طهران تمهّد لفشل المفاوضات مع واشنطن

أحمد صمدي

مراسل "إيران إنترناشيونال" في ألمانيا

حدد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، خطوط طهران الحمراء، قبل الجولة الخامسة من المفاوضات مع واشنطن، وذلك في مقابلة مع التلفزيون الرسمي الإيراني.

ووفقًا لمصادر مطلعة، فقد جرت هذه المقابلة بتنسيق مع أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ولجنة المفاوضات الخاصة برفع العقوبات، وكان هدفها إيصال رسائل واضحة قبيل الدخول في محادثات حساسة.

وقال عراقجي بوضوح في المقابلة: "إن الطرف الأميركي لا يعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وإذا كان هدفهم إنهاء هذا التخصيب، فلن يكون هناك أي اتفاق".

وأضاف: "إذا كانت الولايات المتحدة تريد إنهاء برنامج تخصيب اليورانيوم في إيران، فلا وجود لاتفاق نووي".

ويبدو أن هذه المقابلة أجريت لتحقيق أهداف محددة، من شأنها التأثير على سير المفاوضات، ويمكن تلخيص أبرز هذه الأهداف في النقاط التالية:

- تهيئة إعلامية وسياسية:

أسلوب حديث عراقجي، والمحاور التي طرحها، يشير إلى أن طهران تحاول ترسيخ روايتها الخاصة في الرأي العام المحلي والدولي. وتُعد هذه الخطوة بمثابة ممارسة ضغط غير مباشر على الطرف الأميركي من أجل قبول مطالب إيران.

- رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة:

يمكن تحليل مقابلة عراقجي في إطار ما يُعرف بـ "الدبلوماسية العامة" أو "التفاوض عبر الإعلام"، والرسالة المباشرة الموجهة إلى واشنطن هي أن إيران لن تتراجع عن حقها في التخصيب، وأن أي محاولة لفرض ذلك تعني نهاية التفاوض.

- توجيه الرأي العام الداخلي:

أفادت مصادر لـ "إيران إنترناشيونال"، في الأيام الأخيرة، بأن أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أصدرت تعميمًا يمنع نشر الأخبار والتحليلات حول المفاوضات من مصادر أجنبية، وقررت أن تكون وزارة الخارجية هي الجهة الوحيدة المخولة بالتواصل الإعلامي.

وتأتي مقابلة عراقجي في هذا السياق لضبط التوقعات العامة، سواء بين المواطنين أو النخب السياسية والإعلامية.

- خفض سقف التوقعات من المفاوضات:

أحد أبرز محاور المقابلة كان الإقرار بحقيقة أن واشنطن تطالب بوقف كامل لأنشطة التخصيب في إيران، وهو موقف أميركي متشدد بات واضحًا في تصريحات المتحدثين باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية. وهذا الموقف يضيّق هامش التفاوض بشدة.

وفي حال استمرار الجمود في هذه المسألة، فإن احتمال فشل المفاوضات يصبح مرتفعًا، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في سوق العملة والذهب والبورصة الإيرانية. وباستخدامه لعبارة مألوفة لدى المسؤولين الإيرانيين: "لقد اعتدنا على العيش تحت العقوبات"، حاول عراقجي تهدئة التوقعات بشأن نتائج مفاوضات روما.

- التمهيد لتحميل الطرف الآخر مسؤولية الفشل:

وفقًا لتقرير صادر عن مجلة "أكسيوس" الأميركية، فقد غيّرت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مؤخرًا تقييمها، وتعتقد الآن أن المفاوضات قد تنهار قريبًا. ويبدو أن طهران أخذت هذا الاحتمال بجدية.

ومن هذه الزاوية، تُعد مقابلة عراقجي "وثيقة تأمين إعلامية" لتثبيت موقف إيران أمام الرأي العام العالمي، وتوفير أساس لتحميل الطرف الأميركي مسؤولية أي فشل محتمل، كما تهدف إلى حماية عراقجي من الانتقادات الداخلية المتوقعة.

أفادت مصادر مقربة من نظام طهران لـ "إيران إنترناشيونال" بأنه لا يوجد حتى الآن "خطة بديلة" واضحة لإدارة الأزمة في حال فشل المفاوضات. ولهذا، يحاول مسؤولو النظام إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، حتى لو لم يتحقق أي تقدم جوهري.

ويُتوقع أن يتضح يوم الجمعة، 23 مايو (أيار)، ما إذا كان الطرفان سيتقدمان نحو اتفاق أم أن العاصمة الإيطالية روما ستكون محطة الوداع للقاءات عراقجي-ويتكوف، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، إما عبر تشديد الضغوط القصوى، أو عبر خيار عسكري محتمل.