الححاب تحت المراقبة... رسائل مجهولة تكشف وجه الدولة الخفي في إيران
منذ أواخر أبريل (نيسان) 2025، شهد تنفيذ سياسة الحجاب الإجباري في إيران تطورًا جديدًا فرض طبقات إضافية من الخوف والغموض وانعدام الثقة داخل المجتمع: رسائل نصية تُرسل بشأن مزاعم مخالفة النساء لقانون الحجاب، وصلت في بعض الحالات إلى رجال الأسرة.
وفي الكثير من هذه الرسائل، ذُكر توقيت وموقع المخالفة بشكل دقيق، مما جعل المواطنين يشعرون بأنهم تحت المراقبة المستمرة وفي كل لحظة. وقد ادعت الحكومة، ردًا على هذه الرسائل، أنها تجهل مصدرها، وهو ادعاء لم يؤدِ إلا إلى تعميق القلق الشعبي وزيادة الشكوك حول نوايا النظام الحقيقية.
إحدى المواطنات من طهران أفادت: "هذه هي المرة الثانية التي أتلقى فيها هذه الرسالة، مع أنني لا أملك سيارة ولا أي وسيلة نقل مسجلة باسمي، وأتنقل فقط بواسطة المترو وسيارات الأجرة. يشبه الأمر النظام الذي أنشأته هيئة الأمر بالمعروف في أصفهان لفرض الحجاب الإجباري".
إرسال هذه الرسائل النصية الغامضة بدأ من أصفهان وامتد إلى طهران وشيراز، ليشكل حملة جديدة من المراقبة والترهيب الحكومي.
عدد كبير من متلقي الرسائل كانوا رجال الأسرة: الأزواج أو الآباء أو الإخوة. وبما أن البنية الاجتماعية في إيران ما زالت، في كثير من الجوانب، تقوم على أساس النظام الأبوي، فقد صُممت هذه الرسائل لتضع الرجال في موقع "حارس الحجاب"، في محاولة لنقل مسؤولية مراقبة النساء من الأجهزة الحكومية إلى داخل البيوت، دون أن تتحمل الدولة مسؤولية مباشرة.
رسائل نصية من مصدر مجهول
في خضم ردود الفعل الواسعة، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، ومساعدة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة، زهرا بهروزآذر، أنهما تجهلان مصدر هذه الرسائل.
ففي 5 مايو (أيار) الجاري، صرحت بهروزآذر قائلة: "نحن الآن بصدد معرفة الجهة التي تقوم بإرسال هذه الرسائل، ولا أملك حتى الآن جوابًا. نحاول تحديد مصدر هذه الرسائل وهدفها، وتحت أي قانون يتم إرسالها. ونظرًا لعدم اكتمال المعلومات، لا يمكنني تقديم تقرير".
ويبدو هذا الادعاء غير مقبول بشدة، في ظل إنفاق النظام الإيراني مليارات التومانات خلال السنوات الماضية على تطوير أنظمة المراقبة الرقمية، بما في ذلك الكاميرات الأمنية، وأنظمة التعرف على الوجه، وتتبع الهواتف المحمولة، وحتى تطبيقات "المواطن الراصد".
فإذا كانت سلطة بهذا المستوى من القدرة الرقابية تجهل الجهة التي تمتلك بيانات المواطنين الخاصة وترسل هذه الرسائل، فهي إما تعاني عجزًا تامًا أو تمارس الخداع والتضليل للرأي العام.
نفي الحكومة للمسؤولية: هل هو تكتيك سياسي؟
يمكن اعتبار هذا الإنكار الحكومي خطوة محسوبة لتفادي تحمّل المسؤولية. ففي أعقاب احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" الواسعة عام 2022، حاولت حكومة بزشكيان أن تتبنى نهجًا أكثر "ليونة" تجاه الحجاب، لكنها في الواقع واصلت تنفيذ القانون، بل أصبح تطبيقه أكثر تعقيدًا وغموضًا.
ويبدو أن إخفاء مصدر هذه الرسائل يمنح الحكومة هامش مناورة، لتتنصل من المسؤولية، في حال تصاعدت الاحتجاجات أو ازداد الضغط الدولي.
