشكل تغلغل إسرائيل الأمني والاستخباراتي في قلب النظام قضية خطيرة. لم تُستهدف أماكن الاجتماعات فائقة السرية فقط، بل تم اغتيال كبار مسؤولي الاستخبارات في النظام أيضاً.
من قصف اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي إلى اغتيال رؤساء استخبارات الحرس الثوري. لم يعد من الممكن تحميل هذا المستوى من الضربات مسؤولية "جاسوس" أو "جاسوسين".
هذا المستوى من التغلغل عميق وبنيوي. ومع ذلك، لا يزال المسؤولون يرفضون الاعتراف بالحقيقة، ويلجؤون إلى تبريرات غريبة وغير منطقية.
كل هذا يُشكل في مجموعه صورة واضحة: النظام الإيراني يتجه نحو التحول إلى العمل تحت الأرض. ليس فقط القيادة والقيادات العسكرية، بل النظام بأسره ينسحب من الساحة العامة.
الثقة العامة تضررت، الانسجام الداخلي للنظام تفكك، وإدارة البلاد أصابها خلل عميق؛ تماماً كما حدث في الاتحاد السوفياتي بعد هزيمته في أفغانستان.
النظام الإيراني أيضاً، مع انهيار شبكته الوكيلة في المنطقة، والضربات الاستخبارية الشديدة، وانعدام الثقة الداخلي، يتجه نحو نفس المصير. وإذا استمر هذا المسار، فإن تحوّل النظام إلى العمل تحت الأرض قد يكون مقدمة لنهايته.