ويُشير التقرير إلى أنّ الاقتصاد الإيراني كان يعاني ركودًا وأزمة عميقة حتى قبل القصف الأخير؛ حيث كان ستة من كل عشرة أشخاص في سنّ العمل عاطلين، وبلغ معدل التضخم السنوي 35 في المائة، ونحو 18 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر العالمي. وبينما كانت إيران لا تزال تُصدّر النفط والغاز، فإن الحكومة اضطرت لاستخدام المازوت لتوليد الكهرباء.
وقصفت إسرائيل، إلى جانب استهداف القواعد العسكرية والمنشآت النووية، أيضًا عدّة حقول نفط وغاز وحتى مصنعًا لصناعة السيارات، وذلك بهدف مضاعفة الضغط المالي على طهران.
وكان الهدف الأساسي لهذه الهجمات، كما هو حال العقوبات، ضرب مصادر دخل النظام الإيراني وإضعاف القدرات المالية للحرس الثوري ومشاريعه النووية. لكن، بحسب "الإيكونوميست"، فإن الطبيعة غير الشفافة للاقتصاد الإيراني وشبكات التجارة السرّية الواسعة التي يديرها الحرس الثوري، حالت دون أن تُحدث هذه الضغوط أثرًا حاسمًا.
ويُظهر تحليل مفصّل لحسابات النظام الإيراني أن التمويل الأساسي للحرس الثوري ومكتب المرشد الإيراني لا يأتي من الميزانية الرسمية، بل من شبكة واسعة من الشركات المحلية والدولية، ومبيعات نفط مستقلة، وعمليات تهريب.
كما أن الحرس الثوري يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد، إذ إن أكثر من نصف الشركات المسجّلة في البلاد ترتبط به كليًا أو جزئيًا.
وبحسب المجلة البريطانية، فإن "مقر خاتم الأنبياء"، الذراع الاقتصادية للحرس الثوري، يُعد اليوم أكبر مقاول للمشاريع العمرانية في إيران، وتُقدّر قيمته بنحو 50 مليار دولار، ولأن الحكومة الإيرانية تعاني نقص السيولة في السنوات الأخيرة، فقد منحت الحرس بدلًا من الميزانية النقدية مئات آلاف براميل النفط الخام ليقوم ببيعها بنفسه.
ويقوم الحرس الثوري ببيع هذا النفط عبر شبكة معقّدة من الشركات الوهمية والوسطاء، أغلبهم يتعامل مع مشترين صينيين. ويعتقد مسؤولون أميركيون أن هذه الشبكة تفوق في كفاءتها القنوات الرسمية للدولة.
وإضافة إلى ذلك، تُعتبر التجارة غير القانونية مصدر دخل مهم آخر؛ إذ تتهم أميركا الحرس الثوري مرارًا بإدارة مسار تهريب المخدرات من أفغانستان إلى أوروبا. كما تشكّل واردات غير رسمية مثل السجائر، والإلكترونيات، والمواد الغذائية، وحتى الأسلحة، جزءًا من شبكة التمويل الخاصة بالحرس.
وهذه المصادر المتعددة أدّت إلى مواجهة صناع القرار في الغرب تحديًا كبيرًا، فكلما اشتدّت العقوبات، ازدادت قيمة السلع التي يُدخلها الحرس الثوري الإيراني عبر التهريب، ومِن ثمّ زادت أرباح هذه الشبكة.
ويحذّر التقرير من أنه إذا تصاعد التوتر العسكري مجددًا مع إسرائيل، فإن منشآت الحرس، التي تُشكّل جزءًا من شبكة التوزيع والتجارة السرية، ستكون هدفًا رئيسًا للهجمات. إلا أن تجربة العقوبات النفطية السابقة أثبتت أن مثل هذه الإجراءات لا تُبطئ صادرات إيران سوى لفترة مؤقتة، ثم تجد طهران مجددًا طرقًا لتجاوز القيود.
وتخلص "الإيكونوميست" إلى أن كلفة هذا الوضع- في ظل التضخّم الشديد، ونقص السلع، وعدم الاستقرار المالي- يدفعها الشعب الإيراني، وهو شعب لا دور له في قرارات الحرس الثوري، ولا في سياسات النظام الإيراني.