أدوار بارزة للأجهزة غير الخاضعة للمساءلة
تتزايد المؤشرات على أن مؤسسات متشددة وغير خاضعة للمساءلة، مثل الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات ومجلس صيانة الدستور، تلعب دورًا بارزًا في هذا الملف. فمع أن بزشكيان عارض بعض مواد قانون الحجاب واعتبرها "غير قابلة للتطبيق"، فإن القانون أُقر بضغط من النواب المحافظين وتحت رقابة مجلس صيانة الدستور.
ومِن ثمّ، فإن حملة الرسائل النصية قد تكون تنفيذًا مستقلًا من قِبل هذه الجهات، فيما تسعى الحكومة لإظهار نفسها بمظهر "المعتدل" من خلال ادعاء الجهل.
وبعبارة أخرى، فإن هذا الإنكار يعكس حقيقة أن السلطة الحقيقية لا تكمن في يد الحكومة، بل في يد الأجهزة الأمنية والأيديولوجية.
تكتيك قديم بمعطف رقمي جديد
إن نسب الرسائل إلى جهات "مجهولة" أو عناصر "متطرفة غير منضبطة" هو تكرار لتكتيك مألوف استخدمه النظام مرارًا في العقود الماضية. تكتيك يهدف إلى طمس الخط الفاصل بين المراقبة المنظمة والانتهاكات الفردية.
وتأتي الرسائل الأخيرة كجزء من هذه السياسة؛ حيث يبدو تنفيذ القانون كأنه عفوي وغير مركزي، وذلك لإخفاء الدور الفعلي للأجهزة الأمنية والاستخباراتية في هذه العمليات.
تبعات حملة الحجاب الرقمية
في جوهر هذا المسار الجديد تتشكل عدة مخاوف حقيقية:
- أولًا: البنية الرقمية الإيرانية، التي تعتمد على تقنيات مثل التعرف على الوجه، تتبع المواقع الجغرافية، ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعي، مصممة لتوفير رقابة لحظية على المواطنين. واستلام رسائل تشير إلى زمان ومكان محددين يدعم فرضية أن السلطات تمتلك وصولًا مباشرًا إلى بيانات المستخدمين. هذا المستوى من الرقابة يُعد انتهاكًا صارخًا للخصوصية، ويُمهّد الطريق لمزيد من القمع الرقمي.
- ثانيًا: استهداف رجال الأسرة لممارسة الضغط يعكس محاولة النظام إحياء دور الرجل "كمراقب للمرأة" داخل الأسرة. هذه السياسة لا تعزز فقط العنف الأسري، بل تدمر الثقة العائلية، خصوصًا في الأسر التي أصبحت فيها مقاومة الحجاب الإجباري رمزًا للتضامن.
انهيار الثقة العامة
أهم ضحايا هذه الحملة هو الثقة العامة. أولئك الذين صوتوا لبزشكيان كانوا يأملون في نهج جديد بشأن الحجاب والحريات الفردية. لكن الواقع يكشف مفارقة حادة بين خطاب الإصلاح وبين واقع القمع الرقمي الخفي، الذي تتسامح معه الحكومة أو حتى تشجعه.
وهذا التناقض يضع شرعية الحكومة على المحك، ويزيد من شعور المواطنين بالخديعة وانعدام الحماية.
حملة الرسائل النصية حول الحجاب ليست مجرد قضية قانونية حول تغطية الرأس، بل تعكس صراعًا أعمق بين الدولة والمجتمع حول مفاهيم الإنسان، والحرية، والسيطرة. ففي حين تسعى النساء، عبر رفضهن الواعي للحجاب الإجباري، إلى إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والسلطة، تلجأ الدولة إلى وسائل تُضعف الثقة العامة وتهز ركائز شرعيتها الهشة.
لا ينظر العالم إلى هذا الوضع باعتباره "مسألة ثقافية" محلية فقط؛ فالرسائل النصية ذات المصدر المجهول، التي تنقل المراقبة من المؤسسات الرسمية إلى داخل البيوت، تمثل جرس إنذار لتصعيد القمع المنظم، وقد تؤدي إلى ردود فعل دولية وحقوقية واسعة.