وجاء ذلك في مقال تحليلي للصحيفة الإسرائيلية، تعليقًا على عودة المرشد الإيراني، علي خامنئي، إلى الظهور العام.
وأشارت إلى أنه مع بقاء جبهة القتال مفتوحة ضد الحوثيين في اليمن، واستمرار رغبة النظام الإيراني وقدرته الواضحة على إحياء أجزاء من برنامجه النووي، فإن لدى الحكومة الإسرائيلية حاجة ملحة وفرصة كافية لتصحيح هذين الخطأين، وربما لم تكن الحرب الأخيرة سوى الأولى بين إيران وإسرائيل.
وأضافت: "بعد خطأين ارتُكبا خلال لحظات ذهبية غير مسبوقة لإسرائيل، هناك شعور بأن المهمة لم تكتمل، وأن النصر العسكري بقي ناقصًا".
وبحسب الصحيفة، فإن العملية العسكرية الواسعة التي أطلقتها إسرائيل الشهر الماضي ضد إيران كانت غير مسبوقة من حيث الاتساع والتعقيد: هجوم شامل استخدم أدوات تقليدية وسرية، وأثار دهشة العالم بأسره.
وخلال ساعات قليلة، استهدفت إسرائيل البُنى العسكرية والاستخباراتية للنظام الإيراني، وقضت على عدد كبير من الشخصيات الأساسية في برنامج إيران النووي. وفي غضون أيام، توقفت منشآت نطنز وأصفهان النووية عن العمل، ودُمّرت مراكز حيوية أخرى.
وفي الوقت نفسه، سيطرت القوات الجوية الإسرائيلية بشكل كامل على الأجواء الإيرانية.
وقد مكنت هذه السيطرة الجوية إسرائيل من استهداف وتدمير كميات كبيرة من الأسلحة التابعة للنظام الإيراني، وأجزاء واسعة من الصناعات الدفاعية الإيرانية. وكانت العملية في طريقها لتُسجل ضمن ألمع صفحات التاريخ العسكري الإسرائيلي، إلى أن وقع خطآن: أحدهما فادح، والآخر قابل للتعويض، غيّرا مجرى الأمور.
إشراك أميركا مباشرة.. هل كان خطأً استراتيجيًا؟
يرى كاتب المقال التحليلي بـ "جيروزاليم بوست" أن الخطأ الأكبر وقع في 22 يونيو (حزيران) الماضي، حين سمحت إسرائيل للولايات المتحدة بالمشاركة المباشرة في الهجمات ضد النظام الإيراني.
وعلى الرغم من أن التدخل الأميركي كان محدودًا، فإن مشاركته أدت، حسب المقال، إلى تشويه السمعة الفريدة، التي بنتها إسرائيل على مدى عقود باعتبارها دولة تعتمد بالكامل على قدراتها العسكرية الذاتية. كما أن هذه المشاركة، وفقًا للمنتقدين، حالت دون تدمير منشأة فوردو النووية ذات الحماية العالية بشكل كامل.
لقد بُنيت سياسة الردع الإسرائيلية منذ البداية على المبدأ الأساسي القائل: "نحن من نحمي أنفسنا".
وأضاف: من وجهة نظر استراتيجية، بل وبقائية، يُعدّ هذا المبدأ ركيزة لا غنى عنها. والمرة الوحيدة التي تدخلت فيها قوات أجنبية مباشرة في تاريخ الحروب الإسرائيلية تعود إلى أزمة سيناء المصرية عام 1956، حين تدخلت كل من فرنسا وبريطانيا بشكل متوازٍ، ولكن بأهداف منفصلة. وكان الفارق الجوهري حينها أن تلك الدول عملت بشكل منفصل وفي مسرح عمليات مستقل عن إسرائيل، في حين أن الغارة الأميركية على منشأة "فوردو" النووية الإيرانية نُفذت ضمن إطار عمليات إسرائيلية.
