نشطاء إيرانيون: التقدم ليس تخصيب اليورانيوم.. والحرية ليست بقصف السجون

تصاعدت أعمدة الدخان من سجن "إيفين" في شمال طهران، عقب غارة جوية إسرائيلية يوم 23 يونيو (حزيران).

تصاعدت أعمدة الدخان من سجن "إيفين" في شمال طهران، عقب غارة جوية إسرائيلية يوم 23 يونيو (حزيران).
لقد قضيت وقتاً في سجن إيفين، أكثر السجون شهرة في إيران، وهو السجن ذاته الذي قصفته إسرائيل يوم الاثنين. نصف أصدقائي المقربين مرّوا به أيضًا. هل نرغب في أن يُسوّى بالأرض ويُحوَّل إلى حديقة؟ نعم. هل أسعدنا قصفه؟ لا.
لا يزال عبق الخرسانة الرطبة والخوف الراكد عالقًا بي. أحلم بجرافات تهدم جدرانه، وبأطفال يركضون حيث كانت غرف التحقيق. لكن القنابل ليست جرافات، والضربات الصاروخية ليست وعدًا بالتجديد.
أتخيل ظهيرة يونيو (حزيران). حرارة طهران أصبحت لا تُطاق حين شقّ صوت الإنذار الهواء.
في جناح النساء بسجن إيفين، يتحطم الزجاج بانفجار حاد. الشظايا تُمزّق الأذرع والوجوه قبل أن يدرك أحد ما حدث. أما في الخارج، فالمشهد أسوأ: أمهات، آباء، إخوة- من بينهم عائلتي- يقفون عند الكشك الذي يديره مجند مراهق يكره موقعه بقدر كراهيتنا للنظام.
وفي لحظة برق، يختفون جميعًا.
هكذا هو يوم الزيارة في إيفين: وجوه يائسة تضغط طلبًا لخبر أو لمحة أو وعد. الآن، الإسفلت محترق، والكشك مشوّه.
كيف، بالضبط، يحرّر قصف السجون وطناً؟
الأنقاض تجذب الطغاة الجدد، لا الأراجيح. هذا ليس المستقبل الذي خاطرنا بكل شيء من أجله في مواجهتنا للنظام.
نعيش في زمن غريب، على أقل تقدير.
الأصدقاء وأفراد العائلة ينقلبون ضد بعضهم البعض. الجغرافيا باتت خطاً فاصلاً.
الإيرانيون القلقون- أو "حَسَنُو النية" من بعيد- في لندن أو لوس أنجلوس، أكثر ميلاً للتصفيق.
فهم لا يسمعون الانفجارات التي تهز جدراننا، ولا يرون الدخان ولا الوجوه الشاحبة المذعورة؛ وجوه جيراننا، وآبائنا، وأطفالنا.
أحاول ألا أحجب أولئك الذين يثيرون غضبي ببرودهم وسخريتهم الفجّة. هم أيضاً أبناء هذا النظام، قد بُلّدوا بتدفق يومي من المعاناة، من كييف إلى غزة، وسُلبت منهم التعاطف من كثرة الألم.
أحاول ألا أحجبهم لأننا بحاجة لبعضنا البعض، بأكبر عدد ممكن، إن أردنا النجاة من هذا الجحيم دون أن نسقط في الهاوية.
أنا منهك، غاضب، من هذا النظام كأي شخص. أحتقر هذا النظام الذي سرق حياتي بشعارات جوفاء، وأحتقر الرجل الذي يرسل رسائل التحدي من مخبئه تحت مدينتي.
لكن هذا ليس خلاصًا.
في السابق، لم يُسأل أحد منا إن كنا نريد تخصيب اليورانيوم على حساب تطلعاتنا. والآن، لا أحد يسأل إن كنا نريد طائرات نتنياهو فوق رؤوسنا أو مراكز الشرطة وسط طهران تتحول إلى أنقاض.
لا أذرف دموعًا على جنرالات الحرس الثوري القتلى، فالمحاكمات كانت أفضل، لكنني أحزن على عجزنا، ونحن عالقون بين حُكّام لا يهتمون وأجانب يستخدمون معاناتنا مادة للحديث.
وفّروا علينا الخُطب الأخلاقية. تابعوا مصالحكم إن شئتم، لكن لا تتظاهروا بأن الضحايا الجانبيين هدية للشعب الإيراني.
القائد الحقيقي كان سيتنحّى منذ زمن ليجنّبنا هذا الانحدار. لكن خامنئي يختبئ في باطن الأرض، بينما نظلّ نحن- أسرى داخل إيفين وخارجه- نحسب كلفة هذا الخراب.
أكتب هذه الكلمات وقد مررت بغبار حفرة على طريقي إلى المنزل. لست متأكدًا من سيقرأها، لكنها الشيء الوحيد الذي أستطيع فعله بين الحداد على الأرواح التي حُصدت، والخوف من القضبان الجديدة التي ستحل محل القديمة.