زيارة ترامب.. تهديد أخطر من قاذفات "B-52" على خامنئي

وضعت زيارة دونالد ترامب إلى المنطقة والاستقبال الباذخ الذي حظي به من قِبل قادة الدول العربية، النظام الإيراني ومسؤوليه في موقف غير مسبوق من الانفعال والدفاع.
ورغم أن السياسات الأميركية كانت دائمًا تُشكّل ضغطًا على النظام الإيراني، فإن الزيارة الأخيرة لترامب والصدى الواسع الذي لاقته في الإعلام والرأي العام، خلّفت تأثيرًا أعمق وأكثر خطرًا من قصف قاذفات "B-52" الأميركية أو قنابلها الخارقة للتحصينات على خامنئي ونظام الجمهورية الإسلامية.
يكمن سبب هذا التأثير في قوة الصورة والسرد والمقارنة المباشرة بين تقدم دول مثل السعودية والإمارات وقطر، وبين الوضع الحالي في إيران.
وقد أغضبت هذه الزيارة مسؤولي النظام الإيراني بحق، لأنها قدّمت صورة من التنمية والرفاهية والأمن والتخطيط للمستقبل في دول الجوار الجنوبي لإيران، وهي صورة تتناقض تمامًا مع الواقع اليومي المؤلم للمجتمع الإيراني، مثل الانقطاعات المتكررة للكهرباء والماء، وازدياد الفقر، والمشكلات الصحية والتعليمية، وتآكل البنى التحتية.
إن الاستقبال الفاخر الذي حظي به ترامب من الدول العربية، ومشاركة رموز بارزة من شركات التكنولوجيا والاقتصاد العالمية، والنقاشات حول مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي، والعقود الاستثمارية الضخمة، كل ذلك- إلى جانب التغطية الإعلامية الواسعة ووسائل التواصل الاجتماعي- رسم صورة واضحة للنجاح والتقدم الحقيقي، وهي صورة لم تعد قابلة للإخفاء عبر الرقابة الإعلامية في الداخل الإيراني.
وبينما سعت إيران دائمًا إلى تصوير الدول الخليجية على أنها اقتصادات أحادية تعتمد فقط على النفط، أظهرت الصور والبيانات المنشورة أن هذه الدول لم تُحدث تحوّلًا جذريًا في بنيتها التحتية فحسب، بل إنها تحقق تقدمًا ملحوظًا أيضًا في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والنقل الجوي، والرياضة، والثقافة، والسياحة.
في المقابل، ما يُرى في إيران هو تراكم الأزمات؛ 57 مليون شخص باتوا مؤخرًا بحاجة إلى سلع تموينية مدعومة، نصف الطائرات المدنية الإيرانية أصبحت خارج الخدمة، والمطارات تحولت إلى مقابر لطائرات متهالكة، وملايين الإيرانيين لا يملكون وصولًا مستقرًا إلى مياه الشرب، بينما أصبحت انقطاعات الكهرباء ظاهرة عامة.
من جانب آخر، فإن أمثلة مؤلمة، مثل وفاة مهندسين متقاعدين من صناعة الطيران الإيرانية جراء عطل في معدات هبوط طائرة بوينغ متهالكة، بالتزامن مع توقيع قطر عقدًا مع شركة بوينغ لشراء 210 طائرات مدنية جديدة، تُظهر أن الوضع الفني والبشري في إيران قد بلغ مرحلة الخطر. هذان الشخصان أُجبرا على مواصلة العمل، بعد تقاعدهما، بسبب تدني المعاشات التقاعدية.
مقارنة لا مفر منها
الصورة التي رسمتها زيارة ترامب للمنطقة خلقت مقارنة واسعة في أذهان الإيرانيين. كثيرون باتوا يتساءلون بحسرة: لولا وجود النظام الحالي، ألم يكن بإمكان إيران أن تحقق تقدمًا موازيًا لجيرانها الجنوبيين، أو حتى تتجاوزهم؟ لكن الواقع اليوم، رغم ما تمتلكه إيران من موارد طبيعية وبشرية وتاريخية غنية، هو أن قطاعًا واسعًا من الشعب يعيش في فقر ويأس وغياب لأي أفق مستقبلي.
يحاول مسؤولو النظام الإيراني التقليل من شأن دول المنطقة باستخدام تعبيرات مثل "التقدم الحقيقي" مقابل "التقدم الظاهري"، إلا أن الإيرانيين باتوا يرون الفوارق بأعينهم من نوعية السيارات التي يركبها الناس، إلى جودة التعليم والصحة، وحتى مستوى الفرق الرياضية.
بينما تقوم السعودية بتطوير كرة القدم لديها باحتراف من خلال جذب رونالدو وعشرات اللاعبين الآخرين، وتتألق في بطولات آسيا، تعجز إيران عن التأهل للأولمبياد وتُهزم في المنافسات الآسيوية.
زيارة ترامب وضعت النظام الإيراني في موقف ضعف رمزي وإعلامي شديد.
الصورة التي قُدّمت عن التقدم والتفاعل الإيجابي لجيران إيران مع العالم، حطمت رواية النظام التي فُرضت على الإيرانيين لسنوات من خلال الرقابة. لقد خسرت إيران مجددًا معركة الرواية أمام شعبها.
سجلٌ للحكم
وإذا كان معيار الحكم الجيد هو تحسين جودة حياة الناس، فإن سجل نظام طهران، بناءً على مؤشرات مثل توفير المياه والكهرباء والغاز والأدوية والنقل والعمل والمعاشات الكريمة، يُعتبر سجلًا فاشلًا.
وفي حين نرى ازديادًا في مستوى الرفاهية والرضا العام في دول المنطقة، تواجه إيران أزمة شاملة.
ومن المثير للسخرية أن إيران، في مواجهة الانتقادات، تدّعي أحيانًا أن عقوبات ترامب لم تكن مؤثرة، وفي أحيان أخرى تُحمّلها كامل المسؤولية عن الأزمات. هذا التناقض في الخطاب لا يُقنع المواطنين، بل يعمّق الفجوة بين الدولة والشعب.