ورغم التغطية الإعلامية الكثيفة، فإن تسريبات جديدة من قِبل مسؤولين إيرانيين تشير إلى أن فاعلية الضربة الجوية الأميركية على منشأة "فوردو" كانت محدودة، بل وأثارت دهشة مسؤولي النظام الإيراني بسبب ضعف تأثيرها.
ويبدو أن جزءًا من القدرات العملياتية، التي خصصتها إسرائيل لتدمير منشأة "فوردو"، استُهلك في تقييم الأضرار الناتجة عن هجوم طائرات "بي-2" الأميركية، بدلاً من تنفيذ الخطة الأصلية، التي وضعتها إسرائيل لتدمير هذا الموقع الاستراتيجي بالكامل.
وتُظهر المعطيات المنشورة بشأن قطع طرق الوصول إلى "فوردو" من قِبل إسرائيل، والتصريحات العَرَضية التي أدلى بها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حول وجود عملاء إسرائيليين في الموقع لتقييم الأضرار، أن إسرائيل كانت تمتلك بالفعل خططًا مستقلة ومحددة لاستهداف تلك المنشأة.
إضعاف الردع الإسرائيلي
يرى كاتب المقال أن إسرائيل أضعفت بشكل مؤقت قدرتها الرادعة التاريخية، بإسناد حتى جزء من العملية إلى قوة أجنبية، حتى وإن كانت تلك القوة الأجنبية قد نفذت مهمتها بنجاح تقني.
وتتجلى أهمية هذه المسألة خصوصًا عند الحديث عن موقع "فوردو" شديد السرية، والذي يُعدّ أكثر المواقع النووية حماية في إيران. وفي المقابل، فإن الولايات المتحدة، عبر مشاركتها في العملية، حصدت مكاسب سياسية.
فقد سمح هذا التدخل لحكومة ترامب في واشنطن بإضافة مشاركة مباشرة في هجوم ضد النظام الإيراني إلى سجلّها، مع تقليل الخطر على القوات الأميركية.
وأضاف المقال أن واشنطن كانت تحت وطأة الضغط الناتج عن النتائج المحدودة في حروب اليمن والعراق وأفغانستان، تسعى إلى إعادة بناء قوة الردع الأميركية وتحسين صورة الرئيس، موضحًا: "رغم ذلك، فإن وسائل الإعلام الأميركية المعارضة لترامب لم تتقبل هذا السرد بسهولة، كما أن محدودية نتائج الهجوم على فوردو قلّلت من التأثير الدعائي لرواية البيت الأبيض".
خامنئي بقي حيًا
وأكدت "جيروزاليم بوست" أن الخطأ الثاني لإسرائيل في هذه العملية كان من طبيعة مختلفة، وهو "عدم استهداف وقتل المرشد الإيراني، علي خامنئي وابنه مجتبى الذي يُنظر إليه كوريث محتمل له".
وبحسب كاتب المقال، فإن النظام الإيراني قائم على أيديولوجيا معادية لإسرائيل، وإن طموحه النووي يشكل "جزءًا من مهمة إلهية لتدمير إسرائيل وتأسيس إمبراطورية إسلامية- إيرانية جديدة".
وفي هذا السياق، إن لم يكن بالإمكان تدمير النظام بشكل كامل، فإن تضعيفه بشدة على المدى القصير يُعدّ خيارًا استراتيجيًا: "القضاء على المرشد ووريثه المحتمل كان بإمكانه أن يخدم هذا الهدف، من الناحيتين العملية والرمزية معًا. فقتل الولي الفقيه، كان سيمثّل هزيمة ميتافيزيقية للنظام الإيراني".
وعمومًا، فإنه مع احتساب هذين الخطأين- أحدهما استراتيجي والآخر عملياتي- يعتقد الكاتب أن إسرائيل، وإن كانت قد حققت نصرًا تاريخيًا، فإن مهمتها لم تكتمل بعد، وما تحقق حتى الآن لا يتجاوز ثلاثة أرباع الطريق نحو النصر النهائي.